بعد أعلان النتائج الاولية للأنتخابات العراقية الاخيرة بساعات أعلن رئيس تحالف الفتح هادي العامري، رفضه تلك النتائج في العراق، وأنها “مفبركة”، مشدداً “سندافع عن اصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة”. واصفا تلك النتائج بالمؤامرة التي تستهدف الفتح الممثل الشرعي للحشد وهذا الحديث يحمل في طياته تهديدا واضحا للمفوضية وكذلك للحكومة التي اسهم العامري في اختيار رئيسها ، فيما ردت رئيسة البعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات العراقية، بعد اسبوع من الانتخابات ، على “الرافضين للنتائج”، مؤكدة عدم وجود “تلاعب او خروقات” خلال العملية الانتخابية، فيما حثتهم على تقديم شكواهم الى المفوضية العليا.
وبنفس المعنى ايضا اوردت محطة الـ BBC البريطانية يوم الاربعاء ان هنالك اشادة دولية بالعملية الانتخابية ، مما يعني ان المراقبين الدوليين قد ارسلوا رسائل تتفق ورؤية البعثة الاوربية ، وبالتالي ستجعل تهديدات المعترضين في مواجهة مع المجتمع الدولي
لا ننكر ان اية انتخابات في العالم لا تخلو من التزوير لكن ضمن نسب تتراوح وطبيعة ثقافة المجتمع وقوة القانون ونزاهة السياسيين ، ومن وجهة نظر عراقية غير متحزبة ، فأن أنتخابات 2021 قد اختلفت عن سابقاتها ، حيث لم تحدث فيها خروقات كتلك التي حدثت في السابق وخصوصا انتخابات عام 2018 التي تعتير الاسوء بعد سقوط النظام السابق كالتزوير الفاضح او حرق صناديق الافتراع او اتلاف الحواسيب التي كلفت الكثير من المال العام دون ان يكترث لهذه الخسارة بقدر اهتمام الجميع ان تمر نتائج التزوير كما أن حكومة العبادي لم تقم بأتخاذ الاجراءات الفورية على هذه الجرائم التي ارتكبت بحق المال العام الذي صرف على الانتخابات والاجهزة ، ولم تثر ثائرة أحدا على هذا التزوير الفاضح كما نرى اليوم من رفض وتهديدات علنية ، لذلك كان من الطبيعي ان تنتج تلك الانتخابات السابقة حكومات توافقية تشكل غطاءا للسراق والفاشلين في ادارة الدولة ، حتى جاءت احتجاجات تشرين عام 2019 التي رمت حجرا في الماء الراكد لتنتج عنه بوادر تغيير وان كانت بسيطة لا تمثل طموح شعب خضع للنصب والاحتيال طيلة ثمانية عشر عاما انفقت من خلالها اكثر من ترليون دولار اضافة الى تكبيل العراق بديون فلكية كبيرة دون ان تلامس جراح المواطن المسكين في تطلعه الى خدمات في ادنى صورها ، ومن بوادر هذا التغيير انتاج قانونا انتخابيا يمثل المناطق ودخول الجهات الدولية على خط مراقبة الانتخابات واحتمالية مصادقة مجلس الامن على نتائجها ان انجزت على احسن صورها وقدمت المفوضية الردود المنطقية للمعترضين واقنعتهم بالاصوات التي حصلوا عليها بعد ان اعطت للجميع صورة مرتبكة في ادارة الانتخابات في اول الامر وتقديمها للنتائج الاولية بشكل مربك ومتعثر
هنا لا ابرر للأرباك الذي ظهرت عليه المفوضية الجديدة والبعيدة نوعا ما عن توافقات الاحزاب والذي مرده خشية رجالاتها من سطوة الاحزاب ورد فعلها على النتائج الاولية التي اظهرت افول بعض الجهات السياسية من المشهد السياسي للسنوات الاربع القادمة او ربما للابد ان لم تراجع اداءها وتنتقد عملها وتقوم بتصحيح مسارها لكسب ود الشعب مرة ثانية ، لطالما سمعنا من بعض السياسيين في صحوة ضمير من خلال نقد ذاتي (نحن من حمى الفساد وكنا نذهب للقضاء نهدده واليوم مو ابن امه اللي ما يخضع للتهديد ) ، فلمثل هذه اللهجة ووقائع الأختفاء القسري تأثير على اية جهة مستقلة او شبه مستقلة
كما غاب عن السياسيين الخاسرين امر مهم لم ينتبهوا له ، ان فترة ما بعد تشرين التي تركت اثرا واضحا على العملية السياسية رغم محاولة البعض التقليل من شأن ذلك ، ألا انها جلبت انتباه العالم وسببت حراكا دوليا غير منظور وبالتنسيق مع حكومة بغداد لتضييق الخناق على طريقة اداء الانتخابات وتقليل فرص التزوير بشكل كبير وسط عدم اكتراث اغلب الاحزاب السياسية بسبب غشاوة الترف والرفاه الذي يلف عيون قادتها لهذا الحراك ، فنسوا الشارع ومعاناته ونقص الخدمات وما يتعرض له الاقتصاد من ضائقة مالية من دون ان ينتخي احدا منهم لعمل شيء ، اضافة الى ان مسرح الاحتجاجات هذه كان في مناطق الاحزاب الخاسرة والتي كانت تكيل للمحتجين سيلا عرما من الاتهامات وانهم من ذيول السفارات والى غيرها من النعوت التي بعضها غير مقبول مثل الطعن بالاعراض ، بدلا من النزول الى الشارع والاستماع الى معاناتهم على اقل تقدير من اجل ابعاد تأثير الاطراف الخارجية التي استغلت هذه الفجوة فتزيد من احتقان الشارع ، والاهم من ذلك فان كتلة مثل الفتح التي تقول انها تمثل الحشد ، تركت قاعدتها الحشد من المفسوخة عقودعم دون معالجة وكذلك عوائل الشهداء الذين لم ينالوا حقوقهم المشروعه في حين راح الكاظمي يغدق بالعطايا ومنح قطع الاراضي الى الاصدقاء والمصفقين له
لكن والحق يقال كان التيار الصدري اكثر ديناميكية واكثر استيعابا للعبة الديمقراطية وأستوعبوا درس النظام الانتخابي الجديد الذي كانوا من اشد مؤيديه ، ولديهم خصلة تميزهم عن بقية القادة بكون اغلب قياداته يعيشون بين مؤيديهم و لم يتحصنوا خلف متاريس المنطقة الخضراء التي خلقت شرخا بين الساسة والشعب
اما الميزة الاخرى للتيار والتي لا تتوفر في الاحزاب الاخرى ، ان تيارهم ذا الجمهور الواسع والعريض حقا ، يكاد ان يكون ثابتا ومطيعا لقائده بشكل مطلق ، وهذه الخصلة غير موجودة في الاحزاب الاخرى
نتطلع مخاصين الى ان يتغلب منطق العقل قبل الغلو العاطفي في تفهم الالية التي تم احتساب الاصوات من خلالها وفق التمثيل المناطقي الذي فرض هذه النتائج وعدم التعويل على حجج واهية كالتزوير ، الذي هو الاقل حدوثا بمقارنته باي انتخابات سابقة لقطع الطريق على اي جهد قد يهدد السلم الاهلي وهي ايضا مناسبة للاحزاب والكتل الخاسرة ان تعيد النظر في منطلقاتها وان يكف قادتها عن القول عكس السلوك الذي باتت الجماهير على وعي به ،
ونتمنى ان يتم الشروع بتكليف الكتلة الفائزة بتشكيل الحكومة بدلا من التآلف والتوافق الذي تجني ينفع الاحزاب وقادتها في تقاسم المال العام ويجني الشعب المآسي و البلد الدمار والمواطن حقوقه ، لكي تتحمل تلك الكتلة مسؤوليتها بعد خلاصها من قيود التوافق والمحاصصة ، وبذلك نؤوسس للديمقراطية الحقة وبهذه الطريقة نغلق الابواب امام التدخلات الخارجية أيضا في اختيار المسؤولين والكابية الوزارية ،
وألآ ما الفائدة من انتخابات نخوضها كل اربع سنوات تستهلك المليارات تعيد علينا نفس الوجوه ونفس الالية في الادارة تحت مسمى التوافق البراق لغويا والفاسد واقعيا ،