18 ديسمبر، 2024 8:16 م

احياء الذكرى الثانية لانتفاضة تشرين المجيدة، في ساحات الحرية التي انطلقت منها ، أكدت انها اصبحت ضميراً في الوجدان العراقي الشعبي ، وان أوردة وشرايين الجمهور الباحث عن وطن قد تشربت دماء شهدائها ، على الرغم من كل الاسلحة التي وجهت الى صدورها العارية ،الا من حب العراق، لاجتثاثها وشرائها وحرف مسارها وتحويلها الى ذكرى للتندر والابتسامات الخبيثة !
مازالت تشرين ضمير الباحثين عن الحرية والوطن معاً وستبقى كذلك حتى يفك الاشتباك بين جمهورها وسلطة القمع والفساد ، ومازالت تشرين تسير في اتجاه اللحظة التأريخية الفاصلة التي يتعذر فيها على الجمهور ان يعيش بنفس الطريقة السابقة ، كما يتعذر على السلطة ان تعيش بالطريقة التي تكبح بها تطلعات الجمهور للمستقبل ، في لحظة التقاطع هذه ينفجر الصراع المؤجل ، كل في اجل قادمون ، ولا أحد يستطيع تقييد هذا الانفجار والتلاعب بنتائجه والعمل على تدجينه ، فلا يتبقى أمام السلطة الحاكمة المستبدة الا ان تستجيب !
ولكن أي نوع من الاستجابات ؟
لاتستطيع الطغمة الحاكمة ، بحكم منظومتها العقلية السياسية والايديولوجية ، الارتقاء الى مستويات استجابة منطقية تجعل الصراع بينها وبين الجمهور في اطار سياقات البحث عن حلول للمأزق التأريخي بينهما ، السلطة والجمهور، فتنفتح ابواب الازمة على مديات مجهولة وطروحات تعمّق الازمة وتدفع بها الى قمة مستويات الصراع المستحكم ، باتجاهات العنف الذي تستخدمه السلطات حفاظاً على مصالحها والعنف المضاد الذي يمارسه الجمهور دفاعاً عن النفس.
في تجربة الاحتجاجات العراقية وصدامها مع شكل الحكومات المتعاقبة منذ 2005 حتى الآن ، لم تستطع الطبقة الحاكمة ان تستجيب لمطالب الجمهور ، أو بتعبير ادق ليس لها الرغبة بالاستجابة الى مطالب الجماهير المحتجة ، ذلك ان مطالب المحتجين تتعارض كلّياً مع مصالحها ، فالتغيير الحقيقي يحتاج الى مكافحة الفساد جدياً ، والطبقة السياسية بشبكتها العنكبوتية في مفاصل الدولة غارقة في الفساد المالي ومعتاشة علية محوّلة الدولة الى دولة زبائنية تخدم مصالحها ، وبالتالي فان تحقيق هذا المطلب الجماهيري يعني الاصطدام القوي بمصالحها.
كما ان اشكالية السلاح المنفلت تحولت الى ملف انتخابي سيء الصيت والسمعة !
الاسباب والمخرجات التي انطلقت بسببها انتفاضة تشرين الخالدة مازالت قائمة ، بل تراكمت عليها اسباباً اخرى ، الابرز منها ، الاستخفاف بالانتفاضة والتعامل معها حتى الآن باعتبارها صناعة خارجية من خلف الحدود أو مؤامرة سفارات ، ويجمّلون هذا الطرح بالاتكاء على مفردة ” البعض ” لكنها لعبة كلامية قذرة لاتهام الجميع من خلال انخراط ” البعض ” بـ ” الكل ” في صيغة الخطاب السياسي والاعلامي للاحزاب المتصدية للانتفاضة وهي احزاب الاسلام السياسي الشيعي تحديداً ، التي قمعت الجمهور الشيعي نفسه بوحشية سقوط نحو الف شهيد و 25 الف مصاب نصفهم تحت رحمة الاعاقة الجسدية !
قدمت تشرين في ذكراها الثانية مثالا حضاريا على التنوع النضالي في مسيرة تحقيق الاهداف بالطرق السلمية طالما ان بنادق السلطة وكواتمها لاتوجه الى صدور الشباب ، لكن الايغال في تجاهل مطالب الانتفاضة او الاستخفاف بها أو تسويفها ، ربما يحول هذا المشهد الى الى عرض جديد من الصراع بين الجمهور المحتج والسلطة القمعية !
يقول مثل صيني ” رب شرارة احرقت سهلاً ” والمتوافر لدينا اكثر من شرارة في اكثر من مكان من جغرافية البلاد ، وكل تلك الشرارات مهيئة في لحظة تأريخية فارّة الى ان تحرق كل السهول ويصبح من المستحيل على أي قوى اطفاء النيران التي ستبتلع الاخضر واليابس !!