في عام 1936 كتب (ليون تروتسكي) أبرز قادة الثورة الروسية بعد لينين ومؤسس الجيش الأحمر كتاب (الثورة المغدورة: نقد التجربة الستالينية) ثم قاد المعارضة اليسارية ضد البيروقراطية الستالينية. ويحلل تروتسكي في كتابه طبيعة الدولة والمجتمع بعد صعود البيروقراطية، مؤكدا على أن الثورة السياسية العالمية مخرجا من المأزق المخيف المتمثل بالسيطرة البيروقراطية.
يقول تروتسكي” أن الجيل الجديد محروم من خبرة الثورة وصراع الطبقات، فلا يمكنه أن يعد نفسه ليشترك بكل وعي في الحياة الاجتماعية وسط ديمقراطية سوفيتية عن طريق الاجتهاد وسط دراسة تجارب الماضي ودروس الحاضر، ولا ينمو الفكر والشخصية بدون نقد. ولكن فكرة تبادل الآراء والوقوع في الخطأ ومراجعة الأخطاء الشخصية وأخطاء الآخرين وتصحيحها فكرة محرومة على الشبيبة السوفيتية. وترد البيروقراطية على كل نقد بقصف رقبة من يجرؤ عليه. أنها تقمع كل موهوب ومتمرد لدى الشبيبة، تزيله من الوجود أو تبيده جسديا، وهكذا يمكن تفسير لماذا الملايين وملايين الأعضاء في منظمات الشبيبة الشيوعية لم يكونوا إلى اليوم شخصية بارزة واحدة”(ص 57).
بالرغم من الفارق الكبير والاختلاف الشاسع بين الثورتين (ثورة تشرين العظيمة والثورة البلشيفية) لكن التشابه يأتي في اقتباس العنوان وما ذكره تروتسكي آنفا عن معاناة الشباب السوفيتي بعد انتصار الثورة الروسية. عليه فإن جوهر الموضوع هو الصراع.. صراع قوى تعبر عن نفسها بأيديولوجيات. بلا شك أن شباب ثورة تشرين الأبطال ليسوا من أصحاب الأيديولوجيات والاتجاهات السياسية المتعددة، لكن هدفهم الوحيد هو (نريد وطن) وهذا بحد ذاته أسمى وأعظم من كل الأفكار، بل سلاحا فتاكا أخطر بكثير من تأثير أسلحة الدمار الشامل بالنسبة للطغاة، ومعادلة يصعب حلها في علم الدكتاتورية.
ومن هذا المنطلق تمت إدارة الصراع من قبل السلطة العراقية بكل توابعها وملحقاتها الحشدية وغيرها بالإفراط في استخدام القوة الأمنية والعسكرية، مثل الاعتقالات والاغتيالات والتغييب، بالإضافة إلى مكر السياسة الذي تجسد في اتهام الشباب العفوي، بأنهم جوكرية وعملاء السفارات، وإن بعض من دول الخليج تدعمهم بالمال، ناهيك عن اتهامهم بالبعثية وأزلام النظام السابق، والأدهى من ذلك انقلاب البعض عن الثورة بعد أن باعوا ضمائرهم وارتموا بأحضان السلطة. وبالتالي انقلبت معادلة الصراع ليكون الغالب فيه مغلوبا (شباب الثورة) بمعنى أنه تم الغدر بهؤلاء الأبطال، فأصبحت ثورة تشرين.. الثورة المغدورة على الأقل في الوقت الحاضر.
وإذا ما ناقشنا مقولة تروتسكي (أن البيروقراطية الستالينية ترد على كل نقد بقصف رقبة من يجرؤ عليه) هنا سنلحظ التطابق التام بين البيروقراطية الستالينية في الاتحاد السوفيتي سابقا والدكتاتورية الدينية في العراق حاليا. فالطبقة الدينية بالعراق والتي هي الحاكم الفعلي وصاحبة القرار السياسي قبل الفتاوى الدينية، قصفت كل رقاب الشرفاء، ومارست شتى أنواع الاستبداد والفاشية ضد ثوار تشرين، لكنها في الوقت نفسه قررت تطبيق الديمقراطية والليبرالية والعلمانية مع الفاسدين واللصوص والمجرمين، ولم تلتفت إلى انتشار الملاهي الليلية ونوادي المساج والدعارة، ربما من مبدأ (الجهاد على صدور النساء) تطبيقا ل (البراغماتية الدينية). من ثم فهي عملية ممنهجة لتشويه ثورة تشرين، حيث لم يسلم أي شريف في العراق من الدعاية الإيرانية السوداء.
وبما أن عنوان كتاب تروتسكي (الثورة المغدورة: نقد التجربة الستالينية) إذن من الملائم في حالة العراق أن يكون العنوان (تشرين الثورة المغدورة: نقد التجربة الإسلامية).
بقلم: الكاتب والباحث السياسي