23 ديسمبر، 2024 8:41 ص

في إمتحان مادة أمراض الأطفال في أحد الصفوف المتقدمة في كلية الطب، السؤال كان بخصوص بعض الأعراض المرضيّة التي تظهر في الأطفال. السؤال يطلب تشخيص المرض مع وصف العلاج له.
أحد الطلبة قام بدراسة الأعراض المطروحة في السؤال ومن ثم شخّص المرض، بعدها قام بكتابة العلاج اللازم لهذه الحالة. بعد الانتهاء من الإجابة نهض الطالب من مكانه وسلم الورقة إلى الأستاذ المراقب. بعد تسليم الورقة اكتشف الطالب أنه قد شخص المرض بالخطأ واعطى العلاج الخطأ. سارع إلى الأستاذ وطلب منه إعادة الورقة إليه ليصحح خطأه، لا سيما وأنه لم يغادر قاعة الامتحان بعد. قال للأستاذ:
– لقد أخطأت التشخيص وها أنا ذا لم أغادر القاعة. أرجو إرجاع ورقتي ومساعدتي لأصحح الخطأ.
جاء رد الأستاذ مختصراً وقد أفاد به الكثير حين قال:
– لقد مات الطفل.
تصور أن هذا الطالب هو الطبيب الذي يجلس في أحد المستشفيات أو يفحص المرضى في عيادته الخاصة، وقد وصف العلاج الخطأ بعد أن أخطأ التشخيص. العلاج الخاطئ سوف يعطى للطفل المريض ولا يمكن استرجاعه بعد ذلك. هكذا قصد الأستاذ بأن الطفل قد أخذ جرعة العلاج والعلاج الخاطئ في معدته الآن، فكيف لك أن تخرج العلاج الخاطئ بعد أن تناوله الطفل كي لا يموت؟.
إذا مات الطفل بيد هذا الطبيب فإن ذوي الطفل سيلعنون الطبيب حتى آخر رمق. أمّا إذا كان الخطأ من سياسي يقود بلد وقد أخذ على عاتقه مسؤولية أمة بأسرها وزمام أمور شعب بأكمله، فإن الشعب سيلعنه حتى تصيح السّاعة. فإذا لم يكن ولي الأمر منصفاً بين المكونات سيكون في لعنة الله، ناهيك عن الحساب الدقيق في يوم تشخص فيه الأبصار. فالتشخيص يجب أن يكون دقيقاً لمحدثات الأمور وأن يعرف الجميع بأن الإنسان سوف يسأل بقدر ما يعطى وإنه لا يترك سدى وليس له إلاّ ما يسعى. فالأمر ليس مجرد شراء عقارات داخل وخارج العراق كما يصور لهم وليس بركوب السيارات الفارهة مصحوباً بالحاشية. إنها مسؤولية صعبة إن أدركوها.
القرارات يجب أن تكون سريعة وإلاّ فإن أي قرار بعد فوات الأوان لن يجدي نفعاً، ويكون كالعلاج في جسد بلا روح وكالنفخ في الرماد. الاحساس بالمسؤولية واستنفار الهمم من أجل التصدي لكل طارئ وإيجاد الحل وإرضاء الناس، إنما هو الأداء الصحيح في كل عمل يوكل إلى شخص ما. لا سيما وإن كل ما يدركه المرء هو أمر مؤقت ودوام أي حال فهو من المحال.
المسؤوليات الكبيرة التي تمس المجتمع وأمنه وسلامته ومستقبله، إنما يحتم أن يكون الجميع على أهب الاستعداد وأن يعمل الفرد الواحد من أجل الجميع وتغليب المصلحة العامة على كل المصالح الخاصة. فبإمكان شخص واحد يقظ أن يوقظ مجموعة من النائمين.