18 ديسمبر، 2024 10:19 م

تشتيت وتمحور البنية الدلالية في مجموعة “ و.. “ الشعرية للشاعر عدنان الصائغ

تشتيت وتمحور البنية الدلالية في مجموعة “ و.. “ الشعرية للشاعر عدنان الصائغ

التدفق السطحي للمعنى وفي التعبير الشعري تفتقردائما  الى التركيز المستمر في البنية الدلاليةوالشكلية ,لانها حالة من الفلتان اللغوي لاي  نص ادبي ,من الممكن وصفه بالشعر. وبما ان لغة الشعر كشكل لغوي لها الامكانية الكافية او المساحة المتوفرة الكافية لتندمج مع اشكال اخرى من الخطابات النثرية (السياسة ,المجتمع,التاريخ ,الايدولوجيا,,,الخ)والتي من الصعب تخزينها في اللغة الشعرية,يواجه الشعر تحديات خطابية لاشعرية ,تساعد اللغة في التشتيت العكسي لبنيتها الشعرية .وبالعكس من ذلك ان التركيز اللغوي والتمحور البنيوي للمعنى والشكل, في اطارقوة التخزين والايجاز تساعدان في الحفاظ على البنية الشعرية التي تشكل موانع لغوية في لحظات كتابة الشعر,نعني بالتكبيس البنيوي للغة الشعر التهرب البنائي المستمر للقيمة الموضوعية(المباشرة) التي تجرنا دائما الى مساحات معنوية تعكس ردود الافعال التحيزية للجوهر الايدولوجي ,ومن ثم جر لغة الشعر الى خطابات تخرج عن مدار الشعر والصفة الشعرية للنص.
   نقصد بالتشتيت اللغوي للبنية الدلالية,التفرع المستمر للغة الشعر في بنية دلالاتها لتشتمل معانيها مكونات تعبيرية من الصعب صياغتها في لغة الشعر’لانها تدفع بالشاعر الى استخدام لغة تعبيرية تخرج عن اطار الشعر وتغطيها صياغات لغوية غير شعرية.اي ,اذا ما اعتبرنا اللغة الشعرية كنوع من فنون التعبير.هدفها تحقيق غاية جمالية او فلسفية وحتى معرفية وفكرية او حسية,حالما يتوغل الشاعر في تفصيلات سردية وحكائية تاريخية وسياسية او ايدولوجية.تبداْ القصيدة بتشتيت بنيتها الدلالية المتماسكة لتمهد السبيل امام المد السريع لتداخلات معنوية غير شعرية.   نحاول في هذه الدراسة الموجزة تحليل اهم المرتكزات الدلالية التي تجسد حالتي التشتيت الدلالي وتمحورها في اللغة الشعرية لمجموعة( و) الشعرية وتاثيراتها البنيوية والعكسية على لغة الشعر من خلال المقارنات اللغوية في مكونات المعنى ودلالاتها ,ولان دراسة كهذه لا تبحث في اهمية المعنى ,بل تبحث عن كيفية انشاء وتكوين المعنى.فاننا نخصصها للتركيبات الدلالية لمعاني الجمل والمقاطع الشعرية من اجل الكشف عن دوافع احتماء اللغة وراء تلك الانحرافات الدلالية.(لانقصد بالانحراف الدلالي ,الدلالات البنائية في وصف وتحديد سمات الشعرية ,بل نقصد افتقار اللغة الى بعد جمالي وشكلي واسلوبي)
  من حيث القيمة التطبيقية  لقراءة الشعر ومن خلال هذا التمهيد.من الممكن القول ان مجموعة واو الشعرية للشاعر عدنان الصائغ احتوت على هذا التشطير اللغوي بشكل ملفت ,ومن ثم الخصوصية المتميزة في تمحور المعنى الى درجة شفافية اللغة وتبيض البنية ,انها صنعة شعرية تمدنا بالهام خيالي وتستجيب لنداءاتنا الداخلية .

اساسيات تمحور البنية الشعرية
…………………………
 من غير الممكن رد اللحظات التي يختلي الشاعر مع الرغبة الملحة لاضفاء صفة الشعرللتعبير اللغوي والرغبة الاستجابية الاغوائية لما هو خارج الشعر ,انها ضغوطات وجدانية ونفسية متراكمة وهي تركيبات معنوية وموضوعية دورها الاساس هو التعبير عن تاْثيرات حياتية وتاريخية وايضا ردود افعال نفسية مترسبة او وجهات نظر سياسية او اجتماعية,فعلى الشاعر ان يغذي هذه الوحدات المعنوية للغة الشعروان يلبي نداءات الذات, بالاسلوب التمحوري البنائي ومن اجل الحفاظ على القيمة الشعرية لها .واذا ما وقع الشاعر تحت هذه التاثيرات الجانبية للصياغة اللغوية الشعرية فان اقصر طريق للتقرب من الشعرهو محاولته في اضفاء بعد انساني وفكري او فلسفي لها ,فبذلك ينتهج الشاعر في اسلوبه الشعري اختيارات بنيوية وشكلانية ويتخلص من التثْثيرات اللاشعرية,ولكن هنالك اساسيات لغوية لتمحور بنية اللغة الشعرية لدى الشاعر عدنان الصائغ والتي تمهد السبيل لكيفية صياغتها ,نذكر منها اهمها ونحللها ومن ثم نطبقها على قصائد الشاعر.
ا-التقطيع وتمحور البنية
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
   لاتكمن جماليات لغة الكتابة الشعرية في امتدادات الجملة الشعرية ,ولا في قصرها.ان كانت الجملة لم تشبع بالحساسية الدلالية والجمالية.والتي تستمد صفاتها التعبيرية من رؤية الشاعر وتاْملاته,,لان لغة الشعر ماهي الا انعكاسات نوعية وتباينية لرؤية الشاعر نفسه والتي تجر اللغة وجملها الى عالم من المعاني تختلف في تكوينها مع ما ينتجه اي انسان اخر,,
  اذا ما ادركنا ان لغة النص ليست في النهاية اشكال تجريدية بامكانها ايصال صياغات جمالية بحته لها القدرة الكافية لخلق المعنى ,دون التركيز الكافي على كيفية تاثيرها على فكر الشاعر وكيفية نظرته للاشياء من حوله نقول ان الوقع المؤثر لاية لغة شعرية لها علاقات بنيوية مترسخة مع المعنى ,وان الادب في تعريفها البنيوي ايضا احد ادواره ايصال المعنى,.ان القصيدة البيضاء والتي تختفي فيها القيمة الموضوعية من اجل تجسيد اشكال جمالية تجريدية ما هي الا محاولات غير بنيوية ,لكلمات وجمل مترابطة فيما بينها ببعد المعنى والتاْثيرات الذاتية في فكرالشاعر واحاسيسه ايضا فلا مهرب من المعنى,اذا ما اعتبرنا ان كل شىْ محسوس ومنطوق لها وجود اولي وتمهيدي في فكر الانسان,.لان الجمل والكلمات في اية قصيدة لها علاقات ترابطية ومعنوية فيما بينها. اتبع الشاعر عدنان الصائغ في اسلوبه الشعري تكنيك تقطيع   الجمل الى كلمات متفردة .ان هذا الاسلوب بحد ذاته لايخلق الشعر وليس له القدرة على انتاج الذوق, في قراءة الشعر,فماذا فعل الشاعر في اسلوبه هذا؟
ان عملية التقطيع اللغوي للجمل الشعرية ليست باشكال مختلفة للجملة فقط ,بل هي اعادة تجسيم الكلمة من حيث جغرافيتها وشكلها و وقعها ومن ثم معانيها,لم يكتفي الشاعر بعملية التقطيع كبديل شكلي لجماليات الكلمة فقط,بل استاثر بوقع الكلمة في ادراكنا الجمالي ومدى تذوقنا للكلمات .ومن ثم الاختيار الدقيق للكلمة عند تقطيعها ,اذا فهو يعطي ادوارا جديدة لقوة الكلمة التي نطق بها اول التدوين واول الفكر وكانت اشارات خفية في تاريخ البشرية , اذا ماكان اول الخلق كلمة(في البدء كانت الكلمة-الانجيل) ,واول الايمان اقراْ(القران الكريم),فلماذا لا تكون الكلمة وهي مكلفة بتجسيد الشعرية؟
 هذه المئذنة ,
جسد ناعظ
من عذاباتنا
يتوسل للقبتين,
او……
…الريح
-ح ح
ان تحظنه.(ديوان و ص5)
بالامكان اختصار الجمل الى (هذه المئذنة جسد ناعظ من عذاباتنا….يتوسل للقبتين او الريح ان تحظنه)ولكننا عندما نقراْ جمل الشعر على شكل كلمات مستقلة فان هذه الكلمات مكلفة باْداء دور الجملة بالكامل,ويجبرنا على الاستغراق في كلمات نقراْها كل يوم , دون ان تخلف وراءها اي وقع لا حسي ولا ادراكي,ولكن الشاعر يغير من وقع الكلمة وكانها حجر تصطدم بالذاكرة وتحركها وذلك من اجل جرنا من الحالة الادراكية اللاابالية لمفردات حياتنا اليومية الى حالات التاْمل الفكري,,ان وقع كلمة )المئذنة( هو وقع استكمالي مترابط مع كلمة( الجسد) ,فبدونها تبقى تغطي دورها اليومي في ذاكرتنا واحاسيسنا.نحن الذين تشبعنا من رؤية واحصاء كثير من العذابات اليومية في حياتنا.كعمليات القتل الجماعي اليومي.او المجاعة في عالم غارق في مخازن النقود والادوية والماْكولات..او النفي خارج الوطن….الخ واصبحنا نستقبل الاخبار اليومية لهذه الاحداث وكاْنها هبة ريح او ظلمة تطل على نوافذنا ,نستقبلها كل يوم دون ان نلاحظها,.فهو يجبرنا على التاْمل الانساني لمفردات حياتنا.(المئذنة ) التي تنادي كل يوم للصلاة والصلاح والخلاص,وتمر تحت سقفها وظلها ومناداتها كل يوم عمليات,قتل الانسان واقصائه بشكل قسري .الجسد ايضا هو الانسان الذي ينادي كل يوم الى السماوات بالعدل والاحسان,لقد اصبح الجسد متوسعا كالمئذنة في تحمله ووسعه ومناداته ,في تورمه الناعظ وفي لااباليته المميتة , ليقول لنا ان الانسان يفقد كل يوم قيمة من قيمه دون ان يعي مافقد .
ان هذه التشبيهات والمقارنات والتاْويلات المختلفة التي غطت مساحات عميقة من بعد الكلمة ,هي محاولة الى مسخ الجملة من الكلام وتمحورها التركيزي اللامحدود ,لتصبح في النهاية اشارات دلالية لبنية معنى النص وانتاج معاني مختلفة للجملة التي تتكون من كلمات تؤدي دورها وتخلف وراءها كثير من الجمل التي لم يتفوه بها ولكنها تغطي احاسيسنا وذاكرتنا.انها عبارة عن تمحور البنية التفصيلية للجملة وتمركزها .
ب-تقطيع الكلمة كبنية تمحورية
…………………………..
 اذا ماكانت صوت الكلمة ونطقها وسيلة تعبيرية لايصال رسالة اشارية كاْحد عناصر تكون البنية الخفية للغة النص,,واذا ماكانت الجملة التي تتاْلف من عدة كلمات بامكانها ان تؤدي دور الجملة لوحدها,فان القيمة الصوتية للكلمة عبر تكرارها وتفكيكها الى حروف صوتية .تؤدي الى تفخيم القيمة المعنوية للكلمة وبامكانها اداء ادوار مختلفة ك (الدهشة,السخرية,التاْسف,الحزن ,التردد,التاْكيد,..الخ)
بالمقارنة بالجمل الكاملة في مجموعة واو الشعرية,فان نسبة التفكيك الصوتي تصل الى مستويات ملحوظة.انها التفاتة صوتية للمعنى , بغض النظر عن الدور الحقيقي للجملة ,كعبارة عن كلمات غير صوتية لانها تؤدي فقط دور المعنى وايصالها للقارىْ,اي ان الشاعراستخدم تكنيك التفكيك الصوتي ولم يستخدم التفكيك المعنوي والشكلي فقط.ومن الممكن الاستدلال على ادوار التقطيع ضمن علاقات الحروف الصوتية مع الوحدات الدلالية للجمل والكلمات وبعد ذلك تبيان اهمية هذا التكنيك في لغة الشعر.ففي قصيدة( الغربة4 ص 14) نقراْ
….. إلى أين تنأى
ى ى
ٍأفي كلِّ يوم م مٍ
 ٍستختارُ منفىً جديدا دا دا    دا
لتنأى بعيدا دا دا        دا:
………………
من الواضح ان القيمة الدلالية لحرف (ي) هي قيمة صوتية ومعنوية وليست قيمة شكلانية فقط.لان حرف ال(ى) وتكرارها انما هو تكرار لاهات انسان يتعذب ويتاْلم وياْن.ومن السهولة ايضا ان نعلم بان اداء الصوت للمعنى تتوافق مع مفهوم ومعنى كلمة الغربة وهي عنوان القصيدة,
ققي الغربة ناْن وناْوه.اذا ان الحرف بحد ذاته استخدم كبديل لكلمات خافية وراء الاداء الصوتي.,وهو تجسيد لدور الصوت في اداء المعنى.
الحالة تتكرر في حرف الميم لكلمة يوم ,ولكن القيمة الصوتية تتجسد في التوافق المعنوي مع كلمة (كل) قبل علاقتها مع كلمة( اليوم )التي هي امتداد صوتي لها,ان القيمة الدلالية لحرف الميم هي الاستدلال على الحيرة والتردد اللتان بني الشاعربهما قصيدته .ففي الغربة لا الفة ولا اغراء لا في المكان ولا في الزمان,يصبح الانسان متشتتا بين الاثنين.وتصبح جميع الاماكن والازمنة غير جذرية وغير اليفة .وهكذا نستدل من الحرف ميم على اللحظة التي يريد الانسان المغترب ان يعرف الى اين يذهب وبمن يلتقي وفي اي وقت؟وعندما لايملك هذا الانسان المجرد الالفة والذكريات مع المكان فانه يتردد في الاختيار وهو نوع اخر من العذاب والحيرة الذاتية,اذا ان القيمة الدلالية لحرف الميم وتكرارها هي قيمة صوتية بامكانها انتاج المعنى .وربما يؤدي هذا الحرف ادوارا اخرى للمعنى بالعلاقة مع كلمة اليوم.فهذا الانسان الحائر في المكان يكون كل ايامه عبارة عن حيرة يومية ,يعرف بالضبط ماذا سيكون الغد وبعد الغد .لان كل ايامه انما هو تكرار لحالة الغربة الذاتية وعذابات اللامكانية.لان المكان موصوف بالمنفى.
ان الايحاء الصوتي للمعنى لها اوجه عديدة في الصياغات الشعرية وفي التقطيعات الصوتية للكلمة ,فحرفي الدال والالف (دا) كامتداد لكلمة( جديد),يوحينا بفراغ معنى كلمة (جديد).انهما حرفان يستدلان على الاستهزاء من (جديد) في حياة انسان وقع في مصائد الغربة وعذاباتها,لان (الجديد) الذي لا يتغير في توالي الايام وتعاقبها انما هو تكرارلنفس اليوم الذي فات والذي سياْتي.وان السمة الاساسية للقيمة الصوتية هي الايحاء التراجيدي والدرامي لجميع الكلمات التي تبداْ بحرفي الدال والالف,واولها كلمة دام,بجمع حرف الميم مع دا.وهي اشارة صوتية لنزف الذات الدامي في الغربة.

الحكمة كاصطلاح تعبيري لتمحور البنية
………………………………….
  اذا كان الايجاز في التعبير الشعري وسيلة او مدخلا لتضليل المعنى الدلالي من اجل الاسترسال في لغة غير صوتية ومخفية.اي تبلوردلالات اخرى للغة الكتابة .فمن الممكن اضفاء صفة الشعر الى وسائل تعبيرية مستديمة الوقع في المعنى.ان الامثال والحكم الشعبية والاصطلاحات التعبيرية .هي فواصل جوهرية تخلق التامل والتوقف والاستغراق لدى المتلقي,ولكن اللغة الشعرية ايضا لها ضلع في توجيه اللغة نحو اسلوب الايجاز والتركيز في صياغاتها وجملها ,واقول ان الشعر المصنف بالهايكووالشعر المدون على شكل جمل متفردة .ماهي الا محاولة انشائية تستفيد من التصنيفات اللغوية لتراث الانسان ولها سابقة لغوية في الوسائل التعبيرية له .ما يهمنا في ذلك ليس البحث في مفردات التراث وتصنيفاتها بل حركتها اللغوية البناءة في تمحورالمعنى الدلالي للتعبير,ولعل الصياغات المركزة في القران وفي سجع الكهان تتشابهان بشكل ملفت مع الية تركيبات الشعر وجملها .
 استخدم الشاعر عدنان الصائغ هذا التكنيك كوسيلة تعبيرية لتمحور بنية الدلالات الشعرية,مادامت بامكانها تحقيق الايجاز الشعري , وتمركز المعنى لبلورة معاني اخرى ولغة اخرى لنتمعن في هذه الجمل:
1- حياة بيضاء                                          
 كثيرا ما نقسدها
 بالاحلام   (واو …ص55)
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
2- ماذا يفعل البحر, بلا امواجه
وماذا يفعلُ الربُّ، بلا ذنوبنا …(واو..ص58)
,,,,,,,,,,,,,,,,,,
3- لم
يجدا
ما يفعلانه
بعد الضحك….(واو…ص88)
…………………………..
   1- كيف نعيش كما كنا وكما سنكون ,راضين عن نمط حياتنا واستسلامنا للواقع؟ وراء سفك الدماء,والمؤامرات والحروب والدسائس هناك حلم بالسلطة والجاه,تمنيات بالاستحواذ والهيمنة على الاخرين,الحلم في كسب المال..التسلط ..الخ انها عبارات تمتاز بصفتها الحكمية وتخاطبها بلغة المثل ,انها صيغة لغوية تخفي كثيرا من الحكايات والجمل والتاملات ,اذا ما عزلناها من بنيتها التمحورية الشعرية,
   2-  كيف نرضى من حياتنا وزمننا وكيف بامكاننا ان نعيش اذا لم (نقاتل ونكافح,ونعمل ,ونفكر,ونحب,ونبغض,ونبني,وننتظرونصبر ,,,الخ؟) كيف نبرهن وجودنا وكياننا على هذه الارض وفي احضان هذه الحياة اذا لم نفعل شيئا نثبت فيها انفسنا؟ يجب ان نفعل شيئا اذا ما كانت الحياة منقسمة بين التناقضات والازدواجديات الوجودية.
3-عن ماذا كانا يتحدثان وماهو سبب ضحكهما؟ ربما اكتشفا حقائق مرة.او زيفا كبيرا في حياتنا,اولحظة عابرة تستدعي الضحك.المهم يتوقف الكلام في الضحك ,لتبداْ وقفات لا تحتمل المعنى والتفسير….هذه هي حكمة الخطاب المكبوت….
 لسنا بصدد شرح معاني ومفردات هذه الامثال الشعرية,انما نرمي وراء ذلك قدرة اللغة في تمحور اسئلات كثيرة,وتفسيرات كثيرة,وتاْويلات مختلفة للمعنى,في جمل تركيزية قصيرة جدا,وقد اجاد الشاعر في استرساله وتكنيكه اللغوي.وهنالك تكنيكات بنيوية اخرى تبناها الشاعر واستخدمها في محاولته لايجاد لغة شعرية تمتاز بالتركيز الشديد.
تشتيت البنية الدلالية
………………….
 الخروج  من الصياغات التعبيرية للغة الكتابة وخاصة في كتابة الشعركما شرحنا بعض اوجهها سابقا, عديدة.نذكر منها.التفصيلات التفسيرية والتذكيرية.الاسترسال في خطابات ايدولوجية,اضفاء ابعاد تاريخية للشعر,اسناد اللغة الشعرية بالمعارف الانسانية ,انتهاج النمط التعبيري الفهرسي في كتابة الشعر,تبيان المواقف والتوجهات السياسية…..الخ) ومن حيث ادوات اللغة والتلاعب اللغوي(التكرار الطويل للاسماء والاماكن والجمل….الخ)  ,كلنا نعلم ان الخطابات المختلفة التي ذكرناها هنا ,من الممكن الاستفادة منها في كتابة الشعر,وكلنا ندرك ان الشعر العربي ممتلىْ بهذه الخطابات ,انها وسيلة سهلة لاستخدام الشعر كاْلة تعبيرية وكبديل تعبيري لخطابات من الممكن تدوينها بشكل افضل في انواع اخرى من الكتابات النثرية,وفي داخل اللغة الشعرية والتكنيكات الشعرية ,فاْن التكرار الزائد للكلمات والجمل وادوات القواعد تطيل على القارىْ متابعة الشعر وقراءتها .وبذلك تصبح لغة الشعر غارقة في تعابير وصياغات خطابية لا تتمكن من انتاج الصورالحسية ولا اية جماليات حركية او فعلية او ادراكية ,بل تتوقف اللغة من الحركة,لتصبح لغة الشعر متشتتاَ بنيتها الدلالية والمعنوية.انها تشتيت البنية اللغوية وبالتالي تشتيت التاْملات الشعرية للقارىْ والشاعر معاً ,اذا كيف تعامل الشاعر مع هذه الخطابات الاغوائية ومع هذه الالفاظ والتسميات اللغوية؟
1-التكرار والترديد كتشتيت للبنية الدلالية
……………………………………
بالرغم من  ادراك الشاعر لمدى تاْثير التكرار الطويل للكلمات او التسميات اللغوية على الجملة الشعرية ,الا انه استخدم هذا التكنيك في مجموعته الشعرية( و),نحاول ان نبين للقارىْ التكنيك الشعري الذي تبناه الشاعرفي تكراره للجمل والاسماء وثم الدافع الخفي وراء استخداماته لتلك الاسماء او الصفات او الاجمل:
1- التكرارالترابطي امام تشتيت البنية,
…………………………………
لم يكتفي الشاعر في القصائد التي تتكرر فيها الصفات او الاسماء .كوحدات تعبيرية للتذكير او التسمية او التعين او الاطلاع المعرفي والتاْريخي فقط,بل بحث عن قرائن وروابط اكتساحية ,تغمر الصفة او الاسم المتكرر لتخرجها من موقعها المستقل في المعنى,اي لم يستخدم الكلمات او الصفات.كوحدات مستقلة في المعنى,بل اضاف اليها بعدا جديدا,كاْختيار لغوي وشعري يمكنه من تجاوز فقدان وتيرة البنية الدلالية ومكانتها في النسق الشعري , بالرغم من الجداول الطويلة في ذكر الاسماء والصفات التي لها وقع ذاتي وانطباعي تاريخى في التجربة الحياتية له,او في التاْثيرات اليومية له ,فهو يخصص قرينة اسمية او صفات تميزية ,لتفرد التسمية المخفية للكلمة: 
امينة
بشرودها ببرودها ببروقها بعبقها بشبقها بألقها بقلقها بطلْقها
بنايها بنأيها بسهدها بسهوها  بيقينها  بشكوكها  بينابيعها باْغواءاتها
بتضاداتها بثورتها باْنكساراتها بترملاتها باْستمناءاتها ببكرها
بفيضها بغيضها بساْمها بندمها بغيرتها بحيرتها بصلاتها بكفرها…..(واو ص 29)
 لاجدوى من السؤال عن ماهية الصفات والافعال المتتالية التي اتسمت بها ,ولا السؤال عن كنه المعاني التضادية التي تكون بمثابتة اشكالية وجودية,ما يهمنا المؤثرات التوظيفية في الصياغة الشعرية,من الواضح ان كلمة (امينة)تجمع في وتيرة مترابطة ومتناسقة جميع الحالات الانسانية من فعل وصفات وتسميات.لتعطيها ابعاد دلالية اخرى,ولكن جميع هذه الدلالات تصب في صفة واحدة,وهي براءة وصدق الانسانة التي استحقت هذه الصفات.خارج هذه الدلالة الشعرية ,تقفل اللغة ابوابها امام جميع الخيارات الاخرى لتمحور المعنى,وتتركز على الصفة الاساسية التي ذكرناها,فهي تمحور المعاني لتعطيها صفة متكررة وحالة مستمرة,ولكنها لا تتمكن من تجاوز هذه الحالة لتغوص في مديات اخرى للدلالات التعبيرية والبنيوية للمعنى,وفي هذه الحالة تصبح البنية الدلالية متمحورة في انغلاقاتها ومتشتة في انفتاحاتها ,بحيث نظل نترقب لحظة انفتاح اللغة امام الدلالات الجديدة والخروج من سطوة التكراروهيمنتها, بالرغم من مدى ترابط الكلمة الرئيسية التي تغير من وضعية الدلالات ومكانتها في لغة الشعر,مع هذه الصفات والافعال والتسمسيات المختلفة,
الشرود الاسترسالي كتشتيت للبنية الدلالية
…………………………………….
  عندما يختلي الشاعر بذاته ويسترسل في ذكرياته وتاْثراته واحاسيسه,يغمره فيض وسيل من التراكمات الذهنية التي تحتاج الى صياغة شعرية في اللغة المكتوبة,وعندما لاتستجيب اللغة لهذا النداءات العقلانية او لا تتحمل تشعب وتوافد المعاني الكثيرة التي يفكرفيها  الشاعر ويتاْثر بها,تبداْ اللغة الشعرية بالتشتيت اوالانكماش في تعابير وجمل ذات صفة تفصيلية غير مختزلةو لاتكون علاقات لا لغوية ولا بنائية مع الشعر او الكتابة الشعرية,الاسترسال في الفكر والشرود المقصود في الخيال تمكنان الشاعر من السطوة الذهنية على لغة الشعروتزودانه باختيارات عديدة للتعبير,بالرغم من ذلك ان الاسترسال الذهني قد تفوت على الشاعر حدة التاْمل وتوقدات المعنى ووفرة الخيال اذا ما اغوت اللغة واغرت الشاعر في متاهاتها الدلالية والنفسية والتذاكرية,.فيصبح الشعر وجمله امتدادات نثرية تجسد الكتابة النثرية دون اضافات شعرية مؤثرة, انه شرود ذهني تاثري وردود افعال تؤخر الشعر لتفسح المجال امام معاني طارئة ومستعجلة وضرورية بالنسبة للشاعر ,وها هي لحظة الاسترسال تهيم بالشاعر وتجره عنوة الى عالمها الموضوعي وتنباْه بشعر مؤثردون عطاءات بناءة,,,لنتمعن هذه الجمل؛
13
كلماتي متشابهة منذ ان هجرتني ويداي عاطلتان عن العمل
واقول ليس جسدك بل تلك الروح التي تضيئه واقول كيف
اصف خسران حياتي ولغتي خسران ايضا اتلمط قبلاتنا التي لم
نتبادلها سريرنا الحلمي الوحيد نمنا عليه غيمتين بيضاوين ولم نمطر
واقول كم احتاج من عمر وصبر لاتلمظ عسلك ولا اذوقه…(و..ص27)
    ان جمل ك(يداي عاطلتان عن العمل,كيف اصف خسران حياتي ولغتي,اتلمظ قبلاتناالتي لم نتبادلها سريرنا الحلمي الوحيد,كم احتاج من عمر وصبر ,لاتلمظ عسلك ولا اذوقه,,,,الخ) هي توغلات تفصيلية نفسية وسردية للتعبير النثري وليس للتعبيرعن القصيدة النثرية.لقد استرسل الشاعر في التعابير السردية اكثر من التعابير الشعرية الارتكازية,بالرغم من قوته الحاضرة وقدرته المتاْهبة ليحول الجمل والتفصيلات الى لغة شعرية نثرية تمحورية,والتي نرى اشاراتها وحضورها المؤثر في نفس القصيدة وفي نفس هذا المقطع .مثل(غيمتين بيضاوين ولم نمطر, سريرنا الحلمي) .اذا من الواضح ان الشرود في تفصيلات انفتاحية سردية للمعنى تسد الفتحات اللغوية البناءة لكتابة الشعر وصنعتها.تدفع الشاعر الى الاسترسال قي متاهات تعبيرية سردية وسطحية ,لا تمد بعلاقات المشاركة والتعاطف الحسي مع القارىْ اكثر من علاقاتها بالتاْثر نفسه,
الدلالات الايدولوجية كتشتيت للبنية الشعرية
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
 بامكان اللغة الشعرية ان تستوعب الجانب الانساني والعاطفي للفكر والايدولوجيا ,نقصد بذلك ان كل شاعر له اختياراته ورؤيته للحياة والاحداث والايدولوجيات,فهو بعد كل شىْ له جذور ذاتية في البقع الجغرافية والتاْريخية وفي حياة الاخرين الذين يشاركونه هذه التخصيصات المحدودة .ولكن الشعر وبالرغم من تمايله الانساني واطلالاته العاطفية نحو الاخرين ونحو المواقف والايدولوجيات .سيبقى شعرا وليس شيئا اخرا.واذا ما وجد الشاعر في لغته تعابير خطابية وكلامية كبدائل انسيابية للشعر ,فان تحديات الشعر تظل تحافظ على كينونتها وحساسياتها اللغوية ,للايدولوجيا تاْثيرات تهديمية وتشتيتية على لغة الشعر لاتها تطوق لغة الشاعروتحرمه من الانفتاح الانساني الحر على جوهر المعاني,فهي تجره الى ولاءات ومواقف واختيارات تطويقية وتعسفية ولا ترى في الفكر وتاْملاته اي منفذ ان يكون مختلفا عن الاخرين ,فكل صراعاته وافكاره واختياراته يجب ان تصب في خدمة البرمجة العقلية لمبادئها وتوجيهاتها.اما خارج الفكر المبرمج للايدولوجيا ,من الممكن ان يكتسب الشاعر فكرا ايدولوجيا بالنسبة للشعر ,بتقربه المستمر من الافكار السياسية والاجتماعية والتاريخية والنفسية ,ضمن رؤية الاشياء من زاوية واحدة فقط ,وبالرغم من اللغة الانفتاحية والتجربة اللغوية الشعرية الشاعر عدنان الصائغ في مجموعته الشعرية هذه ,الا اننا نلاحظ بعض من اوجه ايدولوجيا معرفية وتاريخية وايضا سياسية في شعره لنقراْ معا هذا المقطع (مرثية صغيرة الى كامل شياع):
محنةٌ؛
يا عراق
ان تظل المحاصر من كل جنب
وتظل المطارد من كل حدب
وتظل-دماك-بكل العصور-تراق(و,,ص81)
 لم يتوقف الشاعرعلى المحطات التاريخية للعراق,ولم يستغرق في ذكرالحروب وتاريخ اراقة الدماء,ولم يذكرالانسان الذي اريق دمه في العراق.انها مرثية لشخص احبه وذكره, فهو يتذكر العراق من خلال هذا الانسان الذي له ايضا تاريخ انساني وعاطفي في ذاكرته لدرجة انه خصه بعنوان شعري,ولكنه يرى ان معانات هذا الانسان ,هي معانات تندرج ضمن معانات شمولية وعمومية مرتبطة بجغرافيا سياسية وتاريخية ,اتصفت ب(الحرب,الحصار,المطاردة,الدم) وهكذا اكتسحت الشخصية الجغرافية  شخصية كامل الشياع ؟ من المهم ان نساْل عن وصف هذا الشعر ب(قصيرة)؟ ومن المهم ان نساْل عن احساس وتاْملات الشاعر واطلالته على هذا الانسان,ولماذا اصبح جزءا مما يحدث في جعرافيا سياسية وتاْريخية؟
من الواضح ان الاجابة على هذه الاسئلة,ترشدنا الى حقيقة فنية وشعرية بسيطة ,وهي ان الشعر لم يرقى الى انفتاح واسع في الدلالات,لان اللغة الشعرية ارادت ان تكون قصيرة ولا تخاطب اللحظات الانسانية لهذا الشخص, قارنت معارف تاريخية وسياسية وجغرافية (اي دلالات ايدولوجية ) مع كيان انساني له ماضيه وتاريخه الانساني والعاطفي وربما الفكري والسياسي ايضا,ان ما يهمنا هنا ليس البعد الموضوعي للشعر,بل يهمنا فقط ان المقارنة جاءت لتشتت البنية الدلالية للشعرواحاطت بتمحور المعنى وانفتاحها الشعري.
 بالرغم من هذه الملاحظات على اللغة الشعرية  للشاعر عدنان الصائغ ,فانه تمكن من خلق لغة شعرية جمالية تبلغ ذروتها في التْاملات الشعرية القصيرة,
………………………………
* عدنان الصائغ .ديوان_و_  دار الريس.بيروت.2011.