23 ديسمبر، 2024 4:07 م

تشتيت المحورية النصية و هامشية الدلالة السردية

تشتيت المحورية النصية و هامشية الدلالة السردية

قراءة في مجموعة ( حبل السرة ) لسميرة المانع
في دراسة مقالي هذا أود المساءلة و التساؤل حول عوالم القصة القصيرة لدى بعض كتاب فن القصة القصيرة :

هل العمل القصصي نزهة سياحية في سرد و حكي أخبار

العائلة و أفرادها سيريا ؟ أم أنها مجرد فن كتابي يختص

في قص تدفق المشاعر الشخصية و الخواطر الباردة من

أحداث و يوميات الكاتب نفسه ؟ أم أنها مجرد بعبارة مختصرة جملة حواريات تجرى بأشكال صيغة الرسائل

و كتب الفوازير ؟ . في الحقيقة منذ أيام كنت أقرأ مجموعة قصصية تحت عنوان ( حبل السرة ) للقاصة سميرة المانع ،

غير أنني و أنا أطالع في عوالم نصوص تلك المجموعة لم أعثر على ثمة أشارة واحدة أو دليلا واحدا على أن ماكنت أقرأه من نصوص تنتمي الى بنية و فضاء السرد القصصي

و بنائه العضوي . خاصة و أن جميع نصوص المجموعة جاءت على لسان نفس الحالات النفسية و العاطفية والتكوينية

إضافة الى نفس أسماء الشخوص و بذات النسقية التكوينية

في صناعة المشهد السردي ، الذي لم يوافينا بغير جملة مسالك شبه مشتتة في محطات عرضها لبؤرة أحداثها السردية و البنائية و الفنية . في قصة ( كل هذا الجاز ) نعاين

مسار حكاية ترتبط بكل مواقفها و حالاتها داخل نقطة

أختزالية من الخطاب السردي ، و لدرجة وصول الأمر الى

أننا أصبحنا لا نعرف حقيقة محددات قيمة التدرج البؤروي

في مسالك ذلك النص وما الغاية من وراء حكايته :

( ما ان شعر مريضي الذي كنت أرافقه كمترجم في لندن

بالتحسن قليلا حتى أقترح أن أذهب معه لزيارة أحد معارفه

من أبناء قومه مضيفا في نهاية طلبه : ــ دعنا نزوره مشكوك

فيه : ــ ما الغاية من الزيارة ؟ ) من حدود هذه العتبة المقدماتية نستدل بأن التسلسل الاستهلالي في النص قائما على

ترابط ثيمة المحكي على نحو محتوى يهيمن عليه فعل التجسس و الترقب في خطاب دلالة النص : ( ــ نرى كيف

يعيش من يأتي لزيارته ماهي أراؤه الأخيرة .. نزوره بحجة

أننا مشتاقون له هو أحد جيراننا في السابق زميلي في المدرسة الثانوية أستطيع أن أقول كنا شبه أصدقاء .. أتصلنا به تلفونيا ففوجيء مغتبطا من وجود مريضي بلندن حدد له

موعدا للقاء كي نزوره في بيته بعد فراق سنوات مرحبا بنا ..

كان مع زوجته و أطفاله الثلاثة .. أستقبلنا بحرارة و فتحت لنا

أكثر غرف الشقة أناقة و دعانا للجلوس ) السرد تحديدا هنا

أصبح يلوح الى مجموعة تخايلات تتبدد نحو المساءلة القرائية : هل هذا الرجل الزائر لتلك العائلة يشكل مساحة أزمة سياسية أو مجرد هو الفضول منه في التطفل على تلك العائلة في لندن ؟ أن المتابع لأحداث هذا النص لربما لا يجد

ثمة اللحظة الموضوعية الإقناعية الناصة حول دليل حدث مركزي ما في حلقات بؤرة تشكيل الأسباب و الاستبطان

الذاتي الذي من شأنه قيام فعل و تفاعل الدلالة السردية مع

مكونات سلوك و أفعال و علاقات محور الأشياء في شخصية

السارد و الشخوص و المكان و الزمان . بل أننا وجدنا فقط حالة استرسال عبثية في فرض خيوط من الحوار و المشاهد

اللامترابطة ( سألوا عنه و عن الأهل بالوطن محيطين بنا من كل جانب مرددين عبارات الحفاوة و الإكرام .. فرفر أطفاله من حولنا بعد أن رأوا فينا ملامح تشبه وجوههم و ألوان أهلهم

و أبناء وطنهم فأحسوا بالألفة و الأنشراح / تأخرت المناسبة

كون المريض أهتم بالأستفسار عن أمور أخرى متعلقة بوالدهما و كيف يعيش بلندن و هل طاب له المقام و ما هي

آخر أخباره .. أستغرقت عملية الأستفسار بعض الوقت أبدى

فيها المريض براعة تفوق براعة تحقيق طبيبة معه في المعالجة النفسية و البدنية مغلفا هذا كله بأبتسامة المحب

المهتم ولا شيء سوى ذلك / أنتهزت فرصة خلو المكان

من الوالدين و نحن على منضدة الطعام بعد أنتهاء الأكل لأهمس في إذن مرافقي المريض : ــ يا صاحبي اترك تحرياتك و تحقيقاتك الآن .. أنظر لأطفاله و لزوجته

و لترحيبهم بنا حرام عليك أن تنقل عنهم شيئا يضرهم

حرام علينا بعد أن أكلنا معهم الخبز و الملح أن تفشي

أسرارهم و نتجسس عليهم : ــ خفف عنك لا تقلق كل

الذي أريده هو أن أعرف شيئا عن حياته بلندن فأكتب

بذلك تقريرا للجماعة هم مسؤولون بعدئذ ) يتبين لنا من بنية الحوار و السرد أن هذا الرجل المريض هو من رجال

حزب البعث أو أحد عناصر المخابرات العاملة لجهة

النظام السياسي الحاكم في عهد صدام حسين ، غير أن القاصة المانع لم تشأ كشف تفاصيل و خيوط الحبكة السردية في

النص في شكل مباح و جريء، كما و بالمقابل ظلت دائرة

أحداث النص تخوض في عنف الأسرار و الصمت و الهمسات في وجه خيوط الإعاقة الوصفية و مسارها الكشوفي

في منطوق محتمل الانتظار في زمن الذروة المكتومة

من فضاء السرد . و في الأخير يمارس السارد / المترجم

صوته المونولوجي بمثل هذه الأشارة الاطرادية حول مصير ذلك الرجل الجاسوس ( مرت شهور لم أسمع منه شيئا حتى جاءني قبل يومين نبأ وفاته و نقل جثمانه الى مثواه الأخير )

الغريب في الأمر أن فضاء و أحداث القسم الأول من النص

لم تنتهي بموت الجاسوس و أنما صادفنا ثمة قسم قطعي جديد

من مشاهد قصة جديدة داخل نفس فضاء و عنوان و مساحة

متن النص نفسه . و هذه الطريقة الأسلوبية في بناء القصة القصيرة تقترب من عوالم صياغة المونتاج السينمائي و الانساق الصورية في شريط تقطيعات السيناريو في حدود

استرسالات الصورة البانورامية في الفلم المصور الوثائقي .

في القسم الآخر من النص نشاهد حوار بين رجل و إمراة

في قطار أرضي حيث يجري بينهم كلام له صلة بأبعاد

سياسية : ( مجرد ان تبادلا التحية في القطار التحت أرضي

.. أنبرى دهشة : ــ لقد كبرت .. كبرت كثيرا .. تبدين كبيرة

جدا أكثر من سنك مديحة ! لا .. لا .. ياحمار هذا غير صحيح

كلام كهذا لا يقال وجها لوجه .. أشاخني زماني .. و إذا أردت

الحقيقة أنت لست أفضل حالا مني أنظر لشيبك و صلعتك

ماذا تريد أكثر أنت عجوز .. ما الأخبار ؟ أقصد الأضطرابات في المنطقة الحرب و ما شاكل ؟ علمي علمك

ما نقرأه و نسمعه في الصحف و المذياع .. لا .. لا أسمعي

هذه أخبارا معظمها محرفة يقصد منها التشويش على الأخبار الحقيقية .. ما اسمعه و أقرأه في الصحف و الإذاعات أخبارا

.. ما رأيك أنت ؟ يافطير تريد أن أعطيك رأيي بصراحة

أكشف عما في صدري أخبرك عن دواعي الأضطرابات

و الحرب .. لا أعرف غير ذلك هذه مصادر معلوماتي شيء

غير معقول أنت لا تستطيعين الحصول على خبر مستعجل

من إذاعة عربية ما دامت نشرتها تبدأ بسرد وقائع ما حصل

لسمو الأمير فلان و الملك علان أو الرئيس تكلان ! )

من هذا المنطلق الحواري بين الرجل و المرأة يصير

بمقدورنا أن نرى باقي لوحات المشاهد السردية في

المجموعة وقد جاءتنا في الواقع على نفس الملامح

من الفكرة و الإيقاع و الدلالة و الأنتقاء التوصيفي

السمج .. كما الحال في قصة ( حبل السرة ) و قصة

( مكنزي ) وقصة ( الخال ) وقصة ( خاتم و شذرة )

وقصة ( الفانوس ) وقصص أخرى . في الحقيقة أنا

لا اني من خلال كتابة قراءتي لهذا المقال استعراض كل أحداث نصوص المجموعة . ولكن أود الاشارة

الاستفهامية بالقول مني الى أن قصص مجموعة ( حبل السرة) ما هي إلا موضوعة أرهاص ذاتي محكوم بماهية

فاعل قصصي غير مثمر في الشكل و المضمون و المحتوى الدلالي إجمالا .

( تعليق القراءة )

بعد زمن قراءتنا السريعة لمجموعة ( حبل السرة ) للقاصة

سميرة المانع ، لاحظنا ثمة بذرة فوضوية لتلك الرؤى و التشكيلات و الصور و المشاهد و الحوارات حيث جاءتنا أغلبها محملة بمساحات فجة من الزوائد و الدخائل

في صميم فضاء أحداث السرد القصصية اللامجدية في متن

النصوص . فضلا عن هذا نستطيع القول بأن هناك حالة تشتيت في فصول محورية النص المركزية ، إذ واجهتنا

حالات مشهدية في بعض النصوص و كأنها (حكايات البيوت) و ليس شذرات من بناء مخيلة قصصية رصينة

في المنجز و المعالجة و الأفكار ، مما جعل دلالات القصص تبدو محض صور هامشية تبحث لها عن بؤرة تجربة سردية

جادة من هنا و هناك ، و لكن دون جدوى ما . أن القارىء

لقصص القاصة المانع لربما يعيش لحظات غير مفيدة تماما

داخل أجواء من زمن سردي فاتر و عابر ، ليس له من الصنيع و الثبات و القدرة على إثارة الحماس و المتعة و التأمل القرائي في أي واحدة من قصص المجموعة . فالزمن

السردي في تلك النصوص عبارة عن أخبار و حواريات

قد تمت بين متحاورين ليس لها من القيمة و الحضور الفني

و الموضوعي أدنى درجة تذكر و تسجل في لغة الفن القصصي لهذه المجموعة إطلاقا ، أنها خطابات و أصوات و شخوص و ألوان و جغرافيا حكواتية غير منظمة داخل نسيج

فضاء حكائي مبعثر ، وصولا بالقصص الى فعل المذكرات

و الاحتفاء بمواقف الأشياء العابرة في زمن القص البارد في النص السردي .