تكرر الحديث في الاسابيع القليلة الماضية عن مسألة تسليح العشائر السنية بين متحمس ورافض, بين تاييد امريكي وحديث متزايد في الاعلام دون اثر على ارض الواقع, وبين رفض ايراني قاطع من خلال اللوبي المليشياوي داخل العراق, وبين هذا وذاك يظل العراقيون هم من يدفع الثمن خاصة ابناء المحافظات السنية التي تشكل مدنها الجبهة الاولى والوحيدة لمقاتلة تنظيم داعش.
هل يمكن أن يكون تسليح العشائر هي الاستراتيجية الناجعة لمحاربة تنظيم الدولة ؟ هذا هو السؤال المحوري حول الموضوع, فبعد تشكيل التحالف الدولي ورغم الحشود الشعبية التي جندت لهزم داعش الا ان شيئا لم يتغير على الارض, الامر الذي دفع الادارة الامريكية الى طرح فكرة تجنيد العشائر السنية على غرار ما حدث عام 2007 عندما تمكنت تلك العشائر من هزم تنظيم القاعدة الاب الشرعي لداعش, وبالتالي فان تكرار تلك التجربة عاد الى الواجهة في ظل مخاوف من حقيقة الجدية التي يحملها التحالف الدولي للقضاء على داعش.
الرغبة الامريكية بدات بالتبلور في ظل ما اشترطه الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات الامريكية على الحكومة العراقية بقبولها لتسليح العشائر السنية كشرط مسبق للحصول على مستشارين في مناطق الحرب, وتكشفت بصورة اوضح بعد زيارة وفد عشائري الى واشنطن لبحث عدد من السيناريوهات المطروحة حول تشكيل القوة السنية سواء بتسليح العشائر مباشرة، أم قوة الحرس الوطني التي من الممكن ان تندمج مع الجيش العراقي .
وتثير فكرة التسليح مخاوف الحكومة العراقية التي اشترطت بأن تكون العملية تحت إشرافها ومراقبتها، وبينما تتحمس الجهات الممثلة للمحافظات السنية للامر, فان جهات سياسية متربطة بايران ترفض الفكرة رفضا قاطعا, بل ذهب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي الى وصف الامر بالمؤامرة لاثارة فتنة طائفية, وهو بلا شك راي موغل بالتطرف, ففي الوقت الذي لم يستغرق فيه تشكيل قوات الحشد الشعبي سوى ساعات, وفي الوقت الذي تعيث الميليشيات فسادا في ديالى وغيرها, يعمل هؤلاء على ابقاء الخاصرة السنية مكشوفة يعبث بهم الغادي والرائح, وعلى السنة ان يواجهوا داعش التي تستبيح دمائهم ومدنهم لكن دون ان يملكوا شوكة قد توازي مستقبلا الميليشيات الشيعية او البيشمركة الكردية.
ان الحقيقة التي تفسر هذه المواقف كشفتها مصادرعسكريّة وبرلمانيّة، فقد اكد مسؤول عسكري يشغل منصب عميد ركن في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي، أنّ ‘نحو 28 ألف مقاتل من أبناء العشائر ينتظرون بدء تدفّق الأسلحة الحكوميّة لهم، لكن هناك ‘فيتو’ على تسليح تلك العشائر، تمارسه إيران من خلال ميليشيات تموّلها وقيادات بارزة في التحالف الوطني، ومن بينها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي’, كما تخشى إيران أن ‘تؤدّي عمليّة التسليح إلى خلق قوّة جديدة في العراق، ستكون القوّة الأولى غير المدرجة على قائمة الإرهاب المحلي أو الدولي، وتشكّل نداً للميليشيات، وهذه أبرز أسباب تحفظ طهران على تسليح تلك العشائر’، بحسب المصدر.
وفي ظل حالة من الاحتقان السياسي والتدهور الأمني، وجدت الميليشيات مرتعا لم تكن تحلم به , وعاد قادتها الى دائرة الضوء بعد الفشل الامني والخدمي والفساد الذي نخر مؤسسات الدولة على يد هذه الشخصيات, ولذا فهي غر مستعدة لفقدان هذه المكاسب وايجاد منافس قوي قادر على سحب البساط من تحت اقدامها.
واذا تجاوزنا مسالة الحق الشرعي والقانوني والاخلاقي في الدفاع عن النفس سواء من خطر داعش او خطر المليشيات, فانه ينبغي على الحكومة العراقية ان تفهم ان وقوفها بوجه تسليح العشائر السنية وعجزها عن ضبط تصرفات “قوات الحشد الشعبي” فانها بذلك تُصعد من نقمة المكون السني، وتضعف جهود محاربة تنظيم “داعش”، بمنع فتح جبهة حرب عشائرية سنية ضده, وان الحث الطائفي الذي تستفيد منه الميليشيات الشيعية لكي تحصل على فرصة لبقائها وتوسيع سيطرتها تستفيد منه داعش بنفس الدرجة, بانحياز فئات جديدة إلى جانبه, لان التطرف لايولد الا تطرفا.
ان الأوضاع في المحافظات السنية تتطلب الوقوف العاجل مع العشائر العربية, وبالتالي فان الحكومة العراقية مدعوة إلى استثمار الفرصة الذهبية الحالية، للقضاء (داعش) والخروج من الدوران في الفلك الايراني خاصة مع المحاولات الامريكية التي -ان صدقت- فانها ستعمل على تصحيح الخطأ التاريخي التي ارتكبته باضعاف المكون السني, مقابل تغول المكون الشيعي واستقلالية الكرد, واذا حدث هذا الامر فربما سيكون خطوة نحو اعادة الاستقرار الى عراق متوازن لا يستقوي فيه احد على احد ولا يهمش فيه طرف دون اخر