عودة الى الماضي القريب و بعد ان أيقنت الادارة الامريكية من عدم قدرة الاجهزة الامنية العراقية بالسيطرة على الملف الامني او كما يقول السيد أندرو باسيفيش استاذ الشؤون الدولية في جامعة كلمبيا الامريكية في مقاله الاخير في صحيفة واشنطن بوست” ليس لدى العراق قوى أمن مؤثرة لكي يعتمد عليها لأننا لم نبني جهاز أمني حقيقي و لا حكومة حقيقية لتحكم ” قررت الإدارة المضي بالمرحلة الثانية لمشروع المصالحة الوطنية ألا و هو الاعتماد على القوى و العشائر العربية السنية الساكنة في المناطق الملتهبة عبر تسليحها و دعمها ، تحت عنوان مجالس الإسناد و الصحوات لمحاربة الجمعات المتطرفة و على رأسها تنظيم القاعدة الإرهابي ليشهد العراق بعد ذلك انخفاض ملموس في العمليات الإرهابية و استرجاع زمام الأمور في مناطق كثيرة كانت قبل ذلك تحت سيطرة القاعدة .
من اهم مقومات نجاح هذه القوى آنذاك ( الإسناد ، الصحوات) هو امتلاكها العامل المادي المتمثل بالدعم اللوجستي بالسلاح و العتاد و المال من جهة و العامل المعنوي من جهة اخرى المتمثل بالمقبولية عند الجمهور السني بعد ان طفح الكيل عند ابناء تلك المناطق من العمليات القتل و الخطف التي طالتهم من قبل تلك الجماعات التي دخلت مناطقهم تحت راية الجهاد و محاربة المحتل .
لكن دخول قيادات هذه الصحوات في تحالف سياسي مع رئيس الحكومة السابقة مع وجود هواجس و نظرة سلبية من قبل جمهور الشارع السني للحكومات ما بعد التغيير في ٢٠٠٣ سلب العامل المعنوي من هذه القوى لينطبق ذلك المثل الشعبي عليهم : ضيعوا المشيتين ! فبعد ان خسروا الانتخابات النيابية تراجع نفوذهم ايضا في الوسط السني و مازاد الطين بلة الخلاف الذي حصل بين الحكومة و هذه الشخصيات لينتهي الامر ليس فقط بقطع الإمداد عنهم بالالملاحقة من قبل السلطات الحكومية لتعود هذه الشخصيات و تظهر من جديد بصورة اكثر تطرفا في عدائها للحكومة المركزية و اصبحت في ما بعد تقود الاعتصامات و ما يسمى بثوار العشائر لتعوض ما خسرتها نتيجة تحالفها مع حكومة السيد المالكي .
اما اليوم و بعد ان سيطرت داعش على مساحات شاسعة من الاراضي العراقية عادت الادارة الامريكية بطرح عرضها السابق في ضرورة تشكيل قوات شعبية من ابناء تلك المناطق بما يسمى الحرس الوطني مما جعل المراقب يتسائل عن خلفية هذا الإصرار و لماذا لا تدعوا هذه الادارة بتنظيم القوات النظامية الموجودة و دعمها لمواجهة تلك الجماعات الإرهابية ؟
الجواب يكمن في مخاوف الطرف الامريكي من ظاهرة الحشد الشعبي الذي لم يكن في حسبان هذه الادارة خصوصا علاقة هذه القوات بالجارة ايران و الدعم المستمر الذي يتلقونه من الجمهورية الاسلامية ، لذلك و لغرض إيجاد توازن في القوى الفاعلة على الساحة العراقية تسعى الادارة الامريكية إيجاد قوات شعبية من الوسط السني مرتبطة بها غايتها حفظ التوازن في الصراع المحتمل ما بعد مرحلة الحرب على داعش .