مواقف غريبة الاطوار لا تشبه الا اصحابها , فمهما كانت المعارضة البرلمانية شديدة الامتعاض وغاضبة من سياسة الحكومة الا انها لا تصل في حساسيتها ومواقفها حدا تعارض فيه تنمية قوة البلاد وتجهيز القوات المسلحة بما تحتاجه من اجل القيام بمهمتها في الدفاع عن الوطن والوقوف بوجه الاخطار المحدقة به.
لقد ابدت القائمة العراقية وحزب مسعود بارزاني وعدد من النواب من هنا وهناك مواقف يمكن وصفها بالمخزية تجاه صفقات التسلح التي ابرمتها الحكومة مؤخرا مع روسيا وجمهورية التشيك مع ان هؤلاء لم يتشرفوا بحمل صفة المعارضة البرلمانية التي تبني مواقفها على مصلحة البلاد اولا وعلى مصلحة كسب النقاط التي تؤهلها لقيادة الحكومة في اقرب انتخابات ممكنة ثانيا , بل هم جمع سيهزم ويولون الدبر في اقرب انتخابات طبقا لاستطلاعات الراي . ان الموقف الكردي بطبعة السيد بارزاني بدا مذعورا من صفقة الاسلحة فاطلق العنان لسيل من التصريحات صور فيها ان هذه الاسلحة جزء من الاستعدادات في بغداد لحرب جديدة ضد الكرد , وهي تصريحات اقل ما يقال فيها انها تعبئة اعلامية ونفسية لتعميق الخلاف الكردي العربي في العراق وانزاله الى مستوى الشارع الكردي , فالجميع ومن خلال المتابعة الدقيقة يعرفون ان نغمة الحرب بين اشقاء الوطن يعزف عليها السيد بارزاني وصقور حزبه سواء بالتصريحات او المواقف المقصودة مثل منع تصدير النفط من خلال الاقليم , او الزج بمليشيات (البيش مركة) في مواجهة القوات العراقية , او ادعاء تابعية المناطق المتنازع عليها لاقليم كردستان , او بانتهاج اربيل سياسة اقليمية مخالفة لسياسة الحكومة المركزية .
كما ذهبت بعض صقور السيد بارزاني في تصريحاتهم انهم يعارضون صفقات التسلح بهذا الحجم والنوع لعدم وجود الكفاءات ولتخوفهم من مواقف القيادة التي يناط بها قرار استعمال الاسلحة , وهذه تصريحات متهافتة , فهم يعرفون تمام المعرفة ان الجيش العراقي بدأ التعامل مع الاسلحة الشرقية منذ نهاية الستينيات في القرن الماضي , وفيما يخص العقل القيادي فالكرد كانوا ومازالوا مسكونين بالخوف وعدم الرضا من اية قيادة ترفع النقض على سياستهم , فكيف سيكون الحال اذا كانت هكذا قيادة تستند الى قوة ضاربة لها وجود مؤثر على الارض ؟. لقد حاول السيد بارزاني عرقلة صفقة طائرات F16 لكنه لم يفلح الا بقدر تاخير تسليمها , ووضع بعض الاشتراطات على استعمالها حتى انتهاء ولاية السيد المالكي الذي صوره الاعلام الكردي عدوا للكرد !.
وفيما يخص القائمة العراقية قفد ابدت موقفا معارضا لصفقة تسليح القوات العراقية الاخيرة ولكن ليس خوفا موهوما من مهاجمة اقليمها لانها ليس لديها اقليم تتفرد بحكمه , وانما اظهرت حرصا تصريحاتيا ولفظيا على الاموال العراقية بانها تذهب لهكذا صفقات وان الاجدر بهذه الاموال هو المواطن العراقي بما يحتاجه من خدمات ! .
ان اليافطة التي رفعتها العراقية كانت ايضا متهافتة وممزقة فيما تضمنته من شعار , فالمراقب لايصدق اسباب موقف العراقية من صفقة التسلح خصوصا انها وقفت بالضد من مشروع قانون البنى التحتية الذي قدمته الحكومة للتصويت , فمن يدعي الحرص على اموال العراق عليه ان يسارع الى تاييد اي مشروع للبناء تنفق فيه تلك الاموال , كما ان تسليح القوات المسلحة العراقية ورفع قدراتها القتالية جزء لا يتجزأ من البناء ان لم يكن الجزء الاهم . ان حقيقة موقف العراقية جاء وفقا للاجندة السعودية والقطرية في اضعاف العراق وابقاء قواته المسلحة فقيرة القدرات مع ان السعودية وحسب اخر نشرة صدرت عن معاهد متخصصة في مراقبة التسلح تعد من اكثر دول الخليج تضخما بالسلاح الحديث ولها حاليا برنامج تسليحي يبلغ انفاقه (60) مليار دولار معظمه لتغطية القوة الجوية ومنظومة الدفاع الجوي , فمن الطبيعي ان تعارض السعودية اي نهوض عسكري للعراق مع ان عقيدته العسكرية هي عقيدة دفاعية , ومثل هذه المعارضة لها ادواتها في اروقة القوى السياسية العراقية كما لها قواها ولوبياتها في الكونغرس والادارة الامريكية ووسائل الاعلام هناك , وكل شيء يجري بحساب , ولكل موقف ثمن محدد سلفا .
لقد كانت زيارة السيد رئيس الوزراء الى روسيا والتشيك وما تمخض عنها خطوة في طريق سياسة الابواب المفتوحة كما صرح رئيس الوزراء نفسه وهي سياسة صحيحة ينبغي على العراق ان يتبعها في علاقاته السياسية والاقتصادية والعسكرية فلا يبقى رهينا لمحور او جزءا من محور فكثيرا ما تكون سياسة المحور ومواقفه بالضد من المصلحة الوطنية , فبالرغم من ان العراق والولايات المتحدة تربطهما اتفاقية التعاون الستراتيجي الا اننا نلاحظ في بعض المواقف الامريكية ما يخالف تلك الاتفاقية ومنها مايتعلق بصفقات التسلح الخاصة بطائرات f16 حيث تاثر الموقف الامريكي بالموقف من اسرائيل وبالضغط السعودي والدعاية الكردية وطبيعة العلاقات العراقية الايرانية , وعندما ينظر المراقب الى هذه العوامل لايجدها في السياسة الخارجية الروسية , لذا فمن المنطقي ان تتجه بوصلة العلاقات العراقية عموما والعلاقة التسليحية خصوصا باتجاه التوازن بين القطبين بما يلبي مصلحة العراق وحاجته .
ومع موقف مسعود بارزاني والقائمة العراقية من خطوة صفقة الاسلحة الروسية التشيكية ادلى نواب من هنا وهناك بمواقف مشابهة غلب عليها التهريج كما ابدى بعض المحللين مواقف بدا عليها الخجل من التصريح بمواقفهم المعارضة ومن بين هذه المواقف الخجولة ما كتبه السيد عادل عبد المهدي ونشرته جردة المواطن التي يراس تحريرها وزير النفط السابق ابراهيم بحر العلوم , ومهد السيد عبد المهدي لمقاله بمقدمة تنظيرية مستشهدا باراء بعض الباحثين حول ستراتيجيات الدفاع وانها تبنى على اسس السكان والقدرات الاقتصادية والمساحة والموقع الذي يحتله البلد , ومع ان هذه العناصر صحيحة في اية ستراتيجية دفاعية وتسليحية لكن السيد عبد المهدي عد التسلح العراقي او الصفقة الروسية التشيكية فاقدة لعناصرها الموجبة لها متذرعا ايضا بالخدمات والبنى المدنية التي يحتاجها المواطن ! . ان ما غاب عن السيد عبد المهدي هو عامل التحدي الذي هو اهم عامل في بناء القوات المسلحة لاي بلد , فقد يتطلب التحدي تجنيد نسبة من السكان تزيد على المعدل المتعارف , وقد يستدعي تسليحا عالي الكلفة , ومن يتذكر الحرب الباردة بين القطبين يتذكر كيف كان مستوى الانفاق العسكري لديهما , وكيف كان مستوى التسلح – خصوصا النووي – فوق ما يحتاجه الطرفان بكثير ؟ والعراق لا يخفى على احد يواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة وهو مع ذلك ليس في سباق تسلح مع اي من دول الجوار وانما يبني قدراته العسكرية لان شيئا لم يتبق منها حيث سحقت تماما في حروب نظام صدام حتى ان ما لديه لا يعدل ثلث ما لدى اية دولة مجاورة حاليا .
ان الذين اكثروا الضجيج حول صفقة التسلح الروسية التشيكية ليس لديهم منطق مقنع يمكن من خلاله تصديقهم فيما ادعوه , وانما جاءت مواقفهم حلقة في سلسلة المواقف المرتجلة ضد السيد رئيس الوزراء شخصيا وان كان ذلك على حساب الامن القومي للعراق .