23 ديسمبر، 2024 8:08 ص

تســاؤلات حرجــة: داعــش (داء دولي)..من هــو الــدواء؟

تســاؤلات حرجــة: داعــش (داء دولي)..من هــو الــدواء؟

لم يلفت انتباه الكثير من المحللين ما سبق وأن كرره الشيخ قيس الخزعلي، الأمين العام لتنظيم عصائب أهل الحق، بأن «داعش هي الداء ونحن الدواء»، بما يطرح السؤال الصعب بعدما تحولت داعش من مجرد عصابات إرهابية إلى قوة إقليمية تفرض هيمنتها على حوالي ثلث مساحتي العراق وسوريا، هل يبقى المد الشعبي للجهاد الكفائي هو الدواء أم ثمة وسائل متجددة إقليميا ودوليا لمكافحة وجودها؟

واذ تتفق الدراسات على ان «الرمزية» ابرز ما يميز اعلام حرب العصابات، وما يظهر من سيل التحفيز الرمزي في اعلام داعش ان صح التعبير يؤكد ان نظريات الامس القريب حول مواجهة حرب العصابات لا يمكن ان تطبق كليا على اعلام داعش وحربه النفسية.. كيف ذلك؟..

تساؤلات

مثل هذه التساؤلات الحرجة تطرح القضايا الأساسية للتفكر الجدي في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، بعد ان استفاق العالم متأخرا وهو يرى تنظيم داعش يفرض سيطرته على ثلث مساحة العراق، بعد الانسحاب المسؤول الذي ابتدعته ادارة الرئيس باراك أوباما عام 2011، فبادر كتاب الاعمدة في الصحف الأمريكية المعروفة الى طرح السؤال من جديد: العالم يتطلع الى أمريكا، وكأنهم في غفلة تاريخية عن حقيقة ما يجري في المنطقة، وكأنهم أيضا ليسوا اللاعب الأكبر فيها.

مأساة الكثير من المثقفين العرب وربما حتى حكامهم، تلك الثقة الكبيرة التي تمنح لواشنطن وهي تتلاعب بمقدرات المنطقة، من دون الاتفاق على خطوط حمراء وطنية تعترف الادارة الأمريكية بها كضرورات «أمن وطني» لدول العالم العربي، لذلك صالت وجالت واشنطن في المنطقة منذ انسحابها من فيتنام حتى اليوم، والمصيبة ان الكثير من المذكرات لشخصيات عامة او كتب ودراسات أمريكية تكشف حقيقة هذه السياسة فيما توصف عربيا بانها مجرد «نظرية مؤامرة» يراد تسويقها على المتلقي العربي!!

السلفية الجهادية

الواضح والصريح جدا ان هذا التنظيم يمتلك قاعدة شعبية ضمن فلسفة الفكر السلفي الجهادي، وهذا الفكر مترسخ داخل المجتمع العربي والخليجي منه خاصة وهو ما يفتح الابواب المغلقة في المجتمع لانتشار رمزية التطبيقات الاعلامية التي تنشرها داعش عبر مواقع التواصل الاجتماعي او مواقع الانترنت لاسيما اليوتيوب في برنامج صليل الصوارم، وتوجيه الدعاة لهذا الفكر الشباب لمتابعة مثل هذه البرامج وترويجها في اوساطهم، يعني بلا مواربة، ان هذه التطبيقات يمكن ان تصل ليس اعلاميا فحسب بل ومنهجيا الى هذه البدان بكونها مناطق مستهدفة يمكن ان تنتهي بظهور من يدعو علنا لمبايعة خليفة داعش ابو بكر البغدادي بدلا من امير البلاد او الملك المفدى!!

مشكلة الكثير من الانظمة العربية انها تدفن الرؤوس في الرمال وهي تتابع هذا الانتشار الافقي لاعلام داعش وسط مجتمعاتها وبشكل اقرب الى العلني بل ان انتشار مظاهر هذا الاعلام اخذت ابعادا متزايدة بظهور من يدعو لها من خلال من يعرفون بالدعاة، ولا اعتقد ان ثمة فواصل بين الدعوة للاسلام الصحيح كدين سماوي، وبين تطبيقات داعش الاعلامية، فيما يواصل الكثير من الدعاة، على الرغم من المنع القانون، الترويج للاعلام الداعشي في تغريداتهم على التوتير او في برامجهم كمحاضرات «للتوعية» التي يتلقاها الشباب كما هي النار في الهشيم.

هموم عراقية مختلفة

في العراق يختلف الوضع، لان كيان الدولة مفتت الى قوى واحزاب متعارضة، ونفوذ اجنبي يمول وسائل الاعلام المختلفة، لذلك لا يمكن لاعلام الدولة، وان حسب هكذا جزافا، مواجهة الاعلام الداعشي، فيما تستطيع المواقف والتصريحات التي يمثلها نموذج تصريحات الشيخ قيس الخزعلي الوصول الى الهدف مباشرة، بان الصراع الحالي انما هو صراع طائفي، وان تصفية الحسابات التي تسفك الدم العراقي وتستبيحه، لن يكون الرد عليها الا بطريقة الداء والدواء، ومع تحفظي الكبير على هذه النظرية، فان واقع العراق ربما يختلف عن غيره من الدول، الا ان ما يجري فيه اوقع المواطن في مطب قانوني ومجتمعي على حد سواء يتمثل في الاعتراف بانه «مواطن طائفي مناطقي» وليس «مواطنا وطنيا» بمعنى أن جل تفكيره وتطبيقاته الحياتية اليومية تنطلق من حق البقاء في الحياة والبحث عن سبل تحقيق ذلك حتى اذا لم يكن يوافق على اليات فكريا.

مثل هذا الفرز اذا ما انتقل الى دول المنطقة فان نتائجه الاولية تظهر في تجزئة المجتمع ما بين رافض وموافق، بين من يقف مع الدولة ويستمع لاعلامها فحسب وبين من يروج لاعلام داعش، وطرف ثالث يتصيد الفرصة للربح العاجل على حساب الطرفين لصالح جهات اقليمية او دولية عندها تفلت الامور من بين يدي اهل العقد والربط، ومن يشك من المتخصصين ربما عليها ان يراجع نظريات الحرب النفسية في تطبيقات الحرب الصينية وكيفية استخدامها المحدث في إعلام داعش!!

تصافح الأيدي في جدة وباريس

في المقابل ، ليس هناك أي اهتمامات إقليمية او دولية بمثل هذه الحقائق، وتصافح الايدي في مؤتمر باريس ومن قبله مؤتمر جدة، يعكس السياسات الأمريكية الاوربية الفعالة في محاربة تنظيم داعش الارهابي في تطبيقات اقليمية تبدأ من تأكيدات وزير خارجية سورية وليد المعلم عن دور دمشق في هذه الرغبة بمحاربة داعش وتتناقل الكرة بسرعة ما بين زيارة وزير الخارجية الايراني الى بغداد وزيارة مساعده الى الرياض، لتؤكد ان ثمة تحركا اقليميا مؤيدا لهذه الرغبة الأمريكية الاوربية، فيما تبقى الحسابات تتوارى داخل معادلة دولية قائمة على حسابات المصالح الروسية الأمريكية في الافصاح عن موقف دولي مشرعن من قبل مجلس الامن الدولي باتجاه اعلان هذه الحرب التي يتردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قيادتها كل ذلك يطرح السؤال كيف ستبدأ هذه الحرب؟؟ هناك اكثر من اتجاه يفكر به تنظيم داعش الارهابي في الغاء تمويله الخارجي والاعتماد على تمويل محلي من خلال نهب المصارف ومحال الصاغة ومحاولة فرض نفوذه العسكري على منابع النفط والغاز في العراق وسورية فضلا عن محاولة السيطرة على مصفى بيجي، ليمد كيانه بالتمويل اللازم الذي يروج له في بعض وسائل الاعلام الغربية بانه وصل الى مليون دولار يوميا.

تمويل داعش

والمطلوب في هذه الحرب المعلنة ان يفهم العالم من خلال دول الاقليم كيفية تهريب النفط والغاز والتي توظيف مواردهما في تمويل هذا التنظيم، وهو مطلب حيوي قبل الاعلام عن اية عمليات عسكرية يمكن ان تكرر الضربات الأمريكية بمشاركة أوربية كما حصل في اعادة فرض السيطرة على سد الموصل الحيوي، وتكرار مثل هذه الضربة من دون تجفيف منابع تمويل داعش تكون مجرد عمليات جراحية غير قاتلة لوجود هذا التنظيم. واي حديث مكرر عن الرغبات لابد وان تعاضدها مواقف معلنة صريحة من دول الاقليم التي تساعد هذا التنظيم على تهريب النفط والغاز وبيعه في السوق العالمية، وهناك تسريبات عن دور تركي – قطري واضح في عمليات التهريب من خلال وسطاء اكراد، ومثل هذه اللعبة المزدوجة ما بين الرغبة بمحاربة داعش من قبل واشنطن وبقية المنظومة الاوروبية وحتى من قبل الاكراد في اقليم كردستان، والجميع يعلن انضمامه الى الحلف الدولي المتجدد لمحاربة الاهاب الداعشي، ليس منه اية فائدة مرجوة من غير تعضيد النيات والرغبات بقرارات دولية تعتمد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمعاقبة أي طرف اقليمي او دولي يسهل تمويل داعش من خلال ببيع النفط والغاز المهرب من العراق وسورية.

تعارض سعودي – إيراني

في الطرف الاخر، لا تبدو عدة اطراف اقليمية لاسيما السعودية وايران قد تجاوزت خلافاتهما او على الأقل تغاضت عنها مرحليا من اجل الانتهاء من هذا الملف، ومع ترجيح امكانية ظهور هذا التحالف الاقليمي الدولي ضد داعش، أيضا تبقى النيات والرغبات مجرد مواقف بحاجة الى اختبار نوعي على الأرض في آليات التعاون الاستخباري الصحيحة للسيطرة على قواعد تمويل داعش بالانتحاريين من مختلف بقاع الأرض، لاسيما وان الكثير من هذه التنظيمات هي بالأساس قواعد أسست من قبل مخابرات هذه الدول وسهلت لها الوسائل اللوجستية لدخول وخروج عناصر داعش من والى العراق وسورية وأيضا تظهر كل من تركيا واقليم كردستان في منظور البحث الاستخباري للقيام بهذا الدور.

هكذا تكون تحالفات الامس القريب تتعارض من التحالف الجديد ضد داعش بعد ان استشعر الجميع مخاطره ليس على العراق وسورية فقط بل حتى على دولهم الابعد والابعد.