22 ديسمبر، 2024 12:53 م

تساؤلات .. هل رجال الأفتاء هم نواب الله على الأرض

تساؤلات .. هل رجال الأفتاء هم نواب الله على الأرض

تنتشر الفتاوى بين عموم المسلمين ، وخاصة في جمهورية مصر وغيرها ، وهذا المقال هو مجرد أضاءات وتساؤلات في موضوعة ” الفتاوى ” ، دون الدخول في مصدر و أنواع وتصنيفات الفتاوى ودون أي أستشهاد نصي من القرآن أو من الموروث الأسلامي ، التي تعج بها المصادر والمراجع .. وما أقدمه هو مجرد رأي .

الموضوع :                                                                                                                              بداية لا بد لنا من تعريف الفتوى ، الفتوى في  اللغة : اسم مصدر بمعنى الإفتاء ، والجمع : الفتاوى والفتاوي ، يقال : أفتيته فَتْوى وفُتْيا : إذا أجبته عن مسألته . والفتيا : تبيين المشكل من الأحكام ، وتفاتَوْا إلى فلان : تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفُتيا . أما تعريفُ الفتوى في الاصطلاح ، فقد عرَّفها العلماء بتعريفات عديدة منها : قال القَرافي : ” الفتوى إخبارٌ عن حكم الله تعالى في إلزام أو إباحة “. وقال الجرجاني : ” الإفتاء : بيان حكم المسألة ” . والفُتيا مَقامُها عظيمٌ ، وخطرُها جسيمٌ ، لذا اعتنى أئمَّة السلف وعلماؤهم من أصوليين وفقهاء بشأن الفتيا ، حيث وضعوا لها القواعدَ ، وبيَّنوا الشروط التي يلزم تحقُّقُها في المفتي والمستفتي . قال الإمام النووي في كتابه آداب الفتوى : ” قال العلماء : فإن المفتي موقع عن اللَّـه “. وقال الإمام أبن القيم في كتابه إعلام الموقعين : ” والمفتي هو المبلغ عن اللَّـه تعالى ، والواسطة بين اللَّـه وخلقه في بيان الحلال والحرام لمن استفتاه ، ومقامه عظيم ، خصوصًا فيما يتعلَّق بالصدع بالحق ، وبيان الحلال والحرام في المسائل التي تحتاجها الأمة ويكثر فيها الالتباس والخفاء ، أو تكثر فيها الأهواء والباطل ” . / نقل ما سبق من موقع طريق الأسلام ، بتصرف مع أضافات الكاتب .

القراءة :                                                                                                                           أولا – ما قاله شيوخ وأئمة الأسلام عن رجال الأفتاء ( ” فإن المفتي موقع عن اللَّـه “. ” والمفتي هو المبلغ عن اللَّـه تعالى ، والواسطة بين اللَّـه وخلقه في بيان الحلال والحرام لمن استفتاه ” .. ) ، جعلهم في مكانة أكثر من مقدسة ، ووضع هالة من اللاهوت المتفرد دنيويا على مكانتهم في المجتمع ، وعلى ودورهم في الحياة بكل تفاصيلها ، لأنهم يقومون بنصح بل بتوجيه العامة ، بتحديد ما يصح وما لا يصح ، وما يحل وما لا يحل للفرد ، وعن تصنيف الحلال والحرام ، فهم يعتبرون الوسطاء بين الله وبين العامة ، وهم بذات الوقت المبلغين عن الله ، وأرى أن هذا الوضع غير مقبول لا منطقيا ولا عقليا .

ثانيا أما القول من أن الفتوى ” الفتوى إخبارٌ عن حكم الله تعالى في إلزام أو إباحة “ ، فهذا القول لا يمكن أن ينطبق على الزمن الحالي ، لأن الله وضع قواعدا أساسية ، وهي ( لا تقتل لا تسرق لا تزني .. ) ، وليس من المنطق أن ينجر الله الى تفاصيل أحكاما حياتية مجتمعية للقرن 21 ، ولكن رجال الدين كالعادة ، يضعون أنفسهم في مجالات تفسيرية وأيضاحية وتأويلية للنص القرآني الماضوي ، ومن جهة أخرى ، أن رجال الأفتاء أخذوا يفتون بما لا يحق لهم ، لأنه حتى القواعد الأساسية لأحكام الله ، لا يمكن أخذها بما أنزلت قبل ألاف السنين ، وما يصح أنذاك لايمكن أن يصح الآن .  

ثالثا – هذا الأمر / الأفتاء ، وضع حجرا وسياجا حديديا على عقول المسلمين ، وأسدل غشاءا على عيونهم ، وجعلهم لا يبصرون ، وهذا الوضع أيضا ، أحال المسلمين الى عبيد لرجال الأفتاء .. وللعلم ، لقد تأسست دوائر للأفتاء في معظم الدول الأسلامية ، لها مكاتب ، وتعتمد على أليات حول كيفية الحصول على الفتاوى ، مما زاد في عملية تحجير عقل المسلم ، خاصة من الطبقات غير الواعية ، وحتى الواعية منها .

رابعا – وجود دوائر للأفتاء ، وأنتشار أنظمة الأفتاء المؤسساتية – خاصة في الدول العربية الأسلامية ، جعل من السلطة المدنية القضائية ، مهملة ومهمشة وغير فعالة ، خاصة في الدول التي يسيطر أو يغلب عليها الوازع الديني / كمصر ، وكان من المفروض على الدول ، أن تلجأ الى قانون مدني / حضاري ، للبت بقضاياها على أختلاف تصنيفاتها وتبويباتها ، حتى وأن كان الأمر يتعلق بقضايا الزواج والطلاق والأرث وحضانة الأطفال .. فيجب الأبتعاد عن الفتاوى واللجوء الى المحاكم الشرعية / على أقل تقدير أن وجدت ، أو الى محاكم الأحوال الشخصية ، في البت بالقضايا الأشكالية .

الختام :                                                                                                                                  1 . أذا أستمر وضع الفتاوى بالتطور على هذا المنوال ، فالأمر يمكن أن ينسحب الى باقي الطوائف الدينية ، فيصبح لليهود وللمسيحيين والصابئة و .. هيئات أفتاء خاصة بهم، وهذا الأمر سيعمل بالتأكيد على شل مؤسسات الدولة القضائية النظامية ، وأحلال لجان الأفتاء عوضا عنها .                                                                                                                           2 . الى متى يظل العامة من المسلمين يعتقدون ، بأن الحل لا زال فقط في الأسلام ، كمعتقد ، ونهج حياة ، وأسلوب تعامل مجتمعي ، والى متى يبقى الأعتقاد بأن الحل يجب أن يستقى من فتاوى تستند على أحكام نصوص ماضوية لا تمت بصلة حداثوية للواقع المجتمعي الحالي ، بكل تغيراته الزمكانية ، من جانب أخر ، هل الله أوصى بأن تنقل أو تبلغ شرائعه أو أحكامه عن طريق رجال الدين ، وهل أصبح الله كما يقال : ” حلال مشاكل ” ، وهل عملية الوصول الى حلول للمشاكل الحياتية تحتاج الى فتاوى من قبل رجال الدين ، وهل المجتمع بمفكريه / خاصة رجال القانون منهم ، عاجزين عن أيجاد حلول حضارية لمعضلاتنا المجتمعية التي يجب أن تعتمدعلى المعالجات والحلول العقلانية للمشاكل ذاتها ، وليس على الفتاوى .. هذا هو التساؤل والسؤال بذات الوقت ! .