10 أبريل، 2024 6:44 ص
Search
Close this search box.

تساؤلات من قعر الجحيم

Facebook
Twitter
LinkedIn

إستيقظ صباحا على حرقة في عينيه ، لقد تسلل العرق إلى حدقتي عينيه من شدة الحر ، لا يكاد يحتمل ملابسه لأنها صارت دبقة ، إستيقظ على وضع مألوف جدا ، حيث رائحة الأزبال المحترقة مع إنقطاع التيار الكهربائي منذ عدة ساعات ، لقد أثقلت الهموم نومَه ، فلم يأبه بالحر الشديد ، وتسائل في نفسه : ما خطب هذا البلد ، حتى الحرارة هي الأشد في العالم ، الأجدر أن تولي السلطة للكهرباء الأولوية القصوى إن كان لها الحدود الدنيا من الوطنية والحرص ، خمسون مليار دولار أهدرتها السلطة ، هي كافية لبناء 50 من أشباه برج خليفة ! ، أو 5 محطات طاقة نووية ، ربما ستكون قادرة على تجهيز نصف الشرق الأوسط بالطاقة ! ، لو كنا دولة محترمة تراعي الحدود الدنيا من حقوق الإنسان ، فضلا عن حقوق مواطنيها ، الذي يخسر في الشهر مليارات الدولارات لشراء خدمة الكهرباء ، كان لزاما على الدولة تعويض مواطنيها عن الضغط النفسي ونزيف الأموال من جيوب الفقراء ، وتضرر أحمال الكهرباء .

أرهقته الأجور العالية على خدمات الهاتف النقال ، يستغرب كلما قام بحك كارت الموبايل ، فقد كُتب عليه (5000 دينار) لكنه يشتريه بمبلغ 6500 دينار ! ، وخدمة الإنترنيت الأسوأ في العالم والأغلى في العالم ، سمع خبرا مزلزلا عن عملية (الصدمة) التي بدأتها وزارة الإتصالات ، التي إدعت أن سوء خدماتها تكلف “الدولة” ملايين الدولارات شهريا ، وإستغرب من هذا الخبر ، فملايين الدولارات تلك تخرج من جيب المواطن ، لا الدولة ، والدولة في واد ، والمواطن في وادٍ آخر ، لكنه استبشر خيرا لكن لا يخلو من الشك ، للتخلص من بطء وتخلف خدمة الإتصالات لدينا ، وجاءت (الصدمة) ، يرى الوزارة تلاحق المتجاوزين ، قوات أمنية وأبراج إتصالات تتساقط ، وأنتهت “الصدمة” فلم يلتمس إلا مزيدا من التخلف والبطء !.

قام بتشغيل المولدة المتهالكة ، فلا قِبَل له بالاشتراك بمولدة خارجية التي تزيد قيمة الإشتراك بها عن 100 دولار أمريكي وهو يعادل أكثر ربع راتبه التقاعدي ، وهو لم يعمل منذ تفشي الجائحة ، وفوق ذلك يرى أن الدولة تتصيده تحت حجة الغرامات ، كالفردي والزوجي ، وخرق حضر التجوال ، وعدم إرتداء الكمامة التي يشتريها بماله ، بدلا من توزيعها مجانا ، مع تهالك الخدمات الطبية في هذا الزمن الصعب .

شغل جهاز التلفاز ، أراد تشغيل المبردة برطوبتها الخانقة وهو يستجير من الرمضاء بالنار ، فتح صنبور المياه ، ولا قطرة ! ، فالماء لا يصعد إلا بضع سنتمترات عن الأرض ! ، حتى راتبه التقاعدي الذي لا يكفيه لأيام بات مهدّدا لأن “الدولة” صارت على الحديدة ! ، وتسائل مع نفسه ، لماذا ؟ ، فقد رفعت الدولة كل أشكال الدعم عن المواطنين منذ زمن بعيد ، اين تذهب المليارات من غرامات المرور ، والوقود ، والضرائب ، وأسعار جباية الكهرباء الباهضة ، أين تذهب صادرات النفط المليونية ، وواردات الموانئ والكمارك والمنافذ الحدودية وهذه الأخيرة فطنت لها الحكومة أخيرا من أجل تعظيم إيرادات الدولة ! ، ومنذ 17سنة ونحن نيام حتى تكونت منها إمبراطوريات من الفساد لا قبل لنا بمواجهتها ، يرى إستغاثة المحافظات وهي تستجدي مادة الأوكسجين ، المتنفس الوحيد للمرضى ، ومناشدات بإستيراده من الخارج ، عار على بلد يمتلك وزارة للصناعة لا يستطيع تأمين مجرد قناني أوكسجين .

وجاء خبر إغتيال هشام الهاشمي ، وهو يعلم أن العدالة ضائعة تماما في هذا البلد ، وهو يرى وزارتين بأكملها قد شكلت لجان للتحقيق هي الدفاع والداخلية ، وهنا شعر باليأس ، فكلما شكلت الدولة لجنة ، قال المسيء (أتاك الفرج) ! ، وهو يرى مئات اللجان المعطلة والمختصة بجرائم كبرى قد إنتهت نهايات سائبة ، كسقوط الموصل ، وصلاح الدين وقضية سبايكر والصقلاوية ، وجريمة سجن بادوش ، ومئات التفجيرات التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء منها تفجيرات الكرادة التي راح ضحيتها الف شاب ، ونتائج تحقيق مقتل وجرح آلاف المتظاهرين في ثورة تشرين ، عدا سرقات بمليارات الدولارات التي لا تكتشفها الدولة إلا بعد فرار اللصوص ، ليعودوا بعد ذلك بمركز سياسي أرفع ! ، وتلكؤ الإعمار والمشاريع الوهمية التي تُعد بالمئات فضلا عن آلاف المعامل المعطلة ، وطفيليات قتلت القطاع الخاص مع سبق الإصرار والترصد ، وتحولت غالبية المواطنين إلى جيوش من العاطلين عن العمل ، فقال في نفسه : أقسم أن الدولة تعرفهم بالأسماء فردا فردا وبالأدلة الدامغة والمستندات ، لكنها ساكتة ، لأنها شريكة فاعلة في الجريمة ! .

لا يكاد يمر يوم دون أن يسمع عن حريق هنا أو هناك ، في المحاصيل الزراعية والمعامل والمخازن والمستشفيات ، يشم منها رائحة الفساد والمؤامرات تتطاير مع الدخان ، ووسط كل هذا الجحيم والعبثية والعودة لحياة إنسان الكهف ، يسمع من الأخبار عن تشكيل كتلة جديدة تحت مسمى (عراقيون) ، فيضحك تهكما ومتمتما مع نفسه : ورم سرطاني آخر ، وكأن البلد ينقصه ورم الكتل والأحزاب والتيارات ، مجرد عبء جديد على كاهلنا ، ملّاح آخر يضاف إلى ملاليح في سفينة آيلة للغرق ، بل إنها تغرق فعلا ، فما الذي يجعل هذه الكتلة مختلفة عن تلكم السرطانات التي ضاق بها الجسد العراقي ؟!.

دواعش عادوا بقوة ، أتراك وإيرانيون يصولون ويجولون في كردستان ، يقصفون ويقتلون دون حسيب أو رقيب ، يأخذون قضمة من هنا وجبل هناك ، والجميع ساكت ، أللهم إلا بعض بيانات الشجب والإستنكار ، الحاجة الوحيدة التي نجيدها ، ووسط هذه الدوامات القاتلة ، يسمع مرة أخرى عن مصطلح (المناطق المتنازع عليها) مع الإقليم ، مصطلح يبعث على الغثيان حد القيء ، يجعله ييأس تماما من مجرد حضور لدولة تخضع دوما للإبتزاز ومنقادة إنقياد تام وكأنها عمياء .

طبقة سياسية تعيش في نعيم بعد أن أفقرت المواطن وجعلته يعيش في جحيم حقيقي ، وهنا تسائل مرة أخرى ، مَن هؤلاء الذين يحكمونا ؟ من أين أتوا ؟ هل هم بشر فعلا ؟ أشك في ذلك كثيرا .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب