23 ديسمبر، 2024 5:44 ص

تساؤلات مشروعة حول زیارة الكاظمي الی واشنطن

تساؤلات مشروعة حول زیارة الكاظمي الی واشنطن

هل نحن بحاجة الی إستقبال رئیس مجلس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض، بعد تحديد موعد للقاءە بالرئیس الامريكي دونالد ترامب في العشرين من آب الحالي، لكي ندرك نتائج الحوار حول آلية تجديد اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية؟
بحسب الفيلسوف الألماني الشاب والمنظّر في الواقعیة الجديدة ماركوس غابريـل بأن الواقع هو مركب من علاقات، وأن کل تعامل مع الواقع هو قراءة له، وکل قراءة تشكل واقعة جديدة تترك أثرها ومفاعيلها في المجريات.
فالعراق، کمنطقة صراع بین تیارین متعارضين لایلتقيان، تیار یسمی نفسه بمحور المقاومة (منهم لبنان، حزب الله تحديداً، سوريا کنظام، العراق، أحزاب وفصائل ومیلیشیات موالیة لإیران تحديداً، روسیا) رغم إختلاف وتعارض أنظمته السیاسية، لکنە متماسك و مترابط في مواجهة عدو مشترك، الذي في نظرهم هو الولایات المتحدة الأمریکیة، والتیار الآخر المتعارض أیضاً فیما بینه والمنضوي تحت لواء الفاعل الأمريكي الذي في يده زمام الأمور بالکامل (منهم إسرائیل وترکیا الی حدٍ ما، ودول خلیجية ومصر)، لا یتعامل مع الدول الإقلیمیة بمعايير العلاقات الدولية، بل يتخذ الی حد هذه اللحظة من نموذج قاعدة صاحب الأفضلية أسلوباً للتعامل مع دول الجوار.
فقبل مجيء حکومة السيد الکاظمي، التي تشكّلت في 7 مايو 2020 لتسير العراق لمرحلة إنتقالية، کانت العقلية التي تسنمت زمام الامور في العراق بعد سقوط نظام البعث تحکم بعُقد الماضي وتعيش المعارضة السلبية رغم تسلمها الحکم، لذلك لم يتمکن أصحاب هذه العقلیة فرض رؤیتهم وإرادتهم، هذا إذا كانوا يمتلكون بالفعل رؤية أو إرادة.
لکن هل هذه العلقية تفهم کل تلك التغيرات التي طرأت علی الشرق الأوسط و تعرف بأن التفاعل مع “الآن وهنا” يفيد المستقبل وأن العلاقات بين الدول لا تبنی علی أساس القيم والأخلاق والنیات الحسنة، بل علی أساس المصالح؟
مانلاحظه اليوم في حقل العلاقات الدولية، هو ظهور مبدأ جديد، تبناه الرئیس الأمريکي دونالد ترامب منذ وصوله الی هرم السلطة في الولایات المتحدة الأمرکیة لتوضيح طبیعة النظام الدولي، به تحول الإقتصاد الی عامل أساسي في السياسة الدولية. لذا قد تکون فترة حکمه المصبوغة بالطابع الإقتصادي في نظرنا محكومة إلى حد بعيد بالصفقات الاقتصادية والتجارية.
فالرئیس ترامب هو رجل أعمال بإمتیاز ولیس رجل سياسة، وهو يرغب في کل محاولاته الوصول لصفقات سياسية ذات طابع اقتصادي بشكل سريع. من وجهة نظرنا هذا ما سوف يحدث في لقاءه المزمع مع رئیس الوزراء العراقيّ في واشنطن.
صحیح أن العراق، كما أشرنا الیە، هو منطقة صراع وأن أمریكا بسعیها الی ضرب إيران وسلاحه المتألف من أتباع و وکلاء وقوات میلیشياوية موالیة، تريد إنهاء الهیمنة والتدخل الإيراني في شؤون بلدان المنطقة على كافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية والثقافية وتفکیكها وتغيير خارطها السکانیة، إن لم نقل تدأب الی إنهاء المشروع الإيراني القومي المتستر تحت يافطة الدعوة الدينية والكليشيهات الإيديولوجية، إلا أنّ هذا لايعني أن السيد الكاظمي يجب أن ينتظر من دولة عاجزة أن تصنع المعجزات وأن لا يقوم علی إنشاء قوة دافعة لقطع خطوط المجال المغناطيسي لرجال الدين، الذين صنعوا دولة فاشلة، سواء من حیث نظام الحکم، أو من حیث نموذج النمو، أو من حیث النمط الحضاري والمدني.
نعم حکومة السيد الكاظمي تهدف من خلال الحوار في الجولة الثانية حول “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” في واشنطن إلى مساعدة العراق على الدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات وليس فقط ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، لکن هل بإستطاعة هذه الحکومة إقامة حوار بناء مع أمریکا لتوطيد العلاقات بين الطرفين علی أساس التبادل المثمر والبنّاء، قبل انحسار الدور الإيراني القوي في العراق، الذي يرفض جهاراً دعوة بعض القيادات في العراق الی “الحيادية” ويؤکد دوماً عزمه على تثبيت قواعد الاشتباك مع الولايات المتحدة عبر العراق؟ هل من الممكن إصلاح الفكر الديني قبل هزيمة المشروع الإسلامي السياسي؟
لايزال العراق يعاني من التهکير السياسي والأمني من قبل الدول الأقلیمیة، لایزال العراق قابع تحت وطأة التخلف والعجر الاقتصاديين، ولايزال الجهل والفقر والبطالة أمراض مزمنة ومتفشية ولازالت الديمقراطية في حقيقتها مُكَبَّلة، ولایزال هذا البلد يتقدم قوائم الفساد العالمي والمديونية والعنف والإرهاب، ويتذيل قوائم الديمقراطية ومؤشر الحريات.
فإيقاف مسألة فقدان السيادة والهیمنة الإقلیمیة علی القرار العراقي أمر ضروري، لکن هذا بحاجة الی إرادة سياسية.
إن إيقاف خرق الدستور وضمان الحقوق الدستورية وإعادة هیبة الدولة والجيش والشرطة وتطهير هذه المؤسسات من نفوذ عوامل اللادولة وتحرير المناطق المخطوفة من قبل المیلیشيات المسلحة، التي لازالت تعاني من تبعات العمليات العسكرية لتحريرها، وإعادة النازحین الی مناطقهم وتأمين الإستقرار يتطلب قراراً وطنياً مستقلاً عن الطبقة السياسية، شجاعاً ونابعاً من استحقاق الشعب وحقه في اختيار حكومة وطنية مستقلة ومتماسكة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
السؤال هو، هل الولايات المتحدة الأمریكية فعلاً مستعدة لرسم معالم علاقة جديدة يمكنها أن تؤدي إلى شراكة استراتيجية دائمة، وهل تقوم بمساعدة حکومة الكاظمي وأجندتها الإصلاحیة على بناء عراق مستقر وقوي بعیداً عن نظام سياسي زبائني، لردع الطموحات الإقلیمیة والضغوط العسكرية التي تمارسها الحرس الثوري وسلطة طهران الاستراتيجية في المنطقة؟
لقد آن الأوان لرؤية إقتصادية إجتماعية تنقل العراق من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج وتحدد حجم ودور القطاع العام، رؤیة تندرج لتحقيقها الموازنات للخمس سنوات المقبلة ضمن مخطط إصلاحي مستدام وعلیه أن لا تکون الموازنات مجرد بيانات رقمية يتصارع عليها الکیانات السياسية على “القطعة” وفق منطق المحاصصة.
ختاماً نقول: النهوض والإزدهار لاتحدث من دون أفکار جديدة، ومن یفشل في إمتحانات المعرفة والديمقراطية والتنمية ويستمر في سياسة التبعية لمشاریع “محور المقاومة” والمحاصصة السياسية والمحميات السياسية ويقيّم الخطوات علی حساب ربح وخسارة، کائن من يکون، لایستطیع أن يقدم أي شيء.