23 ديسمبر، 2024 6:53 ص

للحكومات في العالم العربي والكثير من دول الشرق, اليد الطولى فيما يسمى بعملية التنمية. تلك العملية التي لم تنجح أبداً, وبالذات في العالم العربي, الذي مازال يعاني الكثير من المشاكل في ميدان التنمية. لاتعليم جيد, لا صحة, لا صناعة. حتى الزراعة التي هي ماركة العرب, تراجعت كثيراً, وأصبحت تقصر عن إشباع حاجات الدول الزراعية نفسها. كل القطاعات تعاني تقريباً. العجيب ان الحكومات تبدو غير مهتمة. فلا هي تعمل جدياً لحل هذه المشكلة, والتي باتت تؤثر بصورة كارثية على إنسان هذه المنطقة. ولاهي توفر مناخات مساعدة للأفراد ليضطلعو بهذه المهمة. إنَّ مايعانيه العالم العربي من عدم إستقرار سياسي, هو أُس المشكلة. فأغلب الحكومات, إما وراثية تحتكر الحكم وتختزل روح الدولة في سلالة واحدة. ومازالت هذه الحكومات تحافظ على رباطة جأشها. أو إنقلابية وصلت للحكم بصورة ملتوية ودموية, وبالتالي عاشت حالة رعب مستمرة, لخشيتها من تكرار هذا الدور عليها. وبالرغم من أن أغلب إهتماماتها كانت بوليسية, لملاحقة أعداء وهميين, متربصين بنظام الحكم, إلا اننا رأيناها سرعان ماإنهارت أمام نار أشعلها فرد, فاتهُ القطار السريع للتنمية. فالحاجة للتطور منطقية, وعدم السعي لذلك يخلق أوضاعاً مشوهة, تكفل البو عزيزي بإظهارها للعالم. حكومات كهذه, لاوقت لديها للحسابات الدقيقة التي يتطلبها البناء والتطوير, ولا ان تخلق أوضاعاً متحررة لأفرادها لِيُعّمِلو طاقاتهم في هذا المضمار, فهذه الأمور مازلت تسجل لدينا ضمن أمن الدولة !.

إنهارت الكثير من الحكومات في عالمنا العربي, ولكن العقليات مازالت نفسها. إضافة لتنامي أمراض خلفتها الحقب السابقة. حقب الكبت والأدلجة, ومصادرة الحريات, والتجهيل المتعمد, وتجديب العقول. داعش, التي قد تكون-هي الأخرى- مشروع تجهيل مقصود, من قبل زبانية المنطقة, لم تفعل اكثر من تجسيد الحقيقة القائلة بأن المكبوت قابل للإنفجار. فالحكومة التي لاتعمل لتفجير طاقات مواطنيها, ستعاني يوماً من تَفجر طاقاتهم عليها.

الإستقرار السياسي في أي مجتمع هو الممهد لعملية التطور. فإقتصادياً, رأس المال جبان, يبحث عن أرض صلبة ليستقر ويعمل. الحريات السياسية أثبتت بأنها كازولين الإبداع. التكنلوجيا مرتبطة بالإقتصاد, لحاجتها للمال. عندما يتوقف الخوف ويعرف كل فرد في المجتمع حقه, ويطمئن ويأمن من شر السلطة, يبدأ العمل. قد يقول قائل: هناك دول في وضع جيد اليوم, من ناحية إقتصادية, ومستقرة سياسياً منذ فترة طويلة, وتتبنى الكثير من الوسائل التكنلوجية الحديثة, ولكنها لم تتعدى ذلك, ولم تنتج شيئاً ذا قيمة؟. أعتقد بان المجتمع الذي لم يخلق تجربته الخاصة, ولم يبلور رؤية خاصة به عن المستقبل (كتجربة سنغافورة مثلاً), هو مجتمع آيل للسقوط في أي لحظة. الأنظمة التي يرتبط كل شيء فيها بمشيئة الحاكم, لايمكن ان تسمى حكومات بالمعنى الدقيق, بل أبويات ذات شوكة, سيتخاصم ورثتها على حقٍ في يوم من الأيام.

قد يجد السؤال, لماذا لم نتطور, إجابته في بعض ماقلناه أعلاه, وفي أمور أخرى, لا ندركها ونحن نعيش في إتون التخلف. كما قد يجدها في سلطاتنا الأخرى, التي تشجعنا وبإستمرار على النظر للماضي, كما هو, وتقديسه.

المستقبل مرهق. التطلع له يحتاج لخطوات جبارة من قبل أي حكومة. لذلك تخشى الكثير من الحكومات التورط بمجهول, لما قد يجره ذلك من فتح الباب للتحرر. فالمعرفة, التي هي روح التنمية, لايمكن أن تتوقف. وتؤدي بالضرورة للتساؤل حول كل شيء, بما في ذلك, طبيعة النظام القائم نفسه.

يبقى السؤال إذن, لماذا تطور غيرنا وكيف؟. قد يعتقد البعض ان الإجابة على سؤال كهذا, تقتضي البحث عن التجارب الناجحة, وإعداد الكثير من البحوث الاكاديمية حولها. قد يكون هذا جيد ويمثل بعض الخطوات. ولكن المسألة لاتتعلق بمجرد معرفة التجارب الناجحة, وإعادة إنتاجها. فنحن نعرف ذلك إبتداءً, ومع ذلك لم نتطور !. أن نبحث في امور اكثر عمقاً, هو أحد مفاتيح الحل. علينا ان نعرف متبنيات الناجح وفلسفته, والغاية البعيدة التي يتوخاها من نجاحه. تبنى العراق في السابق الكثير من التقنيات الحديثة, وحتى على مستوى الصناعات العسكرية, ونجح في ذلك إلى حدٍ بعيد, مع ذلك لم يُخلق ذلك الإنسان التقني, الذي يمكن ان يستمر في إنتاج النجاح. كانت تلك التقنيات, مستوردة لخدمة الفلسفة التي كان النظام الحاكم يتبناها. لذلك رأيناه يُخرب مابدأه بيده, بعد أن فشل في تحقيق تطلعاته العدوانية, وبعد ان خسر قوته, ولم يحقق نصراً, أو مايمكن تقيمه كَنصر. كانت عملية من أجل صناعة مجد شخصي, لم تتعدى ذات النظام وماتت بموته. لم يكن القصد منها إحداث نهضة تنموية حقيقية, يمكن ان تتجذر في روح المجتمع.

إذا كان يمكن الإشارة للأمم بالأسهم, فيمكن القول بأن سهم الأمم الناجحة يؤشر للأمام, فيما يؤشر سهمنا دائماً إلى الخلف.

في محاضرة تحفيزية للدكتور الاميركي بيتر ديامانديس, تحدث فيها لمجموعة كبيرة من الجمهور الأمريكي عن شيء واحد. المستقبل. يمكن ان نصف المحاضرة بأنها إختزال للروح الأميركية, التي تتطلع دائماً إلى الأمام, وتجسيد حقيقي للعقلية الأميركية, التي تطمح وبقوة لإستثمار العالم من أجل المجد. ولا تثريب عليهم في ذلك, فحن نطمح أيضاً لقيادة العالم !.

الدكتور بيتر, حاصل على شهادة من معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا في علم الوراثة الجزيئية والهندسة الفضائية, ودكتوراه في الطب من جامعة هارفرد, والرئيس التنفيذي لمؤسسة أكس (XPRIZE), والتي تفاجأت حين لم اجد لها ترجمة عربية واحدة على كوكل!. لذلك أُضطررت لترجمة ذلك شخصياً. ولاأدعي سبقاً في ذلك, بقدر ماهي محاولة, لنقل هذه الفكرة الناجحة, عَلّنا ندرك لماذا نجح غيرنا, فيما بتنا نعتقد ان التخلف قدرنا المحتوم.

مؤسسة أكس, من أهم المؤسسات العالمية اليوم, والتي تدفع في مجال إطلاق جوائز تشجيعية كبيرة, لإحداث فتوحات علمية جديدة لصالح الإنسانية جمعاء, ولصالح المجتمع الأميركي بالتأكيد. تتبنى كل من يطمح أن يقدم إنجازاً في مجال التنقيب, الفضاء, الإتصالات, علوم الحياة, الطاقة والتعليم. ولكن بشروط منها, ان يكون الهدف المراد تحقيقه, صعباً, لامستحيلاً, وأن يكون مفيداً ويمكن فهمه من قبل الجميع, والأهم, أنها ترصد المبالغ وحسب نوع الهدف, إبتداءً في حال الإقتناع بجدية الهدف, ومن دون إشتراط تحقق النتيجة المرجوة. أي أنها تدعم الجِدّية.

الفلسفة التي تقوم عليها هذه الجائزة, هي إشاعة روح المنافسة, وخلق الحافز, لإحداث التطورات العلمية في هذا العالم. عامة, يمكن المشاركة فيها من قبل أي شخص في العالم. تقول آخر جملة في فلسفة الجائزة: هل انت مجنون؟, إتصل بنا, فحن نصدق !.

وتنص فلسفة الجائزة, حسب رؤية القائمين عليها:

“جائزة أكس, هي المحرك للإبتكار والمحفز المتسارع لتغير العالم نحو الأفضل.

نحن نؤمن بقوة المنافسة, لأنها جزءٌ من حمضنا النووي (DNA) ومن الإنسانية نفسها. الإستعانة بروح المنافسة التي لاتقهر, يمكن أن يحدث الفتوحات والحلول التي بدت غير متصورة في الماضي, أو مستحيلة. نحن نعتقد بان حصول الشخص على تحفيز من دون هدف, سوف يؤدي إلى إضاعة الوقت, وتبذير المال. لذلك نحن نحفز للعمل وتحدي المشاكل حول العالم من أجل حلّها.

إن التحديات التي يمكن ان تقبلها الجائزة يجب ان تكون صعبة ولكن يمكن تحقيقها, وتقابل اهداف قابلة للقياس (أي تم تحقيق مثلها في السابق), ومفهومة من قبل الجميع.

نحن نعتقد بأن الحلول يمكن أن تأتي من أي شخص, وفي أي مكان. وان بعض أعظم العقول في عصرنا تبقى غير مستغلة, وعلى إستعداد للمشاركة في تغير العالم نحو الأفضل, ولكنها بحاجة للمساعدة, لكي تستطيع أن تقدم الحلول. التغير. وتحقيق فتوحات جذرية لصالح الإنسانية جمعاء”

هم يفكرون في تغير وجه العالم, نحو الأفضل, بالنسبة لهم على الأقل, ونحن نريد تغير الماضي. هم يعملون بالممكن, ونحن نتطلع للمستحيل. لذلك لاعجب ان ندور في حلقة مفرغة من الفشل منذ قرون.

إخترتُ محاضرة الدكتور بيتر, كمثال لعدة أسباب. فالرجل ناجح ويعني مايقول, ولأنها تتكلم عن تجارب مجتمع ناجح قياساً بالعالم كَكُل, ولأنها وهذا هو الأهم, تتكلم عن إنجازات بعيدة عن فَلك ومال الدولة. أغلب المؤسسات التي تكلم عن الدكتور بيتر هي شركات خاصة, تعمل لخدمة المجتمع, وتحصل على مقابل مجزي بالتأكيد. بإختصار, هو مجتمع يعي ذاته, ويعمل على السعي بها للأمام. ولأن مضمون المحاضرة يستند على لغة العلم وإحتمالاتها المستقبلية, لذلك عانيت كثيراً لفهم الكثير من المفردات, وتطلب ذلك جهداً ووقتاً وبحثاً لإستيعابها, فأغلبها مفردات ليست مهمة في الواقع الذي أعيش فيه.

بدأ الدكتور بيتر محاضرته- الموجهه للجمهور الأميركي- بمجموعة من الاخبار السلبية التي تداولها الإعلام خلال الخمس سنوات السابقة, كالتفجيرات, الفيضانات, الزلال, إنهيار الإقتصاد, المناخ, إلى آخره, موضحاً دورها في بث الإحباط في نفسيات الناس. حيث يوجد في عقل الإنسان جزء بدائي يسمى (اللوزة), وهي كاشف الاخطار الخاص بنا, والتي تقوم بالبحث عن أي شيء يمكن أن يضر بنا في المحيط الذي نعيش فيه. ولأن عقولنا لايمكن ان تستوعب الكثير, في وقت واحد, فلذلك هي تركز على الأخبار السلبية التي يبثها الإعلام. والإعلام في ذلك يستند لمقولة قديمة: ( إذان كان ينزف فهو يجذب), حيث يتعامل معنا وفق هذه العقلية. مايعزز ويخدم الإعلام في مسعاه, التكنلوجيا التي نستخدمها, مُمثلة بالهواتف النقالة, طوال أربعة وعشرون ساعة, سبعة أيام في الأسبوع. كل ذلك يساعد على إبقاؤنا تحت ضغط الإعلام وأخباره السلبية.

ويؤكد الدكتور بيتر, نتيجة لكل هذه المعطيات التي يقدمها لنا الإعلام, والتكنلوجيا, وعقولنا المجبولة على الخوف, فمن الطبيعي ان نشعر بان العالم متجه إلى النهاية الحتمية. ولكن الأمر قد لايكون كذلك, ومن الممكن أن تكون الصورة المنقولة لنا لاتتطابق مع الحقيقة.

يُقدم مجموعة من الحقائق. العالم اليوم, ينتج ثلاثة أضعاف ماكان ينتجه قبل مائة عام, من دون ان ننكر مشاكل المناخ, التلوث, الطاقة. ولكننا كبشر, أفضل اليوم, وقادرين على رؤية المشاكل قبل حدوثها, ووضع المعالجات المناسبة لها. فخلال مائة عام:

-إزداد عمر الإنسان أكثر من الضعف.

-متوسط دخل الفرد تضاعف ثلاث مرات حول العالم.

-معدل وفيات الأطفال إنخض بنسبة واحد إلى عشرة.

-أسعار الطاقة, الطعام, النقل, الإتصالات, إنخفضت من عشرة إلى الف ضعف.

ويستند إلى رأي ستيف بنكر (أستاذ علم النفس في جامعة هارفرد), على أننا نعيش في الوقت الأكثر سلمية في تاريخ البشرية. كما يستند على رأي تشارلز كيني (زميل مركز التنمية العالمية والذي كان يعمل سابقاً في البنك الدولي), بان نسبة المتعلمين في العالم إرتفعت من (25%) إلى أكثر من (80%) خلال المئة وثلاثين سنة الماضية.

ويؤكد على إننا نعيش في زمن إستثنائي, ولكن الناس ينسون ذلك نتيجة لعالمل الخوف, ويقومون يومياً بما أسماه ( إعادة تعريف الفقر), نتيجة لتوقعاتهم السلبية, التي يغذيها الإعلام.

ويطلب من الناس في أميركا أن يفكرو بأن أغلبية الشعب الذي يعيش تحت خط الفقر, يملك مع ذلك, كهرباء, ماء, مراحيض, ثلاجات, تلفاز, هواتف نقالة, مكيفات, سيارات. ثم يربط ذلك بمفارقة, وهي ان أغنى رجال القرن الماضي, لم يكونو يحلمون بتوفر هذه الخدمات وهذا الترف.

ويعزو سبب ذلك التطور والرفاهية التي أصبحت متوفرة حتى للفقراء, إلى التكنلوجيا وتناميها بشكل سريع. فإستنادً لقانون مور, والذي إبتكره غوردن مور ( احد مؤسسي شركة انتل) عام 1965. حيث لاحظ مور أن زيادة عدد الترانزستورات, والتي هي عبارة عن عن قطعة صغيرة ذات ثلاث أرجل, تحتوي كل واحدة منها, نوع مختلف من مادة شبه موصلة, تختلف عن الاخرى. توضع في شريحة المعالج داخل الأجهزة الرقمية ولايخلو منها جهاز. هذه الترانزستورات, تتضاعف كفاءتها كل سنتين تقريباً, وبدون تكلفة. هذه المُضاعفة هي المسؤولة عن الزيادة المستمرة في الأداء الحاسوبي, وبملايين العمليات في الثانية الواحدة. كما يبتغي قانون مور خفض التكاليف في الوقت الذي تُحقق فيه زيادة عدد الترانزستورات, المزيد من الكفاءة في الاداء, فتصبح أقل كلفة عند الإنتاج, وأكثر وفرة وقوة وأكثر تواجداً في حياتنا اليومية. ولهذه الترانزستورات الفضل في زيادة سعة الذاكرة, وحجم البكسل في الكامرات الرقمية, إلى غير ذلك من الإستخدامات الكثيرة, والتي تساعد على تحسين التكنلوجيا. جديراً بالذكر ان شركة (أنتل) هي من أكبر الشركات العالمية, الأميركية المتخصصة برقاقات الكمبيوتبر.

يعلل الدكتور بيتر ذلك بقوله: إنّنا نحتاج أن ننتج كل سنة, كمبيوترات أسرع, لاتبطئ لأي من تحدياتنا العظمى.

تحدث الدكتور بيتر عن ما أسماها بجامعة (التفرد), والتي أنشأها هو وصديق له: نطلب كل سنة من الطلاب, بدء شركة, أو مشروع, أو خدمة من الممكن أن تؤثر على حياة البلايين من البشر خلال العقد القادم. ثم يدعو الجمهور إلى التفكير في وجود مجموعة من الطلاب, يستطيعون التأثير على حياة البلايين من الناس اليوم, وكم كانت هذه الفكرة سخيفة قبل ثلاثين سنة. يستند في ذلك إلى ان هناك العشرات من الشركات التي تمكنت من فعل ذلك. شركات يكون جُلّ عملها منصباً عللى صنع الوفرة. والوفرة-حسب قوله- لاتعني صنع حياة مرفهه لكل الناس على هذا الكوكب, ولكن صنع حياة مليئة بالإحتمالات, والتي تعني أخذ ماكان نادراً وجعله وفيراً للجميع.

فالندرة سياقية, وتعتبر التكنلوجيا قوة لتحرير الموارد. ويستعين لتوضيح ذلك بقصة.

في عام (1800) للميلاد, قام ملك سيام (تايلاند) بدعوة نابليون الثالث على العشاء. جمع نابليون قواته, والتي تم إطعامها بأواني من الفضة, فيما تم تقديم الطعام لنابليون بأواني من الذهب. أما ملك سيام, فتم إطعامهُ بأواني من الألمنيوم !. كان الألمنيوم في ذلك الوقت المعدن الأكثر قيمة على الأرض. أغلى من الذهب والبلاتينيوم. وهذه القيمة هي السبب في كون قمة نصب جورج واشنطن مصنوعة من الألمنيوم. فالألمنيوم لايوجد خاماً في الطبيعة, مع انه يشكل نسبة كبيرة من عالمنا, بل مختلط بالأوكسجين والسليكات. في ذلك الوقت لم يكن إستخراجه ممكناً. ولكن بظهور تكنلوجيا التحليل الكهربائي, أصبح الألمنيوم رخيصاً للغاية, لدرجة انه أصبح يستخدم, بطريقة الإستخدام لمرة واحدة !.

يدعو الدكتور بيتر جمهوره, لعكس هذه الفكرة على المستقبل. نحن نفكر بندرة الطاقة, مع ان الكوكب الذي نعيش عليه, يعوم على طاقة أكثر (5000) مرة مما نستخدمه اليوم. أي أن غلاء الطاقة لايتعلق بندرتها, ولكن لعدم إبتكار التكنلوجيا التي تجعل إستخراجها سهلاً, وغير مكلفاً. ويستشهد على دور التكنلوجيا في خفض التكاليف: بأن الطاقة المولدة حالياً في الهند, من الشمس, أصبحت تعادل اليوم, (50%), من الطاقة المولدة عن طريق الديزل, وهو ماجعل سعرها ينخفض إلى النصف تقريباً. وفي الولايات المتحدة سينخفض سعر الطاقة بشكل كبير, خلال عقد من الزمن في المناطق المشمسة. حسب الدراسات التي قدمها معهد ماستشوستس للتكنلوجيا. وإمتلاك طاقة وفيرة يعني, إمتلاك ماء وفير أيضاً.

يتطرق الدكتور لما يسمى نظرياً ( بحروب الماء), وما تثيره من مخاوف لدى الناس. حيث يقول: نحن نعيش على كوكب (70%) منه مغطى بالماء, (97.5%) منها ماء مالح, و(2%) منها جليد. ومع هذه الوفرة, فان العالم يتنازع حول النصف بالمئة المتبقية من الماء الموجود على هذا الكوكب. ولكن يوجد أمل لحل هذه المشكلة, وفي هذا الوقت (المحاضرة في سنة 2013), وليس بعد عشرة أو عشرين سنة, بل حالاً وعن طريق تقنية النانو. تقنية النانو ببساطة: العلم الذي يهتم بدراسة ومعالجة المادة على المقياس الذري والجزيئي. ويعرفها الكاتب أحمد مغربي في مقالته المنشورة في جريدة الحياة اللندنية بأنّها: تطبيق علمي يتولى إنتاج الأشياء عبر تجميعها على المستوى الصغير من مكوناتها الأساسية, مثل الذرات والجزيئات. وما دامت كل المواد المكونة من ذرات مرتصفة وفق تركيب معين, فاننا نستطيع ان نستبدل ذرة عنصر ونرصف بدلها ذرة لعنصر آخر. وهكذا نستطيع صنع شيء جديد, ومن أي شيء تقريبا, مما يفتح المجال لإستخدامها وتسخيرها لفائدة الإنسان, كما حدث ذلك بإكتشاف الترانزستورات.

أعلن الدكتور بيتر في أثناء المحاضرة, ولأول مرة, عن إنتاج تقنية جديدة أسماها (بالمقلاع). وهي عبارة عن جهاز صغير بحجم الثلاجة, قادر على إنتاج الف لتر من الماء النظيف, الصالح للشرب يومياً, ومن أي مصدر (ماء مالح, ماء ملوث, ماء مرحاض), وبأقل من سَنّتين للتر الواحد. ووافق رئيس مجلس إدارة شركة كوكاكولا على القيام بإنشاء مئات الوحدات من هذا الجهاز في العالم النامي. فإذا تحققت النتيجة المرجوة منها, ستقوم شركة كوكاكولا بنشر هذا الجهاز ولـ (206) دولة حول العالم. كل هذه الإبتكارات التي ذكرناها ممكنة اليوم بفضل التكنلوجيا. الأمر نفسه ينطبق على الهواتف النقالة. حيث إنتشرت في (70%) من العالم النامي في نهاية سنة (2013). ويستشهد بصورة تعرض على شاشة المسرح الذي يلقي فيه محاضرته, لرجل كيني, شبه عاري, يحمل هاتفاً نقالاً. يقول الدكتور بيتر, إنه يتضمن تكنلوجياً أفضل من تلك التي كانت في هاتف الرئيس الأميركي (رونالد ريغان) قبل خمسة وعشرون سنة. وإذا دخل هذا الشخص إلى موقع (كوكل) من جواله الذكي, فسيحصل على على معلومات ومعرفة أكثر مما حصل عليها الرئيس (كلينتون) قبل خمسة عشر سنة. فنحن نعيش في عالم وفير بالمعلومات والإتصالات لم يكن يتوقعه أحد. هناك شيء عظيم آخر, وهو أن الأشياء التي كنا نصرف آلاف الدولارات للحصول عليها, كنظام تحديد المواقع ((GPS وفديوهات الأبعاد الثلاثية والصور الثابتة ومكتبات الكتب والموسيقى, وتقنيات الكشف الطبية, كلها أصبحت غير حسية, وغير مكلفة وفي هواتفنا النقالة. والأفضل من كل ذلك, التقدم الذي أحرزناه سريعاً في ميدان الصحة. حيث إتفقت مؤسسة أكس مع شركة كوالكم, وهي شركة أمريكية متخصصة في مجال نظم الإتصالات, تعتبر الآن الأولى عالمياً في إنتاج وتصميم معالجات الهواتف الذكية, ويرجع لها الفضل في إنتاج تقنية (سي, دي, أم, أي) التي تستخدم في إتصالات الراديو. على ان ترصد مؤسسة أكس مبلغ عشرة مليون دولار, لتقوم شركة كوالكم بدمج تقنيات تكنلوجية في جهاز نقال. حيث سيكون بإستطاعة الشخص التحدث معه, لأنه يمتلك ذكاءً صناعياً, وكذلك السعال عليه, ويقوم أيضاً بعملية تحليل للدم من الأصابع. يقول الدكتور بيتر لجمهوره, تخيلو وجود هكذا جهاز في العالم النامي قريباً, حيث لايوجد أطباء, (25%) يعدون من حملة الأمراض, و(1.3%) فقط في مجال الصحة. هذا الجهاز الذي يسمى بالترايكوردر, والذي سيقوم مقام مجموعة من الأطباء, ويمكن للناس ان يستخدموه في منازلهم. عندما يَكتشف فايروس, حمض نووي, حمض نووي ريبي (وراثي), مريض او غير سليم, ولايميزه, يتصل على مركز خاص للسيطرة على الأمراض ويمنع من حدوث أي وباء أو عدوى منذ البداية.

هنا تكمن القوة الكبرى, لجلب عالم من الوفرة, والتي تسمى (بالمليار النامي). وللعلم, أن اكبر حماية من مايسمى بالأنفجار السكاني, هو جعل العالم مثقف, وصحي.

في سنة (2010) كان لدينا مايقارب المليار شخص, متصل بالمحادثة العالمية على الإنترنت. في سنة (2020), سيزدادون من بليونين إلى خمسة بلايين شخص من مستخدمي الإنترنت حول العالم. أي ثلاثة بلايين من العقول الجديدة, والتي لم يسمع بها أحد من قبل, متصلين بالمحادثة العالمية. ماذا يريد هؤلاء؟, بماذا سيرغبون؟. وبدلاً من حدوث تراجع إقتصادي, فنحن على وشك الحصول على اكبر حقنة إقتصادية. حيث يمثل هؤلاء الناس عشرات الترليونات من الدولارات, حقنت في الإقتصاد العالمي. سيكونون أكثر صحة من خلال إستخدام الترايكوردر. واكثر ثقافة, بإستخدمهم كلية ذات مصادر مفتوحة (الإنترنت). وسيكونون قادرين على إستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد, والحوسبة اللانهائية, وستصبح إنتاجيتهم أكثر مماكانت عليه في أي وقت مضى.

ماذا يستطيع ثلاثة بلايين شخص, أصحاء ومثقفين ومنتجين أن يجلبو لنا؟.

ماذا عن الأصوات الجديدة, والتي لم يسمع بها أحد من قبل؟.

ماذا عن إعطاء المظلومين, أينما كانو, الصوت الذي يُسمع, والصوت الذي يعمل؟.

ماذا عن مساهماتهم التي لانستطيع تخيلها حتى؟.

الذي تعلمته من جائزة أكس (XPRIZE) هو ان الفِرق الصغيرة, والتي تملك الشغف مع التركيز الواضح, بإمكانها صنع أشياء إستثنائية. أشياء كانت الشركات الكبيرة والدول, هي التي تصنعها فقط, في الماضي.

يذكر الدكتور بيتر قصة جعلته متحمساً. يوضح فيها كيف يمكن إستثمار العقول عبر التكنلوجيا. حيث صدرت عن جامعة واشنطن لعبة تسمى (فولد إت). في هذه اللعبة يقوم مجموعة من الأفراد بأخذ سلسلة من الأحماض الأمينية, لمعرفة كيف يتضاعف البروتين. وكيفية تضاعفه تُظهر هيكلية البروتين ووظائفه, هذه العملية مهمة جداً للبحث عن الدواء. تم لعب هذه اللعبة من قبل أساتذة الجامعة وغيرهم. وقام مئات الآلاف من الأشخاص بالدخول لموقع الجامعة وبدء اللعب. ثبت من جراء ذلك, ان نمط الإستيعاب لدى الإنسان أفضل في معالجة البروتينات, أكثر من أي حاسوب. وحين ذهب الأشخاص الذي كانو يلعبون اللعبة, لرؤية من كان أفضل معالج للبروتين في العالم, فلم يكن بروفسوراً في معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا, ولم يكن طالباً في معهد كاليفورنيا للتكنلوجيا. كان شخصاً من إنكلترا, ومن مدينة مانشستر تحديداً. كانت إمرأة, والتي كانت تعمل خلال النهار مساعد تنفيذي في عيادة لإعادة التأهيل, وفي الليل, أفضل مُعالجة للبروتين في العالم !.

مايعطيني ثقة كبيرة بالمستقبل, هو أننا اليوم أكثر قوة كأفراد, لمواجهة التحديات الكبرى لهذا الكوكب. لدينا الأدوات والتقنيات. لدينا تقنية إفعلها بنفسك (شعار مؤسسة أكس), لدينا رأس مال سخي, في مجال التكنلوجيا, ولدينا ثلاثة بلايين عقل جديد قادم للعمل معنا, عن طريق الإنترنت, لحل التحديات العظمى, ولفعل مايجب علينا فعله. فنحن نتجه للعيش في عقود إستثنائية في المستقبل القريب.

هذا مايفكر به شعب يريد أن يكون. تجاوز في تفكيره حدود جغرافيته وحدوده. هذا عن جانب واحد فقط, ولم نتناول الجوانب الأخرى. الشعوب التي لا تفكر في هذا العصر, لن يفكر لها احد, ولن يرحمها أيضاً.

إذا إختزلنا الامر فينا كعراقيين, فنحن ندور في حلقة مفرغة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921-2015. كل الحكومات التي حكمت العراق كانت بلا نابض, الذي هو حب الوطن والمساواة (الفضيلة السياسية) على حد تعبير مونتسكيو في كتابه روح الشرائع.

لم نبني فرداً, وبالضرورة لم نبني نظاماً صالحاً للقيادة. فالفرد والنظام متلازمان, ويتوقف نجاح الحكم, على مدى مايحتلى به الفرد من فضيلة مجتمعية, بالمفهوم الحديث.

هذا عصر المعلومة. عصر التقنية, والعقول الذكية. كانت اليابان قوة عسكرية كبرى, حتى أنها أنتصرت عسكرياً على روسيا وطردتها من شبه الجزيرة الكورية سنة (1904), كما هزمت الصين أيضاً وإحتلت منشوريا وأجزاء أخرى منها. كانت اليابان دولة وحشية. إرتكبت أبشع المجازر في الصين. ولكن بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية, تخلت عن جنون الحرب. بدلت اليابان مفاهيمها القديمة, لتنطلق في ميدان الصناعات المدنية, لتكون اليابان التي نعرفها اليوم, بصناعاتها المشهورة, كقوة إقتصادية وتكنلوجية على مستوى العالم.

مايمر به العالم العربي, والعراق خصوصاً, يجعلني أُعاني وأنا أحاول إنهاء هذه المقالة. فلا نهاية واضحة في الأفق, لطبخات الفشل والغباء, ومن المؤلم أن نبقى كفاشلون, بلا نهاية.

قد يكون الكلام عن التكنلوجيا, وتقنية النانو, وغيرها مما ذكرنها, نوعٌ من الترف والخيال الذي لانحتاجه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا. مع ذلك يمكن لأي حكومة, وبسلطاتها المختلفة, أن تشيع روح المساواة بين الناس, وتولي إهتمامها الأكبر للخدمات الضرورية, التي تتصل بحياة الناس, بصورة مباشرة, وتركز على تطوير نظام التعليم, ونشر المعرفة العصرية بين الناس, وبجدية. إذا أرادت أن تتحمل المسؤولية التاريخية تجاه هذا الشعب. وهذا أضعف الإيمان.

نحن في عصر الثورات المعرفية. الثورات الدموية إنتهت بدكتاتوريات جالبة للدمار. مع ذلك قد يلجأ لها شعبٌ غاضبٌ ومحبط, لايجد حلاً. يقول الدكتور علي شريعتي: مشكلتنا في الثورات أننا نطيح بالحاكم ونبقي من صنعو دكاتوريته, لهذا لاتنجح أغلب الثورات, لأننا نغير الظالم ولانغير الظلم.

أما حان الوقت لنعمل بصدق, ونساعد الناس على العمل, ونجنب الجميع شَرَّ البطالة والكسل ؟.