18 ديسمبر، 2024 11:25 م

وأنا أُقلب في الإنترنت, باحثاً عن مادة معينة لموضوع أكتب عنه, أُطاردُ قصصاً قديمة تعج بالمثيلولجيا يتطلبها عملي. قفزت أمامي مقولة لمارتن لوثر كينج تقول مانصه:
“قدرتنا العلمية تغلبت على قوتنا الروحية, لذلك إستطعنا توجيه الصواريخ, ولم نستطع توجيه البشر”.
أعدتُ قراءة المقولة لعشر مرات تقريباً ولم أفهم شيئاً !. تساءلت مع نفسي, متى إستطعنا توجيه الصورايخ؟, كل ما أنتجناه في زمن الصواريخ هو تفخيخ البشر, وتفجيرهم عن بعد. إيماننا بالغيبيات والأرواح لايدانيه إيمان آخر. مازلنا نستورد أواني الطبخ من الصين. ولولا تيقني من حكمة مارتن لوثر لأهملتُ هذه المقولة. وبقليل من الفهلوة, أدركت بأني المخطئ لا هذه المقولة, فالرجل كان يتحدث عن مجتمعه الغربي, الذي له ظروف وأساليب تفكير تؤمن بالمادة والعمل ولاتنتظر المعجزات من السماء لتعيش برفاهية, وتختلف بالتأكيد عن مجتمعي ومحيطي الشرقي الذي يطيب له النظر للسماء وإنتظار الفرج. لذلك أنا المخطئ حين سحبتُ المقولة لواقع لاتلائمه.

لا اعرف لماذا هي المعرفة في أخر إهتمامات العربي, وأقصد غالبية الإنسان العربي, فبالتأكيد هناك مثقفون, ومثقفون جداً؛ قدمو رغم التهميش الذي يلازمهم والتجسير الذي يحيط بهم, الكثير من الفكر وإلإبداع وبمجهودات فردية بحتة. ولكن لنتساءل, لماذا هي المعرفة مهمة؟.
وهل هي كمالية؟.
وهل يمكن الإستغناء عنها؟.
إذا أهلمنا الأسئلة أعلاه, ولم نجب عنها, نكون قد فعلنا الجيد بالتأكيد, فلا يحب أحد العودة لأجواء الدراسة الروتينية. شخصياً, أحب قراءة الصحيفة على قراءة أي مادة إمتحانية, فكل شيء مفروض مزعج, الحافز فقط هو من يستطيع جذبنا لاداء عملٌ ما بكفاءة.
المعرفة ليست مُهمة, بل هي لازمة لحياة مستقرة ومتوازنة, لأنها البديل الوحيد لحكم الغرائز الطبيعية المّوَدعة في الإنسان والتي تقوده ودون حاجة لتفكير واعي منه, للإستمرار بالحياة. الإعتماد المطلق على الغريزة, لايخلق إنسان بل وحش غاب, ضاري وكاسر, وهذا ماكانت تعيشه الشعوب, قبل ظهور الحكومات كمؤسسات حاكمة ومختزلة لفعل الدولة, ومانعة لعبور السرطانات الفكرية الهدامة, عبر حدود الدول, والتي أنشأتها معاهدتي وستفاليا سنة (1648) للميلاد, التي أنهت حربي الثلاثون عام والثمانون عام في اوربا, حين لم تكن لنا هوية واضحة, ومجرد تابعين تُعساء .
أبداً لم ولن تكون المعرفة كمالية, بل هي ضرورية كالهواء والماء, فكيف سيبني ويعمل وينتج؛ إنسان جاهل, ضيق الأفق, تتملكه فكرة طائفية, او عنصرية ؟.
لن ياتي ذلك اليوم الذي تستغني فية البشرية عن المعرفة أو تتوقف عن البحث عنها, لان هذا معناه نهاية أكيدة للحياة, ولو كانت كذلك, لأنغمس الغرب بملذاته وأهمل المعرفة, كما يعتقد الكثير من المكبوتين, والذين لايرون في الغرب سوى مايعّشعش في رؤوسهم من جوع جنسي. لا ادري إن كانو يعلمون أن هناك بلداً عربياً وإسلامياً يحتل المرتبة الثامنة عالمياً, في تعاطي الدعارة, والدول الأخرى ليست بحال افضل.
نحتاج لقراءة علم النفس, لإعادة تقيم ذواتنا المنفوخة, وعلم الإجتماع لفهم أعمق لإنسانية علاقاتنا المهدورة, والأدب لتطوير المخيلة وإسترجاع المعاني المبتورة. نحتاج للعلم الذي لم يستوطن بلادنا بعد ولم يتضح للآن سر هذه القطيعة. للفيزياء والكيمياء والهندسة التي مازلت تدرس في مدارسنا وجامعاتنا شفهياً. للطب الذي بدأ يتراجع في مستشفياتنا لدرجة خطيرة. الدولة ممثلة بالحكومة هي عماد أي نهضة علمية أو فكرية, فهي اكبر راصد للحوافز ومتبني للإبداعات إذا كانت مهتمة بذلك.

الحكومة التي لا يكون تشجيع افراد المجتمع على الإبداع والإنتاج وطلب المعرفة من ضمن أولوياتها, فهذه ليست حكومة, بل مجموعة من دعاة التخلف سيحرقون البلاد سريعاً, في عصر تتقافز فيه المعرفة بخطوات مخيفة.