23 ديسمبر، 2024 2:26 م

تساؤلات حول مؤتمر إعادة الإعمار في الكويت

تساؤلات حول مؤتمر إعادة الإعمار في الكويت

بمشاركة 70 دولة وأكثر من 2000 شركة ، تستضيف الكويت أعمال مؤتمر المانحين لإعادة اعمار العراق الهادف لمساعدة البلد في إصلاح الإضرار التي لحقت بالمدن التي خاضت الحروب حيث قدم العراق تضحيات جسام لتحريره من الكيان الداعشي الإرهابي الذي كان يسعى لإنشاء دولة الخرافة ، فالهدف كان يركز على جعل ( الخلافة ) نقاط انطلاق لضرب الأهداف التي يتم اختيارها لنشر الرعب والدمار والإرهاب في العالم اجمع من خلال أعمال جبانة تستهدف المدنيين والممتلكات العامة والخاصة ، ويعتقد بعض السياسيين وبسطاء الناس بان المؤتمر سيعالج المشكلات التي يعاني منها البلد بعد أن خلفت الحرب أكثر من 5 ملايين نازح ، في حين يتساءل البعض عن أمور عديدة منها أسباب اختيار الشقيقة الكويت مكانا لانعقاد المؤتمر وعلاقة انعقاده بذكرى تحرير الكويت من الاحتلال العراقي التي تصادف هذه الأيام ، ومن الأسئلة الأخرى ما يتعلق بالأموال التي ستخصص فهل ستقدم كمبالغ نقدية أو بهيئة أعمال ، وسواء كانت نقدية أو تعاقدية فهل ستكون مجانية أم على شكل استثمارات أو قروض أو من باب التمتع ببعض الامتيازات في العراق ، وتأتي هذه التساؤلات والحالات الإعلامية التي ترافق المؤتمر في ظل عدم إعلان الاستراتيجية التي سوف تستخدم في الأعمار ، فهناك ثلاث استراتيجيات شائعة على الأقل بهذا الخصوص ، أولها اعمار المدمر موقعيا وثانيها الأعمار الكلي للمدن من خلال نقل الممتلكات والسكان بصورة مؤقتة إلى أماكن بديلة مؤقتا ثم العودة للمدن بعد الأعمار ، وثالثها إستراتيجية المدن البديلة والتي يتم من خلالها ترك المناطق المدمرة كليا أو جزئيا وبناء مدن جديدة ينتقل إليها السكان بعد ترك المدن المدمرة ، والإستراتيجية الثالثة هي المعول عليها عالميا وقد استخدمت فعلا في بعض الدول التي تعرضت للكوارث والأزمات لأنها الأفضل من حيث التصاميم والتكامل والتكاليف وعادة ما يتم الاحتفاظ برموز تاريخية أو وطنية في المدن الأصلية من باب التذكر والاعتزاز .
ومن الخطأ جدا اعتقاد البعض بان الدول المساهمة والتي تسمى مجازا بالدول المانحة ستأتي إلى الكويت بحقائبها ودولاراتها لتوزع المبالغ والهبات في المؤتمر ، فلكل دولة سياسة وطريقة عمل في تقديم الأموال والمساعدات وبعضها تنشا غرف للعمليات أو فرق العمل قبل فترات مناسبة لتقديم الخيارات لحكوماتها بهذا الخصوص ، ولهذا فإنها لا تعتمد بشكل رئيسي على ما يعلن من أرقام وإحصاءات بشان الخسائر لأنها تعتمد المعطيات في ارض الواقع لرسم سياساتها بهذا الخصوص فهي أموال يتم تخصيصها بتخويل من سلطاتها ويجب أن تقابلها انجازات ، ويعني ذلك من الناحية العملية إن ما يصرح به البعض بان كلفة الأعمار هي كذا مليار أو اقل أو أكثر هي مجرد تخمينات لم تستند إلى مسوحات كاملة أو من خلال إجراء استطلاعات جوية استخدمت بوضعها آخر التقنيات العالمية ، مما يعني إن الأرقام التي تعلن لا يعول عليها بشكل كبير حتى وان صدرت من وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ، فواقع الحال يؤشر عدم وجود تقديرات دقيقة تتعلق بالأرقام الفعلية لتكاليف الحرب ، فالجانب الأيمن من الموصل لا يزال يزكم الأنوف برائحة الموت وهناك من يقول إن أكثر من 2500 داعشي و300 من السكان لا تزال جثثهم تتفسخ تحت الأنقاض كما إن عدد ونوع وتقنية الاعتدة والأسلحة غير المنفجرة من مخلفات المعارك وعددها غير مقدر بشكل صحيح ، أما الأضرار والعوارض النفسية والعصبية والإصابات الجسدية فهي لا تزال محل خلاف فاغلب من عاشوا المعارك أو تضرروا منها يتوجب إخضاعهم للفحص والتقويم ثم تحديد العلاج ونوعية التأهيل الذي يحتاجونه لان بقائهم على حالهم يولد مضاعفات وتفاعلات ليس من السهل حصر تداعياتها أو توقعاتها الحالية والمستقبلية بشكل دقيق ، أما التضحيات في الصنوف المقاتلة من القوات المسلحة والأمن الداخلي والحشد الشعبي والمقاتلين من العشائر فهي الأخرى يجب أن لا تكون بمنأى عن الحلول فهناك حالات العجز والمراضة والعوق والايتمة والترمل وحالات أخرى ، واغلب معالجاتها خارج االامكانيات من حيث طاقات الاستيعاب والملائمة والنوع .
وإزاء هذه المواضيع وحالات أخرى يصعب الإسهاب في ذكرها يتوجب على الوفد العراقي الذي سيشارك في مؤتمر الكويت أن يرتب أوراقه لكي يطرح آرائه بخصوص ما يريد وليس الانصياع إلى ما تريده الدول والشركات ، ومن ابرز الأمور التي تحتاج إلى عرض تفصيلي ( إضافة لما ذكرناه أعلاه ) هو تحديد من سيقوم بالتنفيذ وما هي التكاليف ومعايير التسعير وجداول الأسبقيات فهي لا تعطي هبات وإنما لديها دراسات جدوى اقتصادية وسياسية ودولية ويجب فهمها من حيث تأثيرها على استقلال القرار العراقي حاضرا ومستقبلا ، مع مراعاة إن ما سيقدم ليس منة أو صدقة من احد لان الثمن مدفوع مقدما وهو درأ الخطر عن العالم بدماء العراقيين والتخريب الذي أصاب البلاد ، فداعش استهدف بريطانيا وفرنسا وبلجيكا واسبانيا وغيرها ، ولولا القضاء عليه والحد من فاعليته بشكل كبير لانتقل أسرع من الفيروس لجميع دول العالم ، فضلا عن إن اغلب من قتل العراقيين ودمر البلاد والعباد وكاد أن يحول العراق إلى نار ورماد وهم ليسوا مقاتلين محليين فحسب وإنما مقاتلين تسللوا للعراق من سوريا وتركيا وغيرها من البلدان وقد اعترفت العديد من الدول ( المانحة ) بان لديها مواطنين قتلوا في العراق أو إنهم لا يزالون محاصرين بجحور أو إنهم قيد الاعتقال ، والقصد من ذلك هو أن يكون المفاوض العراقي قويا وليس موافقا على أنصاف أو أرباع الحلول ، ويجب تحضير الأدلة لتقديمها عند الضرورة لإثبات ضعف إجراءات الدول في السيطرة على مجرميها بدليل تسللهم للعراق ، ونفترض رفض أية محاولة لمبادلة أو مقايضة الدواعش بأي مبالغ أو امتيازات يطرح بهذا الخصوص لأنهم من قتلة العراقيين ويجب أن يخضعوا إلى قوانيننا المطبقة ومنها مكافحة الإرهاب ، وهم ليسوا مجرمي حروب ويمكن المساومة بخصوصهم لان العمليات التي جرت في العراق هي إرهابية وليست أعمال حرب فداعش كيان إرهابي ولا يمكن أن يعامل هو وأعوانه وتابعيه والمتعاونين معه كدولة قط .
ولعل من المسائل الأخرى التي من المتوقع أن تثير جدلا مهما هي الجهة التي ستتولى إعادة الأعمار ، إذ تميل العديد من الآراء لإسناد ذلك إلى الدول المانحة وشركاتها وليس من خلال إيداع مبالغ لدى الجانب العراقي لغرض القيام بالتنفيذ المباشر أو اختيار شركات من قبلها هي باعتبارها صاحبة المصلحة بهذا الخصوص ، وحجة من يؤيد فكرة عدم إسناد الموضوع للعراق هو ارتفاع حالات الفساد بشكل لا يعطي الضمانة باستخدام الأموال بشكل كفوء واحتمال نحولها إلى بطون الفاسدين ، ويقوم هذا الافتراض على قاعدة إن الفساد ظاهرة محلية وليست دولية وهي قاعدة خاطئة حتما ، وفي الوقت الذي نعترف فيه بوجود حالات عديدة للفساد المحلي حسب تصريحات السيد رئيس مجلس الوزراء ولجان مجلس النواب وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ، فرغم ذلك فان الرأي الصحيح هو عدم السماح بإسناد تنفيذ الأعمار للدول المانحة وشركاتها لأسباب عديدة أبرزها ما يتعلق باحتساب التكاليف و إضافة تكاليف أخرى تصل إلى 30% كنفقات إدارية وساندة ، فحين عملت منظمات اللاجئين في العرق وصلت نفقاتها إلى ما يقرب تلك النسبة ، كما إن قيام شركات الدول المانحة بالتنفيذ سيعرض البلد إلى معوقات لا يمكن حسابها ومنها توفير الأمن والتعاقد مع شركات الحماية وإصدار عقود التامين على العاملين ، ناهيك على إن الانجاز ومدته سيكونان بمزاج وظروف الدول المانحة مما قد يعرض الموضوع للمماطلة والتسويف ونحن بأمس الحاجة إلى عامل الوقت لإحداث الاستقرار سيما وان البلد مقبل على مجلس نواب جديد وحكومات جديدة على المستويين الاتحادي والمحلي كما إن هناك حاجة ملحة لتعويض ما فات لعل القادم أفضل من ذي قبل ، وفي كل الأحوال فانه لابد من الاستعانة بإمكانيات الشركات المحلية وخبرات الدولية دون الاعتماد على مصدر واحد ، وإذا كان التخوف الحقيقي من الفساد فان من الممكن إنشاء صندوق يخضع لرعاية دولية بما يحقق الأهداف بسقف زمني محدود وبتوقيتات معلنة ومستوى جودة عالية وهو اقل ما يستحقه شعبنا المجاهد الشجاع .