(( أن ما يُطرح الآن على الساحة الدينية وفكرها من تفاسير لآيات القرآن الكريم وأحاديث مروية عن طريق السنة النبوية الشريفة وما تضمنته من مفاهيم دينية موروثة عن السلف الصالح وتطرح الآن بين أروقة المسلمين ومؤسساتهم الدينية من ثوابت فكرية التي لا يمكن المساس بها أو مناقشتها أو الجدال فيها بعد التطور الحاصل لفكر البشرية المعاصر والتغير في عقليته وحياته فأنه يجدد ثوب عقله وأفكاره كل مئة عام تقريبا فقد أستطاع الخوض في كثير من هذا الموروث الفكري الديني للأمة الإسلامية نتيجة توسع أفكاره لكنه واجه هذا التيار جدارا صلدا من المعارضة القوية قرابة أكثر من ألف عام مضت ووقف بالضد منه وبشراسة وجعل الخوض فيه والنقاش والتجديد الفكري من المحرمات أو المساس بالعقيدة الإسلامية المقدسة ومبادئها واتهامهم بالتكفير تارة أو تهمة الإلحاد بالله تعالى تارة أخرى ومن هذه الثوابت هي فكرة عذاب القبر وما يجري للميت من عذاب ومحاسبة أولية في حياة البرزخ قبل يوم الحساب على ضوء ما وجد في دفة الكتب المعتبرة للسنة النبوية الشريفة للعرب وغير العرب المسلمين بالاستناد إلى ما دون في عهد كتابة السيرة النبوية ورجالها في عصر التدوين ذات الطابع السياسي حيث لم نجده في آيات القرآن الكريم ولم يُذكر فيه أي آية تدل على عذاب القبر أو عملية حساب للإنسان بعد موته مباشرة وفي هذه المرحلة كون أن الآيات التي ذُكرت في القرآن هي مرحلة انتقالية سريعة جدا كلمح البصر من حياة الأرض إلى الحياة الأزلية يسبقها يوم واحد فقط تجتمع فيه الخلائق للحساب على صعيد واحد تسمى الساهرة ويسمى هذا اليوم يوم الدين أو يوم الحساب أو يوم القيامة تُحاسب فيه الأمم على الأعمال الصالحة والطالحة وتُحدد فيها المصائر تُطرح فيها الصحف المرقومة الموثقة والمرقمة المستنسخة بيد ملائكة كرام بررة في صحف مطهرة في يوم الوجوه مسفرة ضاحكة مستبشرة أو مصفرة قترة عليها غبرة فأن الاستحضار لهذا اليوم والحدث الكوني العظيم تسبقه آيات ودلائل مرعبة تذهل فيها الخلائق وتُصعق من هول الصدمة وتراهم سكارى وفاقدي الوعي والشعور كما وصفها القرآن الكريم ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) سورة الحج الآية 2فلو كان للإنسان صحوة وعذاب قبل يوم القيامة لعرف ولو بقليل من هذه الأهوال والمنظر وأستعد له نفسيا وبدنيا . وأما القول أن ملكين عن اليمين والشمال ( منكرا ونكيرا ) يسألان الميت عن أعماله ويعذبانه بأبشع وأقسى العذاب تقابلها آيات بينات في القرآن الكريم حيث أن الملكين يرافقانه منذ الولادة وحتى الممات فقط كما ورد في سورة ق الآية 17 ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) الآية 21من نفس السورة تؤكد أن ليس هناك أي أفاقة مرحلية ولو لفترة وجيزة قبل يوم القيامة حيث قالت الآية ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) سورة ق الآية 20 كما أن الأحداث المتتالية السريعة الحدوث قبل يوم البعث هي واحدة لم يسبقها حدث يُذكر في كتاب الله حيث أن الأحداث المتسارعة كأنها لحظة واحدة كما ذُكر في سورة النازعات منها ( فإنما هي زجرة واحدة ) الآية 13و( يوم ترجف الراجفة ) ( تتبعها الرادفة ) الآيات 6-7 وخصوصا ما ورد على لسان الميت يوم البعث والنشور عند الخروج من الأجداث يقول الإنسان متفاجئا بالأمر ( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) سورة يس الآية 52 وأما ما ورد في سورة الحاقة المباركة تستعرض الإنسان وهو يُحاسب من الله تعالى الواحد الحق على أعماله أما يؤتى كتابه بيمينه أو شماله فيقول ( ولم أدر ما حسابية ) سورة الحاقة الآية 26 فلو كان الإنسان على علم بأعماله في حياة البرزخ والقبر من خلال مسائلة ومحاكمة على أفعاله من الملائكة ( منكرا ونكيرا ) فسوف يكون له معرفة مسبقة لنهايته واستعداده لمصيره يوم القيامة بل نرى على العكس من ذلك وجود عنصر المفاجئة والترقب والخوف من المصير والعقاب والمآل . وأخيرا نخلص بالقول أن هناك خياران أمامنا كمسلمين في القرن الحادي والعشرين إما أن نقبل بما جاءنا عن السلف الصالح من أحاديث وأفكارا وتفاسير واردة عن عذاب القبر على سبيل المثال والتصديق بالأقوال المروية عنهم في محاسبة العبد وعذابه في قبره وإعطائه صحيفته في عنقه إلى يوم البعث والقيامة كما ورد في السنة النبوية الشريفة وإما نأخذ بعنق كتاب الله القرآن الكريم المنزل إلينا عن طريق الوحي إلى الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه من آيات لم يُذكر فيها شيئا عن هذه المرحلة ( عذاب القبر ) غير علامات قيام الساعة وحياة البرزخ للأرواح فقط من غير الأبدان إلى ما شاء الله تعالى وبما أننا مسلمين أصحاب عقول وإيمان مطلق بالكتاب المقدس ( القرآن ) وبما موجود بين دفتيه فعلينا تصديقه والعمل به )