” الإنسان لم يُعطَ لنفسه بل هو مُساءل وبالتالي فهو منفتح من خلال تحدي الاستجابة”[1]1
تعيش الشبيبة في المناطق التي تعرف انتقالا سياسيا ومخاضا اجتماعيا العديد من الأوضاع الصعبة بسبب فشل الخيارات التنموية وانعدام الحلول التشغيلية وعجز المنظومة التربوية والصحية على توفير الرعاية والتأطير اللازمين وفشل البرامج السياسية في التعبئة الوجودية وتقديم البرامج المستقبلية وحبك الحكايات المطمئنة التي تعزز ثقة المواطنين في الأنظمة الحاكمة وتقوية التلاحم الشعبي وتوسع ملكة الحلم والأمل.
لقد تزايدت بشكل مهول في الأزمنة الأخيرة نسب الهجرة العلنية بصورة رسمية إلى العالم الحر وبشكل سري إلى أوروبا وفي البداية اقتصرت على طالبي اللجوء السياسي من المعارضين والباحثين عن لقمة العيش من العاطلين ولكنها شملت فئات واسعة وعائلات برمتها على غرار الموظفين والنساء والكفاءات.
بعض الدول الجنوبية النامية من جهة تجد في ذلك متنفسا مريحا لأزمتها الاجتماعية وتقوم بمختلف أدوار الحراسة الأمنية لشواطئها وحدودها وترى في تزايد أعداد جاليتها في البلدان الغربية موردا إضافيا قد يدر عليها في المستقبل بالعملة الصعبة والفوائد الحضارية وبعض الدول المتقدمة من جهة أخرى تجد في توافد أعداد كبيرة من اليد العاملة المتدربة إليها تعزيزا هما لسوق الشغل وحلا للتهرم السكاني الذي تعاني منه وتعامل الوافدين بترحيب رسمي وتهيئ لهم ظروف الاندماج وتدمجهم في الدورة الاقتصادية.
غير أن المسألة عميقة وتثير العديد من المشاكل الإنسانية التي تدعو العقل إلى التساؤل وتحير الضمير وخاصة في ظل تحول الهجرة إلى جحيم وكارثة بسبب سقوط الكثير من الضحايا الأبرياء الذين تحملهم القوارب إلى العالم الأخر وتخلف لدى عائلاتهم اللوعة والحزن وتحميلهم السلطات في بلدانهم المسؤولية.
في المقابل ازدادت النزعات العنصرية التي يقودها اليمين المتطرف في الغرب عامة وفي أوروبا بشكل خاص والتي تنادي بالتوقف عن استقبال اللاجئين بالطرق غير الشرعية بل وتنادي بطرد الأجانب من بلدانهم ويتعللون بتردي الأوضاع الاقتصادية وتكاثر المشاكل الاجتماعية التي يخلفونها في دول الإيواء وخاصة تورطهم في الإرهاب المعولم والجريمة المنظمة وصعوبة اندماجهم وفرضهم لثقافتهم بالعنف.
والحق أن جموع المهاجرين إلى الدول الغربية والى مناطق الشمال سواء من البلدان الشرقية أو من مناطق الجنوب هم ضحايا السياسات الامبريالية الخاطئة وافراز طبيعي للحروب المتفجرة في العالم وغياب الاستقرار والأمن في بلدانهم الأصلية وفشل المنوال التنموي وتعثر الخيارات الاقتصادية فيها.
من هذا المنطلق يفترض أن تراجع الدول المتقدمة استراتيجياته السياسية التي بنتها على القيم الرأسمالية والانفتاح وديانة السوق وحرية الاستثمار والملكية الخاصة وأدت إلى تنامي الجشع والاحتكار والاستغلال والانتقال إلى مشاريع استشرافية تراعي الجوانب الإنسانية وتحترم القيم التقدمية وتدافع على مبادئ العدل والمساواة بين الشعوب وتعمل على معالجة المشاكل من جذورها ومقاومة الآفات قبل وقوعها والتصدي للحروب والانقسامات في مهدها وتحرص على حماية البيئة والمحيط من الكوارث وإنقاذ الحياة من النفاذ.
في الواقع” إن الإقصاء الجماعي لمواطنين بلا مأوى من كل مشاركة في الحياة الديمقراطية للدول، وإن الطرد والاعتقال خارج الوطن لكثير من المنفيين والمميزين عنصريا، والمهاجرين خارج الأرض المسماة أرض الوطن ليعلن بشكل مسبق عن تجربة جديدة للحدود وللهوية – قوميا أو مدنيا”[2]2. فمتى يستفيق الضمير البشري من غيبوبته وتصحو الأنظمة الحاكمة من غفلتها وتضع حدا لداء الهجرة؟ وكيف يتوقف النزيف وتنتهي مهزلة الرمي الى العدم ويتم الابتعاد عن ثقافة اليأس والقذف إلى المجهول؟
الإحالات والمراجع:
[1] ريكور بول ، الحب والعدالة، ترجمة حسن الطالب، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2013، ص113.
[2] دريدا جاك، أطياف ماركس، ترجمة منذر عياشي ، دار نينوى، دمشق، سورية، طبعة 2014، ص133
المراجع والمصادر:
ريكور بول ، الحب والعدالة، ترجمة حسن الطالب، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2013،
دريدا جاك، أطياف ماركس، ترجمة منذر عياشي ، دار نينوى، دمشق، سورية، طبعة 2014.
كاتب فلسفي
[1] ريكور بول ، الحب والعدالة، ترجمة حسن الطالب، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2013، ص113.
[2] دريدا جاك، أطياف ماركس، ترجمة منذر عياشي ، دار نينوى، دمشق، سورية، طبعة 2014، ص133