23 ديسمبر، 2024 1:47 ص

تزاوجات لن تلد غير البوم

تزاوجات لن تلد غير البوم

من المتعارف عليه ولا يختلف عليه اثنان، أن كلمة التعاون والتآزر والتحالف هي العليا، ولها اليد الطولى في نجاح أي مشروع على المستويات كافة، إذ لا ينكر ما للتحالف والتكاتف من غلبة وقوة يتحققان لدى المتمسكين بهما، عكس الفرقة والشتات وما يخلفانه من ضعف لدى أية مجموعة. ومن البديهي أن مجتمعنا العراقي اليوم بأمس الحاجة الى هذه المقومات، وعلى وجه الخصوص بين رؤوس الحكم ومسؤوليه الذين يتبوأون المراكز العليا في البلد، وكذلك الكتل والقوائم التي من المفترض ان تكون الصوت الواحد واليد الواحدة، متجاوزة الخلافات التي بينها، بغية الوصول الى استقرار سياسي، لتحقيق الغاية المنشودة وهي استقرار البلاد برمتها، أمنيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، ليتسنى الالتفات الى البناء والإعمار، بعد عقود التخلف عن ركب الأمم، لاسيما وأن ذريعة التأخير فيهما خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، كانت احتلال تنظيم إرهابي أراضيَ عراقية.
اليوم أوشك العراق أن يخلو من هذ التنظيم، وحري بالذين اتخذوا الأخير مسوغا للتقاعس في البناء، أن يعيدوا النظر في خططهم ويستعجلوا خطواتهم، وينتهجوا تحالفات تفضي الى خدمة العملية السياسية، قبل أن يداهمهم تنظيم ثانٍ وثالث وعاشر، إذ تعد السياسات المتبعة في إدارة البلاد خلال العقد ونصف العقد الماضية، أعظم فاتح لشهية الطامع في ثرواتها، فالثغرات التي تفتحها خلافات الساسة، تسهل كسر الطوق الأمني مهما بلغت قوته، والشاهد على هذا لا يحصيه عد، ولا يحصر عدده قوسان.
ان التعديل الذي جرى على قانون الانتخابات قبيل العرس الانتخابي الثالث، فتح أفقا جديدا ومجالا رحبا لمن يريد التآلف والتكاتف من الكتل الصغيرة والقوائم، إذ منح الكتل الصغيرة مساحة أوسع للحصول على الأصوات التي تمكنها من دخول العملية الانتخابية، من التي لم تحظ بـ 100 ألف صوت، فكان هذا داعما لروح التكاتف والتآرز بين القوى الصغيرة، لتكوين قوة كبيرة بإمكانها تحقيق الأهداف المشتركة والإيديولوجية المرسومة في برامجها كما ينبغي. إلا أن الذي حصل مؤخرا في العراق الديمقراطي الجديد، هو ائتلافات وتآزرات وتكاتفات تتباين بين الظاهر والباطن، فأما الظاهر فهو خدمة العملية السياسية، وتعديل الانحرافات فيها والتلكؤات التي رافقتها، وكذلك تقديم أكثر مايمكن تقديمه لإسعاد المواطن من خلال مسميات كثيرة وعديدة. أما الباطن فهو في الواقع لم يعد مبطنا كما يخاله البعض وماعاد معناه (في قلب الشاعر) كما كان، فقصائد جميع الكتل والأحزاب باتت مقروءة ومسموعة كاسطوانة مشروخة، لدى أبسط مواطن عراقي، إذ ولّدت لديه التجارب السابقة قوة حدس وسرعة بديهة، تمكنانه من الحكم على مجريات الأحداث بشكل صائب وسليم.
الساحة العراقية اليوم تشهد تحضيرات واستعدادات على قدم وساق، من خلال انشقاقات وائتلافات هي في حقيقة الأمر التفافات تنفذ برنامجا مدروسا مسبقا، يهدف الى توزيع المغانم على بيادق رقعة الشطرنج ذاتها، فلا ضير إن سبق سعد عمروا، ولا بأس إن تخلف زيد عن عمرو، فالثلاثة متفقون على الحصص، ولم لا؟ والمحاصصة هي الدستور الثابت والدائم الذي يشتغل عليه المشتغلون، ويتكئ عليه المتكئون، ويتوكل عليه المتوكلون.
ولما معروف عن العراقي طيبة قلبه وحسن نياته، فقد ظن المسكين ان هذه التحضيرات والاستعدادات بين الكتل والشخوص تصب في صالحه، ولم يدرِ ان المبطن من عملية التآلف لا يبشر بخير له، فـ (طبخة) الانتخابات المقبلة بحسابات الآتي من المرشحين، موضوعة على نار هادئة، لتحقيق غايات أحزاب وجهات ينضوون تحت جلبابها، وهي في حقيقة الأمر صفيح ساخن يعدونه لهذا العراقي طيب القلب، فكأني بلسان حاله يقول:
وأخوان حسبتهم دروعا فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات فكانوها ولكن في فؤادي
اليوم، بعد أن تخطينا من التجارب العجاف ثلاثا، في انتخاب ممثلينا بثلاثة أعراس خلفت مآتم كثيرة، وبعد أن بتنا قاب نارين أو أدنى من التجربة الانتخابية الرابعة، هل هناك “ضميمة” يخفيها لنا المتحزبون سيتحفوننا بها بتحالفات وتزاوجات يوهموننا ببهرجها الفتان؟ وهل بإمكاننا الجزم أن الأهداف المرسومة من تلك التحالفات تتأبط شرا للعراقيين، بعد أن فقدت الغاية المتوخاة من اللجوء اليها، وتلبست وجها عبوسا قمطريرا، لاينذر إلا بالشؤم، وبالتالي لن تلد بعد مخاضها العسير غير البوم؟