18 ديسمبر، 2024 6:57 م

ترويع القضاة واخضاعهم

ترويع القضاة واخضاعهم

لم يمر القضاء العراقي بفترة عصيبة ومذلة وظالمة للقضاة مثلما يعانيه اليوم ، على يد ادارة مستبدة ظالمة فقدت ضميرها واستقلالها وباعت كل شئ لاجل الاحتفاظ بكرسي مغتصب خلافا للقانون والدستور ،
ولعل اشرس السيوف التي سلطت على رقاب القضاة منذ سنوات مضت هو ( النقل ) كعقوبة مبطنة ، بحجة ( مقتضيات المصلحة العامة ) ، تلك الاداة الشرسة – في ظل وضع امني وطائفي مقيت – كانت اداة ترويع القضاة واخضاعهم وسلب ارادتهم ، فعندما يرفض القاضي تنفيذ الاوامر الصادرة اليه او يصدر قراراته خلافا للرغبات المعلنة لرئيس مجلس القضاء او رئيس الاستئناف ، فاذا كان شيعيا فينقل الى منطقة سنية ساخنة ، اما اذا كان سني فينقل الى منطقة شيعية تقوى فيها المشليات المسلحة ، فتتعرض حياته وحياة اولاده وعائلته لاخطار القتل الطائفي والاختطاف . والمحظوظ جدا يتم نزع منصبه او يعوم عن العمل نهائيا بانتدابه الى الادعاء العام دون نقله الى مكان يهدد حياته .
فحينما امتنع رئيس محكمة جنايات الكرادة (الشيعي الاصل ) عن تنفيذ الاوامر الصادرة اليه – من قضاة فاسدون يسيطرون على الشأن القضائي – بادانة شخص كانت تستهدفه فئة سياسية متسلطة ، نقل حالا الى الاعظمية ، في وقت كان العنف الطائفي على اشده هناك .
وحينما رفض رئيس محكمة جنايات الرصافة تنفيذ الاوامر الصادرة اليهم لادانة المفتش العام في وزارة الاتصالات ، تم حل هيئة المحكمة ونقل رئيسها – عقوبة على عدم اطاعته الاوامر – الى قاضي محكمة الاحوال الشخصية في بغداد الجديدة .
وحينما رفض رئيس محكمة الجنايات المركزية الاسراع في اصدار الحكم في قضية نائب رئيس الجمهورية  ، ورفض الضغوط التي كانت تمارس ضده لاصدار حكم مستعجل ، نقل الى قاضي محكمة الاحوال في بغداد الجديدة واخذت منه سيارته المصفحة .
اما القاضي الذي اصدر قرارا شجاعا باغلاق القضية المفبركة ضد الشيخ صباح الساعدي – خلافا لرغبات المسيطرين على مجلس القضاء الاعلى لوجود عداء شخصية لهم معه بعد موقفه الشجاع من فضح ما يجري في القضاء – فقد نقل من محكمة تحقيق الرصافة الى اطراف بغداد ( الحسينية ) وعوقب بتحويله من قاض الى نائب مدع عام لتعويمه ومنعه من العمل القضائي خلافا للقانون .
وفي الاسبوع الماضي يصدر رئيس محكمة الاستئناف امرا بنقل قاض تحقيق سني من محكمة تحقيق الاعظمية الى محكمة الاحوال الشخصية في مدينة الصدر لانه لم ينفذ ما تطلبه سيدة لها ( صلة طيبة ) بالسيد رئيس الاستئناف .
اما الناطق الرسمي باسم رئيس مجلس القضاء الاعلى ( حسن الحميري ) فقد نقل – حالا بعد الانقلاب الذي وقع في مجلس القضاء واعادة تنصيب مدحت المحمود سلطانا عليه بطريقة مخالفة للقانون والدستور – الى بابل ، واحيل للتحقيق ، وعوقب بعقوبة الانذار مرتين اخرها الاسبوع الماضي ، وحول قبل اقل من عشرة ايام الى نائب مدع عام بلا ذنب ولا جريرة ليس لشئ الا لانه ساند ادارة مجلس الاعلى برئاسة ( حسن الحميري ) ودافع عن وجوب عدم تدخل وزارة المالية في موازنة مجلس القضاء خلافا لما يفعله المحمود من اخضاع موازنة القضاء لسلطة وارادة وزارة المالية خلافا للدستور .
والقصد من نقل القضاة – ظلما – هو تروعيهم واذلالهم وبعث رسالة تهديد ووعيد قوية لاي قاض لا ينفذ الاوامر الصادرة اليه ، او يصدر قراراته خلافا للتوجهات المعلنة للادارة القضائية التي باعت القضاء بثمن بخس لمصلحة الدكتاتور الجديد وتبرعت له بتقديم خدمات جليلة على حساب العدالة عن طريق ارغام القضاة على اتخاذ قرارات لا تمت للقانون ولا العدالة بصلة اما لاستهداف خصوم السلطة وترتيب الملفات والتهم لهم ظلما وبهتانا او بمنح صكوك البراءة لمن يريد الدكتاتور منحه ذلك .
ولعل اغرب ما يذكر في هذا الموضوع بان الموظفين العاديين لهم حق الطعن في اوامر نقلهم امام المحاكم التابعة لوزارة العدل ، اما القضاة فلا حق لهم في الطعن باوامر نقلهم الجائرة ، ولا حق لهم في عرض مظالمهم على الرأي العام لان السيد مدحت المحمود يكمم افواه القضاة ويمنعهم من الظهور الاعلامي والا كانت محكمة النشر والاعلام بالمرصاد لهم ، وهذا ما حصل لرئيس محكمة جنايات السماوة الاسبوع الماضي حينما نقل الى محافظة اخرى – ظلما – بناء على رسالة هاتف مجهول وردت لهاتف رئيس مجلس القضاء تدعي بانه ينتقد اداء المحمود ، فحينما عرض مظلمته لى الرأي العام امر المحمود بفتح قضايا ضده وصدر بحقه امري قبض …
وبودي ان اسأل هنا :- هل يعقل ان يصدر امر بالقبض على رئيس محكمة جنايات يحكم بالاعدام ؟ وهل يصح اصدار امر بالقبض على قاض لمجرد انه عقد مؤتمر صحفي لعرض مظلمته على الرأي العام ؟ وهل يصح مصادرة حرية التعبير للقضاة – المضمونة بالدستور – من محكمة انما شكلت لحماية الحق في حرية التعبير .؟ وهل سبق لقضاة عراقيين ان تورطوا في التنكيل بزميل مظلوم لهم مثلما يفعل الان ؟
لم يسبق ان فتحت ملفات ضد قضاة عراقيين مثلما حصل في ظل الادارة الحالية منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الان ، فلم ينجو من فتح دعاوى ضده لا نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية ولا قاض بداءة ولا قاض تحقيق ولا رئيس جنايات عن تهم مضحكة مثل فتح دعوى ضد نائب رئيس محكمة التمييز بحجة تأخير حسم الدعاوى ، وفتح دعاوى ضد رئيس جنايات عن تصريح صحفي لم يعتد على احد فيه .
ان القضاة العراقيين – الان – في محنة كبيرة ، يعانون من ظلم وتجبر وانحراف الادارة الحالية التي تسلطت على مجلس القضاء الاعلى – بلا وجه حق – وباعت العدالة كلها لقاء فتات المنافع والامتيازات ، بل باعت العراق كله لدكتاتور صغير ، وسخرت سلطة القضاء والقانون لتحقيق غايات سياسية منحرفة بالاستيلاء على الدولة كلها واخضاع مؤسساتها واقصاء كل صوت معارض  ، ولن تقوم للعراق قائمة ، ولا تبنى فيه دولة القانون والمؤسسات الا بانتزاع القضاء من تلك الفئة الضالة ومنح القضاة كامل استقلالهم ومنع رؤسائهم من التدخل في اعمالهم .