التشكيل السني الجديد بات في مهب الريح، بعد أن خطفه الجبوري و’إخوانه’ وتصدروا واجهته، وبالتأكيد فإن الجمهور السني في العراق، القومي في أغلبيته، لن يقبل بالتعاون معه، وهو الذي عانى الكثير من سياسات الحزب الإسلامي ومواقفه الانتهازية.
كان خطأ سياسيا قاتلا، عندما وافق المجتمعون في لقاء أنقرة التشاوري السني في الثامن من الشهر الماضي، على مشاركة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، في جلسة أعمالهم الأخيرة، وزادوا عليه خطأ أكبر، لما اختاروه لعضوية اللجنة الإدارية الفرعية، التي تقرر أن يكون مقرها في بغداد، وتتولى تمثيل التشكيل في داخل العراق، والتنسيق مع الحكومة والأطراف والكتل السياسية الأخرى، لأن وجود مثل هذا الإخواني المتقلب في أدائه السياسي والمتحالف سرا مع بائع الموصل، نوري المالكي، ضمن تحالف مرسوم له أن يخدم السنة العرب ويعمل على إعمار مناطقهم المخربة ومحافظاتهم المنكوبة ويؤمن عودة نازحيهم بملايينهم الأربعة إلى ديارهم، سيفرغه من هويته العربية ويفقده أهميته السياسية كخطوة على طريق طويلة، كما قلنا في مقال سابق، لبناء جبهة عريضة كنا نسعى إلى أن تضم اتجاهات وطنية وقومية وديمقراطية، ودينية معتدلة غير حزبية.
كما أن وجود سليم الجبوري في موقع قيادي بالتشكيل الجديد، وهو الأمين العام المساعد للحزب الإسلامي لسنوات عدة، قبل أن يغادره صوريا ويشكل تنظيما هلاميا حمل اسم “التجمع المدني للإصلاح” قبل شهرين، كواجهة سياسية إخوانية غير معلنة على طريقة “التقية” العقيدة الشيعية المعروفة، سيخلق حساسيات لدى دول عربية لها مواقف معلنة بالضد من جماعة الإخوان المسلمين وفروعها، وهو ما سيمنعها من تنفيذ تعهداتها في تقديم العون إلى المحافظات السنية المدمرة، والمساهمة في إعادة تعميرها وتنميتها وإنعاشها اقتصاديا.
والصفة الأخرى المنفرة في شخصية الجبوري، أنه نموذج سياسي ليس من السهل ضبطه وفق شروط ومواصفات تقوم على توحيد القوى السنية العربية في ائتلاف واسع أو كتلة كبيرة، إلا إذا كان هو شخصيا على رأسهما، ونظريته في العمل السياسي مستمدة من مفاهيم جماعة الإخوان المسلمين، وأدبيات الحزب الإسلامي، التي تتمسك بشعار “وحدنا نلعب.. في الملعب” وهو شعار طارد وعدواني، لا يقبل بلاعبين شركاء آخرين ولا يوافق على وجود حكم في الساحة ولا مراقبي خطوط يرصدون الأخطاء والهفوات.
وإذا صحت المعلومات التي تناقلتها الأوساط النيابية، بأن الجبوري استأذن اثنين من كبار المسؤولين الشيعة قبل توجهه إلى العاصمة التركية للمشاركة في اللقاء المذكور، أولهما زعيم حزب الدعوة ونائب رئيس الجمهورية نوري المالكي الذي حثه على الإسراع بالسفر إلى أنقرة قبل أن تختتم الجلسات أعمالها ويُحرم من عضوية لجانها، وثانيهما رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي طلب منه التريث وانتظار ما تسفر عنها تلك الاجتماعات، فإن ذلك يؤشر إلى خلل في التشكيل السني الجديد وهو في بداياته.
يضاف إلى ذلك كله، أن الجبوري حريص على البقاء في منصبه الحالي مهما تلقى من انتقادات أو حتى إهانات، وقد وصل الأمر به إلى استرضاء، أحد أشد النواب الذين طالبوا بإقالته وشتموه علنا، واسمه أحمد الجبوري من القيارة، واصطحبه معه في جولة ترفيهية إلى الخارج لـ“تغيير الجو وشم الهوا”، ثم إن أجندته وعلاقاته ستتصادم حتما، مع زملائه الآخرين من قادة التشكيل، أمثال خميس الخنجر وأسامة النجيفي وشقيقه أثيل، وعبدالله الياور ورافع العيساوي وسعد البزاز، وربما صالح المطلك ولقاء وردي، وهو ما حصل بالفعل في أول مناسبة جرت قبل أيام، عندما استقبل الجبوري رسميا، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عند زيارته الأخيرة لبغداد، وسلمه ورقة أسماها زورا بـ“الورقة السنية” دون علم اغلب أعضاء اللجنة التنفيذية للتشكيل، وعدد منهم أصدر بيانات، نفوا فيها أن تكون الورقة تمثلهم، أو أنهم شاركوا في صياغتها.
هذه واحدة، أما الأخرى فإن مسودة النظام الداخلي للتشكيل السني الجديد، صيغت على مقاس سليم الجبوري ليكون رئيسا له يساعده نائبان، هما أحمد المساري ووضاح الصديد، والثلاثة ليسوا أعضاء في اللجنة التنفيذية الذين تم انتخابهم في ختام اجتماعات أنقرة، بل إن مسودة النظام وضعت هذه اللجنة التي وصفت بالعليا تارة، والقيادية تارة أخرى، تحت إمرة اللجنة الإدارية الفرعية، بحيث تكون الأخيرة أعلى هيئة في التشكيل، وهذه مفارقة تدلل على خلل تنظيمي يضمن للجبوري زعامة التشكيل والهيمنة عليه، وإذا علمنا بأن نائبه الثاني الصديد يقيم خارج العراق، فإن نائبه الأول أحمد المساري القريب من الإخوان سيكون خير مساعد له في تنفيذ رؤيته الإخوانية ومشاريعه السياسية، اللتين تتعارضان مع توجهات أغلب أعضاء اللجنة التنفيذية.
إن أي قراءة موضوعية لورقة التسوية (الجبورية) المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تبين أنها مجرد تمنيات، ولا إلزام فيها للطرف الشيعي المقابل، المستحوذ على كل شيء، وقد حرص كتابها الثلاثة، النائب الحالي محمود المشهداني والنائبان السابقان محمد سلمان الطائي وحسين الفلوجي، على أن تكون دبلوماسية لا تلامس بعمق حقوق السنة العرب واستحقاقاتهم السياسية، كمكون شعبي أساسي، ضمن لغة المكونات السائدة، رغم أنها تتفوق في بعض بنودها، على ورقة التحالف الشيعي، التي كانت أقرب إلى الإنشائية في عباراتها، والتسلطية في لهجتها.
وما فاقم من مخاوف الكثيرين، أن المشهداني أبرز وجوه المجموعة الثلاثية التي صاغت (تسوية) الجبوري، ينتمي معروف بسلفيته، التي سرح بسببها من الجيش في العهد السابق كطبيب عسكري واعتقل وسجن، ولكنه قرر أن “يهذب” تلك السلفية ويطرح نفسه إسلاميا مستقلا عند انتخابه رئيسا لمجلس النواب في عام 2006، لاعتبارات “لزوم الشغل”.
التشكيل السني الجديد بات في مهب الريح، بعد أن خطفه الجبوري و”إخوانه” وتصدروا واجهته الأمامية. والأكيد إن الجمهور السني في العراق، القومي في أغلبيته الساحقة، لن يقبل بالتعاون معه، وهو الذي عانى الكثير من سياسات الحزب الإسلامي، ومواقفه الانتهازية والانتفاعية في السنوات السابقة.
نقلا عن العرب