توطئة : .. ثمة فرق بين الدين و المنتج الديني , فالدين هو السنة التي خطها الله للبشرية وطلب منهم اقتفاء اثرها لكي يصلوا الى ما وعدهم به من خيرات و سلام , أما المنتج الديني فهو القراءة البشرية لأشخاص حاولوا ان يستخلصوا من الدين مفهوماً خاصاً للحياة او ان يأخذوا الدين الى حيث لا يرغب الدين نفسه , فالقتل و التفجيرات المتتابعة , و التكريه بين البشر كلها أتت بمضخات دينية وليست دين , فنحن عندما نكتب عن الدين لا نكتب عن دين الله بل عن التحريف الذي لحق بدينه , ونركز على المنتوج البشري في الدين . اذن الدين مقدس لكن القراءة البشرية في الدين غير مقدسة . إننا عندما نخوض في مثل هكذا مواضيع نخوض فيها من خلال عقيدتنا , عقيدتنا التي تبحث عن شك لكي تعانق اليقين , وليس اليقين الذي لا يقبل الشك .
تعود الخطاب الديني ان يسحب الناس من المعقول و المحسوس الى اللامعقول و اللامحسوس و غير المرئي , لكي يجعلهم يعيشوا الوهم الحقيقي و يبعدهم عن العقل و التفكير , فالخطاب الواقعي هو الذي يتعامل مع العقل البشري وفق سياقات الطبيعة من الممكنات المادية , فالعالم الذي صدق بوجود الله الغيبي تعرف عليه من خلال اثره الواقعي الذي يتلائم مع الشعور الانساني و يحتاج له الفرد بشكل عام . تمدد هذا الايمان و تحول الى قصص و خرافات و طاقات غير معقولة .وتمدد ليسحق الإيمان الحقيقي عند معظم الناس , فتحويل قدرة الله الى البشر و إضفاء طاقة إلهية متحركة و متحولة و قادرة على صنع المستحيل و غير المعقول هو انتقاص من قدرة الله . فالخطاب الديني الذي ركز تركيزاً مفرطاً على الغيبيات او غير المعقولات لم يلتفت الى نقطتين هامتين :
1- ان كثرة الخوض في غير المعقول و تعدد قدرات بعض الاشخاص في ممارسة نفس سلطة الله على الارض قد يحول من بعض الناس متعددي الايمان , فبينما يطلب اصحاب المنهج الديني من الناس ان يؤمنوا بالله الواحد الاحد يومئوا لهم او يتحدثوا معهم بصراحة من ان هناك قدرات بشرية قادرة ان تفوق حتى قدرات الله . ( استغفر الله ) وهذا المنهج المغاير قد فرط بالكثير من الناس الذين يريدون منهج الله و ليس المنهج البشري .
2- تتفق جميع الاديان تقريباً على ان العقل هو المائز الحقيقي بين معرفة الله من عدمه , لكن هذه الاديان او الايدلوجيات الدينية غيبت العقل تماماً , غيبته وفق خطاب غيبي بحت ميتافيزيقي بامتياز لاشعوري لا حسي لا منطقي , فتيبست شرايين العقل وهجعت على حساب انماء شرايين مفتعلة و مغشوشة لكي ترتفع لغة التجهيل و التسطيح .
دعيت قبل فترة الى احتفال ديني ( مسيحي ) في أحدى الكنائس , فذهبت الى هناك حيث أرقب الجديد فيما يطرحه رجال الدين المسيحيين , وأنا أبحث عن المختلف بين الاديان لكي أرى مقدار الله في نفوس عباده بين شعاراتهم و تطبيقهم , فوجدت اختلافاً كبيراً في طريقة الحركات العبادية .
لكن الذي أثارني هو الخطاب الديني الغيبي في تلك الكنيسة فكتبت في حينها :
بدأ الحفل
مشى بخطوات ثابتة و تكلم بلهجة مصرية ليس فيها تكلف أبداً كان يخطب بمجموعة كبيرة من الناس لكنه لم يكن يسحر ببيانه و لا بلغته و لا فكره ، بدأ حيث الوعظ الثابت في منهج الأديان فقال انا اول ما دخلت الى الكنيسة شعرت شيئاً خفيا في نفسي والله في شي دخل قلبي و نور طريقي ، أراد ان يعطي هالة و قدسية لهذا التجمع . بعدها رأيت شيئاً لم اعهده في طقوسنا الاسلامية وإذا بشاب يرتقي المنصة بعوده هذا العود الذي ألفناه عند المطربين و الفنانين و الملحنين ، امعنت النظر لكي اتفحص الامر فإذا هو كما رأيت لا كما شط بي الخيال .
المهم ان الرجل اسمعنا اجمل الألحان و غنى اروع القصائد و بعذوبة الصوت اللبناني تحول التجمع الى تصفيق مصحوب بدعاء و ترديد .
الحالة الاسلامية مستغرقة استغراقاً في الخطاب الديني الغيبي فالمهم في الخطيب ان يستدر عطفهم ويسلب عقولهم و يحول ما في جيوبهم الى جيبه !! .
تحدث احد خطباء المنابر : ان للامام زين العابدين طفلاً كان يلعب , فسقط الطفل بالبئر فجاءت زوجته تقول له ولدك سقط بالبئر فلم يجبها ثم قالت ما اقسى قلوبكم يا أهل البيت !! ثم جاء الامام بعد فترة وقام يتمتم بكلمات فما كان الا ان يرتفع ماء البئر ويخرج الامام الطفل ؟! .
خرج أحد خطباء الفضائيات المعروف باللحية الطويلة و الثوب القصير وهو يتحدث عن اخر رجل يدخل الجنة ( الحديث دائماً عن الرجال ليس للمراة دور في الجنة ) يقول من ان اخر رجل دخل الجنة كان يقوم و يسقط على الصراط بعد عناء وصل الى الضفة الاخرى فطلب من الله شجرة من الذهب الخالص ( المادية حتى في الجنة ) ثم قام يطلب طلبية غير موجودة في مطاعم العالم وبعد حديث ومطالب متعددة سأله الله هل تريد غير هذا قال لا وعزتك لا اريد شيئاً غير هذا , ثم يخاطب الله العبد ما الذي يرضيك مني ؟ ( انت عاوز ايه ياكدع )
اترضى ان يكون لك الدنيا ومثلها معها ؟ فيقول هذا العبد الفقير اتستهزء مني وانت رب العالمين ! يقول هذا الشيخ الثري , فضحك عبدالله بن مسعود وهو يروي هذا الحديث قيل له لماذا تضحك قال لان الرسول كان يضحك ولماذا ضحك الرسول ؟ يقول لأن الله كان يضحك من جواب هذا العبد لله !! .
أعتقد ان اخر شخص سيدخل الجنة هو الممثل المصري عادل امام فهو جدير بصنع الضحكة واحتمل سيضحك الله بقهقة تختلف بالتأكيد عن قهقهات بني البشر , ولا أعرف كيفية ضحكة الله أهي عالية ام بهدوء بشراهة أم بتحفظ ؟ نسي هذا الشيخ المليونير ان يصف لنا كيف ضحك الله وكيف استلقى على ظهره من فرط الضحك لجواب هذا الرجل ( العربي بالتأكيد ) وأعتقد انه مصري .
هذا الخطاب الموغل في الجنة وكيفيتها و النار وشدة حرها و الملائكة و كيف يعذبون البشر , أخذ العقل البشري عموما الى الابتعاد عن الانسانية و الحياة الطبيعية من خلال هذا الخطاب الغيبي , اخذها الى حيث الوهم و عدم الشعور بموجودات هذا الكون .
إننا بالوقت الذي نشير فيه الى خطأ يجب ان ننوه الى ما نراه صواباً و الحل او الصواب هو عندما نريد ان نستمع الى محاضر او خطيب يجب ان نلحظ حجم استغراقه في الماورائيات و الغيبيات فإذا كان حديث المتحدث بغير المحسوس او المرئي او الممكن عقلاً فيجب التنبه لمثل هؤلاء وعدم الاستماع لهم لان حديثهم إفعوانية غير قابلة على الاستقرار .