23 ديسمبر، 2024 6:51 م

تركية – روسية بين التقارب اوالتباعد ايُّهما الغالب

تركية – روسية بين التقارب اوالتباعد ايُّهما الغالب

شكلت الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى تركيا منعطفاً في سبيل تطوير العلاقات بين بلديهما ولكن طغت عليها الجانب الاقتصادي والتبادل التجاري والذي يبلغ 33مليار دولار وهم يسعون الى رفعها الى 100مليار دولار لغاية سنة 2020مع العلم انها شهدت انخفاضاً يعادل 20%في عام 2014 كما ان الجانب التركي يسعى لاعطاء تسهيلات اكثر من جانب  التبادلات التجارية والسياحية هذا العام ودعمهما  ورفع الرواديد لاستقطاب السواح الروس الى بلدهم.

تاريخ العلاقات الروسية – التركية تتميز بالتعقيد على مر العصور والازمان فتارة تتراوح بين تقارب واخرى تباعد على مدار القرون الماضية فرغم ان العلاقة شابتها الكثير من المطبات والحواجز ، لكن الجانبان يحرصان على تمتينها والحفاظ على مستوى معين من التقارب حماية لمصالحهما المتبادلة وقد شهد التاريخ لحظات فارقة في مسار الروابط ولكن لم تدم طويلاً واثرت فيها توجهات القيادات السياسية في البلدين ، ويتعلق الثاني بحجم الارتباطات الدولية والاقليمية ، ويتحدد الاخر في ضوء طبيعة القضايا والمشكلات الخلافية بينهما في امور اسيا الوسطى  والجيران . ان طبيعة الموقع الجغرافي لتركيا هي التي حددت عبر التاريخ بشكل ومسار علاقاتهما مع دول الجوار فهناك ميراثاً تاريخياً من الخلافات مع بلدانها ولكن هناك حقائق جلية وواضحة لايمكن العبور عنها في الخلافات وتباين في مواقفهما وسيادتهما حيال بعض القضايا الاقليمية وفي مقدمتها الازمة السورية . رغم ان روسيا ترى في تركيا منفذاً جديداً على المنطقة العربية والاسلامية واسيا الوسطى في ظل الصعود الاسلامي والتي وضعت روسيا نفسها في وضع مواجهة معه. فترى ان تركيا شريك اقتصادي وسياسي مهم في المنطقة بسبب موقعه وتاثيرها العميق إلا ان تبقى العقدة السورية والتي تلعب تركيا فيها دوراً خطيراً بعد ان تورطت في هذه الازمة سياسياً وعسكرياً والتي تعتقد روسيا انها تشكل تهديداً لامنها والمنطقة ككل واصرار حكومة الرئيس رجب طيب اردوغان على اسقاط النظام فيها وعدم قبول الحل السلمي من اجل تسوية امرها وانهائها  تمثل قلقاً كبيراً لروسيا في جعل اراضي هذه الدولة الجارة قاعدة وممراً للتنظيمات الارهابية المتشددة التي تتصارع مع الحكومة السورية ، ومن الجانب الايديولوجي فأن تطلعات تركية التي لها علاقة بالعثمنة الجديدة من خلال تسويق نموذجا لها في المنطقة  ، تؤرق روسيا التي تخشى من تفجير سلسلة من المشكلات الاجتماعية والسياسية والدينية وتحديداً للجمهوريات الاسلامية في اسيا الوسطى والغنية بالنفط والغاز التي تشكل قيمة استراتيجية لها وتطلعاتها الاقليمية فتخل بالمعادلة الجديدة التي تعمل روسيا عليها في حفظ المصالح المشتركة على اسس قانونية وضمن المواثيق الدولية واحترام استقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية من قبل الغرب. وتبقى العلاقات السياسية في حالة من الشك وعدم الثقة في ظل اصرارالتركي على تغيير المعادلات الاقليمية والاعتماد على سياسات الاطلسي والتي فقدتها وابتعدت عنها في الاونة الاخيرة اثر مطالب تركيا بفرض حصار جوي ومنطقة حائلة في سوريا والتدخل العسكري مما تشكل تهديداً للتحالفات الموجودة ضد ما تخطط امريكا لاقامة شرق اوسط جديدة والتي تقف دول المنطقة القوية مثل ايران في الضد منها وضرورة ايجاد حل سياسي سلمي بالحوار والتوافق بين السوريين على المرحلة الانتقالية والانخراط في اتفاقات سياسية جديدة تحفظ الامن والاستقرار في هذا البلد ويوقف نزيف الدم فيه وقد ساهم الاندفاع التركي نحو الحلف الاطلسي في وحدة السياسة الروسية – الايرانية – العراقية تجاه الاصرار على قبول الحلول السلمية وعدم السماح للتدخل العسكري لابعاد المنطقة عن حرب ضروسة لايعرف نهايتها.وزيارة الرئيس الروسي بوتين الى تركيا وسط خلاف الجانبين حول الازمة السورية والحسابات الاستراتيجية  حيث يمكن القول انه من الاستحالة ان تتخلى روسيا عن حليف وشريك مهم يشكل قيمة امنية عالية لها وتبقى الازمة قنبلة قائمة طالما ان تركيا تصر على موقفها من سوريا . واذا ماعلمنا ان النظام في سورية نجح في الصمود امام الجهود الرامية لاسقاطه على الرغم من مروراكثرمن ثلاث سنوات من بدء الازمة بفضل التعاون الروسي الى جانب الموقف الدولي المنحاز معها متمثلاُ بالصين وايران والعراق اعطاها مفهوماً اصطفافياً اقليمياً ودولي تجاه الازمة وجعل من الخيار العسكري بمثابة مغامرة مدمرة قد تفتح المنطقة على حرب ابادة تسري الى العالم حتى اجبر حلف ناتو للتعامل مع هذه القضية بحساسية كبيرة وخاصة بعد ان انحرفت عن مسارها واستراتيجيتها ولنشوء قوى متطرفة مثل  (داعش )التي تعتاش على العون التركي فجعلها تتراجع عن سياساتها في اطارها الاقليمي والدولي . كما ان تركيا لم تنحج حتى اليوم  في إقناع الغرب بأهمية تحسين علاقاتها مع روسيا وأن هذا التقارب والانفتاح لن يكون على حساب دورها الأساسي في حلف شمال الأطلسي والتزاماتها الغربية وستجد صعوبة فائقة في إقناعهم بعد هذه الساعة باستراتيجيتها السلمية في منطقة البحر الأسود عبر تقاسم النفوذ مع روسيا هناك واشتراكها في مشاريع بحر قزوين وخطط إمدادات الطاقة المنطلقة من أذربيجان وجورجيا نحو أوروبا الغربية.

ويمكن الاشارة ايضاً ان القضية السورية ليست الوحيدة للتوتر فثمة عوامل اخرى تضاف يمكن ان تساهم في حدة التوتر بينهما ومنها الملف النووي الايراني اوعلى صعيد الموقف من العراق في ظل التدخل في شؤونه الداخلية انطلاقاً من ابعاد ايديولوجية وتطلعات سياسية تركية تاريخية دفينة مرعليها الزمن لا مكان لها اليوم.