بقدرِ تعلّق الأمر بالأمن الوطني والأمن القومي التركي , فلعلّ البعض لا يدرك طبيعة الجيوبوليتيك للحدود التركية الملتهبة بنارٍ تأريخيةٍ هادئه , فالتوتر الأزلي مع جارتها الشمالية ” اليونان ” لا يمكن زحزحته ! , والتوتر التأريخي مع جارتها الشمالية الشرقية ” ارمينيا ” يكاد ينادي بالثأر منذ مجزرة الأرمن في عام 1915 ولا يزال صبّ الزيت عليه بقطراتٍ او اكثر , أما جارتها الجنوبية الشرقية ” ايران ” فلطالما كان العراق مسرحاً او ساحة وغى للصراع بين هاتين الأمبراطوريتين وتبقى آثاره وامتداداته مستمرة . ثمّ : فأنّ الجارة الجنوبية الغربية لها وهي ” سوريا ” فهي حديث الساحة الساخن وعلاقته المحتملة بمحاولة الإنقلاب وما سبقته من مؤشرات بتنقية وعودة العلاقة مع روسيا + إيماءة بتصويبها مع حكومة الرئيس بشار الأسد .!
اضطررنا اضطراراً لإعادة رسم اٌطر الجيوبوليتيك أمام القرّاء بغية تسهيل عملية الولوج الى قلب الحدث التركي الحديث بما يتعلّق بعمليات الإعتقال تحديداً , وإذ امسى واضحى اضطرار ولجوء الرئيس اردوغان الى فتح بوابة الأعتقال الى اكثر من سعتها وقابليتها للأنفتاح ! حفاظاً على اقصى درجات أمن النظام او السلطة او البلاد , لكنّه وفي ذات الوقت فأنّ حملة الإعتقالات الجارية والتي تفوقُ معايير ” الجملة والمفرد ” قد غدت ملفتة للأنظار وبزاويةٍ حادّه ! , فالمنطق بأدنى وبأعقد مستوياته لا يتقبّل ” ولو نفسياً ” وجود هذه الأعداد الكبيرة من المعتقلين , كمتهمين او مشاركين في الأنقلاب الغسكري , وهل يمكن لهكذا تنظيم من التغلغل في كافة مفاصل ووزارات الدولة العسكرية منها والمدنية , ودون أن ينكشف أمره .!
ليس هنالك من شكٍّ أن الرئيس اردوغان وحكومته على ادراكٍ كامل بأنّ ليس جميع المعتقلين هم اعضاء او منضميّن الى تنظيم المحاولة الأنقلابية , ولا بد أن بين صفوفهم الكثير من الأبرياء , لكنّ الوضع الأمني المتأزّم قد فرض ” بشكلٍ او بآخر ” القاء القبض على أيٍّ كان بمجرد الشبهة والظن والإفتراض , إنما كم ستستغرق التحقيقات من الوقت لإثبات براءة من لا علاقة له بالأنقلاب .! ويقيناً أنّ عوائل المعتقلين الذين بلغت اعدادهم بالآلاف سوف يُشكّلون رأياً عاماً ” محدوداً ” ضدّ السلطة ودونما ضرورةٍ قصوى لذلك , بالإضافة الى أنّ عملية الإعتقال الجماعي قد اثارت الرأي العام العالمي بالضد وخصوصاً للمدنيين في قطّاع التعليم والجامعات والقضاء .ومع هذا وذاك , وبالرغم من أنّ أهل مكّه وأنقرة ادرى بشعابها , إنّما نرى ” في الإعلام على الأقل ” لو أنّ الرئيس اردوغان إقتصرَ في حملة الإعتقالات هذه على العسكريين فقط من منتسبي صنوف القوات المسلحة كمرحلةٍ اولى , ومن ثَمّ وبعد الإنتهاء من التحقيقات , كان يمكن الشروع في التحقق من ضلوع كبار موظفي الدولة المدنيين في محاولة الانقلاب او عدمه , وخصوصاً أنّ هؤلاء المدنيين لا يشكّلون خطراً أمنيّاً بأعتبارهم مجردين من السلاح , كما كان من الأنسب عزل هؤلاء من مناصبهم بشكلٍ متفرّق وغير جمعي وبأوامر ادارية تقليدية بعيداً عن ضجيج الإعلام ودونما إعلانٍ مسبق , وكما المحنا في اعلاه فأنَّ كل مَن ذي صلةٍ او متعاطف مع المعتقلين المدنيين سوف يشكّل تياراً معارضاً للنظام ولو من الناحية النفسيه .