طرحت التحركات التركية الاخيرة استغراب معظم الدول العربية, خاصة وأن حزب العدالة والتنمية الإسلامي بعد استلام السلطة في تشرين الثاني ٢٠٠٢,اعتمد سياسة التقارب وتوثيق العلاقات مع الدول العربية والإسلامية من بوابة الاقتصاد والسياحة والمراكز الثقافية, مما كان له الأثر البالغ في طي صفحة الإرث العثماني العالقة في ذهن المواطن العربي حتى وقت قريب.
المفاجئة الصادمة هو إقدام تركيا على دعم ما يسمى بالربيع العربي وساندت المظاهرات المناهضة للحكومات العربية, كما ودعمت صعود تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية بعد سقوط النظام في تونس وليبيا ومصر تحديدا,الواقع التطورات الداخلية لبعض الدول العربية كانت بمثابة قبلة الحياة للمشروع التركي ضمن سياسته التوسعية والتي تهدف بعودة المنطقة الى الإرث العثماني الجديد, بعد أن كانت تركيا تنتهج مبدأ تصفير المشاكل والدعوة الى إنهاء الصراعات بين الدول والسعي الجاد للحوار والمصالحة بين دول المنطقة, أصبحت اليوم محاطة بالأعداء من كل الجهات, ترى تركيا نفسها وفق توجهات حزب العدالة والتنمية لاعبا مهما من حقه التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من منطلق أن استقرارها يهم تركيا.
احداث الربيع العربي في الدول العربية كانت بمثابة الطريق الممهد لتركيا للعب دورها في صياغة مشروع الشرق الاوسط الجديد بما يتماشى مع المشروع الاميركي الاسرائيلي للمنطقة, ضمن إطار هذا المشروع أصبحت تركيا جزءا لا يتجزأ من المشروع, ووفق رؤية المشروع الاميركي الاسرائيلي تتحول تركيا إلى شرطي المنطقة واحدى وسائل الضغط على الدول العربية, ففي الدول التي لا تتماشى مع سياستها بالدبلوماسية والقوى الناعمة تلجأ الى استخدام التدخل العسكري وهذا ما حدث فعلا على أرض الواقع.
ففي سوريا وتحت شعار حماية الأمن القومي التركي استغل اردوغان الاحداث الداخلية في سوريا ودعم المجموعات المسلحة خاصة الجيش السوري الحر ووفر الدعم اللوجستي والغطاء السياسي, مع تبني سياسة تسمح بعبور الحدود إلى الداخل السوري, وتأكيدا في عودة الحلم العثماني من جديد, فقد عملت تركيا على تتريك الهوية العربية في شمال سوريا التي احتلت أراضيها من خلال إطلاق أسماء العسكريين الاتراك على المدارس السورية وفرض اللغة التركية.
أما العراق منذ عام ١٩٩٤ تتواجد القوات التركية في قاعدة بعشيقة العراقية بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني, وتفاقم الأمر بسبب تصريحات أردوغان من وقت لاخر حول احقية تركيا في الموصل العراقية, وانها كانت تحت السيادة العثمانية, وايضا عن الدور الخبيث الذي لعبته تركيا في دعم داعش الارهابي عام ٢٠١٤, مما ادى الى سقوط الموصل أكبر المدن العراقية واتهمت تركيا حينها بتوفير الدعم العسكري واللوجستي لهم.
واخيرا ليبيا وقبل نهاية عام ٢٠١٩ قرر حزب العدالة والتنمية في خطته التوسعية التدخل في الشأن الليبي, حتى بدأ الحديث عن مليون من ذوي الأصول العثمانية التركية,واكد اردوغان في هذا المجال( بانهم موجودين في ليبيا من ايام الحكم العثماني لليبيا قبل ٤٥٠ عاما , مما يؤكد بان انقرة لم تتخلى عن ليبيا التي بات واضحا ان أردوغان سيكون اللاعب الرئيسي في تقرير مصيرها أمام العجز العربي الواضح, كما سيكون لاعبا أساسيا في تقرير مصير الصومال بعد التغلغل التركي الواسع والفعال في أفريقيا وفي جميع المجالات السياسية والعسكرية والامنية.
وتأكيد للدور الذي يلعبه اردوغان في تنفيذ المشروع الاميركي في منطقة الشرق الأوسط, فقد كشف زعيم المعارضة التركية كمال اوغلو حيث اكد( بان الرئيس التركي عنصر اساسي في الخطة الاميركية لتقسيم الشرق الأوسط وهوما يظهر جليا في الدور التركي في كل من سوريا والعراق وليبيا)واضاف اوغلو ان ( اردوغان هو الذي اسس ما يعرف الجيش السوري الحر على الرغم من أن هذه الفكرة هي أمريكية لتقسيم سوريا)وطالب زعيم المعارضة من الشعب التركي محاسبة أردوغان على الجرائم التي يرتكبها في منطقة الشرق الأوسط.
التدخل التركي في الشؤون العربية أصبحت السمة البارزة في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية, والسبب يعود الى الانقسام والصراع العربي العربي الذي نعيشه اليوم, مما سهل لدول الجوار الجغرافي التدخل في العديد من الملفات التي تمس الأمن الإقليمي العربي , مما ينذر على انهيار النظام الإقليمي العربي ليحل محله نظام شرق أوسطي جديد السيادة فيه لتركيا.