ربما لايدرك الكثيرون المخاطر الكارثية المترتبة على الانقلاب العسكري الذي وقع في تركيا مساء الجمعة الخامس عشر من تموز 2016 على توازنات المنطقة، وكيف كان بإمكانه لو نجح لاسمح الله، أن يقلب تلك التوازنات رأسا على عقب، لتشهد المنطقة فوضى رهيبة، تنعكس بتأثيراتها الضارة على مستقبل شعب العراق وشعوب المنطقة ودولها، وكان بإمكانها ان تشعل نيران حروب أهلية قد لاتبقي ولا تذر، لولا حكمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقدرته على مسك زمام الأمور وسرعة قبر الانقلاب في ساعاته الأولى وحفاظه على رباطة جأشه وقدرته على التحرك والمبادأة ومسك زمام الأمور تحت ظل جماهيرية حزبه (حزب العدالة والتنمية) لتحفظ له ولتركيا هيبتها ، قبل ان يقع ما لايحمد عقباه، ليس على تركيا ودولة مؤسساتها العريقة وعلى مستقبل الديمقراطية في هذا البلد ، بل على الدول الاقليمية ودول المنطقة، والعراق إحدى اهم الدول، التي كان بإمكان هذا الانقلاب لو نجح لاسمح الله، لكان مستقبل العراق في خبر كان. كان العراق في السبعينات والثمانينات هو الدعامة الأولى للاستقرار وحفظ توازنات المنطقة، وربما العالم بأسره، وما أن أفل نجم العراق بعد عام 2003 وسادت معالم الفوضى والاضطراب الذي أعقب الاحتلال الامريكي له ،
وما تلاه من تناحر وتطاحن واقتتال داخلي وحروب أهلية ، وظهور داعش وقبلها التشكيلات السياسية الطائفية والمذهبية، لتكون هي الظاهرة الملفتة للتمزق الطائفي والتناحر السياسي والاحتراب المذهبي ، لتذهب بالعراق بعيدا الى حيث المجاهيل ، حتى غاب العراق عن سماء المنطقة وأفل نجمه، وراح كل من هب يتحكم بمصيره، وصار طعما شهيا للدول الإقليمية والمجاورة تتحكم في مصير شعبه وهي من ترسم له سياساته وتملي عليه مالايرغبه شعب العراق ولا يليق بما يستحقه من دور ومكانة ، بعد إن كان هو المؤهل لكي يحافظ على استقرار المنطقة ويحفظ أمنها من شرور الاعداء والمتربصين بها وهم كثر،
لكن إصرار الامريكان والصهاينة وبعض حكام دول المنطقة، على إزاحته من على وجه الخارطة، هو من حول العراق الى مرتع خصب للارهاب والحروب الطاحنة، التي لم يقبض منها العراقيون سوى الويلات والنكبات ومزيد من التشرذم والانقسام، والانفلات والفوضى، وكأننا امام دويلات طوائف، وليس دولة كان يحترمها العالم ويهابها ويضع لها ألف حساب. وقد يقول قائل: وماذا كان بإمكان الانقلاب العسكري أن يفعله لو نجح في تركيا واسقط حكم الدولة التركي القائم على العلمانية وسيادة الدولة ومؤسساتها، والجواب بكل بساطة هو انه لو نجح هذا الانقلاب وأحكم العساكر الاتراك قبضتهم على مقدرات تركيا، لذهب آخر حلم كان يتمناه العراقيون بأن يبقى بلدهم موحدا، حتى في ظل مرحلة الانقسام التي حكمت لفترة غير قصيرة، ولاجتاحت إيران العراق بأكمله باتجاه سوريا وأقامت امبرطوريتها الفارسية، واختفى العراق من على وجه الخارطة ككيان سياسي، ولذهب هذا البلد وكياناته الأصيلة الى مرحلة تسقيط لوجودها ومحو لهويتها ، لولا حكمة الرئيس أردوغان، الذي حافظ ليس على تركيا وكيان دولتها ومستقبل شعبها ودوها ولكن حفظ العراق من ان يناله مالايتمنى العراقيون لمستقبلهم ان يسود وان يذهب الى حيث المجاهيل،
ليتحول شعبه لاسمح الله الى عبيد أذلاء لمن يسيطر على مقدراتهم ، ويكونوا خدما أذلاء لإيران، تمرغ أنوفهم في وحل العار والشنار، وترغمهم على تقبل تجرع كؤوس المرارة ، لكن إرادة الله شاءت أن تحفظ لهذا البلد بقايا وجوده، ليس رغبة من أروغان بحفظ الكيان العراقي، ولكن لأن بقاء تركيا قوية موحدة يلجم طموحات الآخرين في الهيمنة والتوسع،ويمنع انهيار آخر ماتبقى من أمل ان يبقى العراق موحدا في بعض معالمه يحافظ على البقية الباقية من هيبته، ولاجتاحت إيران العراق، تحت تأثير الاضطراب التركي وتبريراتها بالخوف على مستقبل دولتها ، لتنطلق جيوشها وحرسها الثوري، ويكون العراق منطلقا للزحف بإتجاه سوريا، ومن ثم السعودية وبقية دول الخليج واليمن، وتكمل إيران احلامها التوسعية بأن تبتلع دولا بأكملها، وتضعها تحت هيمنتها تحت الغطاء ( الإسلامي) بالرغم من ان إيران تعد الإسلام آخر ماتفكر به، وان مطامعها الامبراطورية في الهيمنة والتساط هي من تكون لها الأولوية، اما باقي الشعارات فهي للاستهلاك المحلي والتضليل الغوغائي والدعائي لاستغفال عقول شعوب المنطقة، وبالتالي تبسط سيطرتها، وتنتهي العروبة والاسلام الى غير رجعة. نقول ان مخاطر الانقلاب العسكري التركي على العراق لو نجح لاسمح الله لأهتزت عروش وتهاوت كيانات، وكان العراق إحدى أكثر الدول المتضررة من آثاره الكارثية ، إذ كانت تركيا تحتاج الى سنوات من الحكم لكي تعيد الاستقرار الى نظامها السياسي ، وقد لاتعاد الديمقراطية تحت هيمنة حكم العساكر، ان لم تصادر الحريات وتختفي معالم النظام الديمقراطي والدولة القوية ، فآخر مايفكر به العسكريون في أي بلد يحكمونه هو الديمقراطية، حتى وان تذرعوا بأنهم سيسلمون مقاليد السلطة الى قادة منتخبين جدد، بعد اجراء انتخابات تحت حكم القبضة الحديدية ، لكن من يضمن من ان يكونوا هم من يفرضون إرادتهم من جديد، وتنتهي قوة ومتانة الدولة التركية وربما يذهب استقرارها بعيدا، وربما تدخل تركيا مرحلة حرب أهلية لابد وان يكتوي العراقيون بلظى نيرانها المحرقة، شاءوا ام ابوا، لأن جيران العراق ومنهم إيران ربما سيكونون أول من يندفع نحو الاقاليم المجاورة، بحجة الدفاع عن النفس بوجه الاطماع التركية،
التي لابد وان يكون للعساكر الاتراك احلام التوسع والسيطرة هم أيضا، و( تكمل السبحة) في ان يدخل العراق مرحلة صراع اقليمي على أرضه، ومسرحا لعمليات حربية تحيل بقايا دولته الى هياكل خربة، وكأنها تصبح من اطلال الماضي، وربما نعود نبكي على أطلاله الدارسة ، بعد ان راح بعض أبناء جلدته يقدمون خدماتهم للأغراب، ليكونوا هم ادوات الدول الأقليمية وجنودها الامناء ليس في الحفاظ على مصالح دولتهم وشعبهم ولكن لكي يحفظوا ( ولاية الفقيه ) ويوسعوا كياناتها ظنا منهم انها يمكن ان تقدم لهم خدمة لمذهبهم، وما دروا ان الأغراب لايعترفون بمذهب ولا يقيمون وزنا لدين او لقيم سماوية او ارضية، وهي، أي دول المنطقة كلها لديها اطماع في العراق، وليس هناك واحد منهم طيب النيات او نقي القلب، أما العرقيون فهم ( المغفلون ) الوحيدون ربما في المنطقة لأن كثيرا منهم مازلوا يعتقدون ان إيران يمكن ان تكون لهم الملاذ الآمن، دون ان يدركوا ان المحافظة على كيان بلدهم وهويته الوطنية والعروبية ينبغي ان يبقى جرس الانذار الذي لايغفل أحد كائنا من كان من العراقيين عن ان يقدم الغالي والنفيس لكي يدرأ شرور الاعداء والحاقدين ومن يضمرون له الشر والضغائن، وحفظ الله العراق والعراقيين من شرور الطامعين، واولهم ايران، ومن بعدهم دول المنطقة، التي لو حافظت على العراق، ولو لم تشترك في تهديم ركائز دولته لكان لهم مكانة كبرى ولاحترمتهم الدول الكبرى، ولأقامت انظمة حكم قوية ليس بمقدر كائن من كان ان يتحرش بها او ينسج لها المؤامرات والدسائس للايقاع بها وتسليم رقاب شعبها طعما للوحوش الكاسرة التي تتربص على مقربة منه، علها تجد من يشبع نهمها الى ابتلاع شعبه ودولته ذات التاريخ الضارب في اعماق الحضارات، بعد ان تهاوى هذا الكيان العراقي الى جسيم نحيل هويل لايقوى على الوفوف على قدميه.