لا زالت المصالح الامنية والاقتصادية تحكم العلاقة بين تركيا وحكومة شمال العراق, حيث تنظر اربيل الى انقرة بانها المنفذ الوحيد للاقليم الى العالم الخارجي, وبالتالي لم يكن أمام حكومة اربيل من خيار سوى الانفتاح على انقرة والخضوع لشروطها الامنية والسياسية وذلك تفاديا لأي ضغوط تمارسها الحكومة العراقية.
تميزت العلاقات بين كل من انقرة واربيل باعتمادها لسنوات طويلة على البعد الأمني, حيث وجدت أنقرة ضالتها لمحاربة عناصر حزب العمال الكردستاني في التحالف مع العائلة البرزانية نظرا لمعارضتها وجود جماعات كردية في شمال العراق, حيث ينظر الطرفان الى حزب العمال الكردستاني على أنه خصم مشترك وهو ما انعكس في تعاون حكومة اربيل في عمليات ضد حزب العمال,وأشارت مصادر سياسية عراقية بان حكومة اربيل زودت أنقرة بمعلومات استخباراتية عن أماكن تواجد عناصر حزب العمال في شمال العراق قبل شن العملية العسكرية الاخيرة , مقابل وعود تركية بمساعدات اقتصادية واعادة جدولة الديون المستحقة على الإقليم , حرصها على أن لا تفقد الدعم التركي في ظل الرفض الدولي والإقليمي للمشروع الكردي في شمال العراق.
وخلال السنوات الأخيرة كثفت تركيا من تدخلها العسكري داخل الاراضي العراقية بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني ووسعت عملياتها لتشمل مناطق جديدة مثل منطقة سنجار شمال غرب الموصل بعد أن كانت مقتصرة على مناطق بعينها داخل الأراضي الخاضعة لحكومة اربيل.
ولم تستثني تركيا الطموح الى تركيز وجود عسكري دائم لها على الأراضي العراقية حيث أنشأت لها قاعدة عسكرية في منطقة بعشيقة شمال شرق الموصل والتي شهدت الكثير من المشادات بين بغداد وانقرة ,التعاون والتنسيق بين انقرة وأربيل سمح للأتراك بزيادة نشاطها الاستخباراتي و تواجدهم العسكري في الإقليم وتشير التقارير ان الوجود العسكري التركي يتجاوز 15 قاعدة عسكرية تركية في شمال العراق وتنوي تركيا زيادة عدد قواتها المتمركزة في هذه القواعد رغم رفض الحكومة العراقية بدعوى تأمين مصالحها الاستراتيجية وعلى راسها التمدد الكردي في سوريا والعراق.
اما في اطار النشاط الاقتصادي ترتبط انقرة واربيل بشراكة اقتصادية مهمة,اذ ياتي الاقتصاد على اولويات سياسة تركيا الخارجية في ظل ازمة اقتصادية حادة تشهدها انقرة تتمثل ملامحها في انخفاض الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي وتراجع معدل النمو وارتفاع معدلات البطالة فضلا عن رغبة تركيا في جمح النزعة الانفصالية لحكومة اربيل,وذلك من خلال الاعتماد على تقوية علاقاتها الاقتصادية.كذلك تهدف تركيا جعل حكومة الإقليم معتمدا عليها في توفير مقومات الحياة الأساسية واستغلال ذلك لمنعه من انتهاج سياسة خارجية مستقلة تدعم استقلالها,وفي المقابل تسعى اربيل الى تقوية علاقاتها الاقتصادية وهي في ذلك تعتمد على أنقرة في صادراتها النفطية وتجارتها واستثمارها لتعزيز موقفها في مواجهة الحكومة العراقية, محاولة منها الاستمرار بمنطق اللادولة والتصرف بغطاء ظاهره العراق وباطنه دولة غير معلنة في الإقليم
وتتضح حجم المصالح الاقتصادية بين الجانبين في بلوغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من عشرة مليارات دولار سنويا وهو يمثل نصف حجم التجارة الكلية مع العراق, إذ تعد تركيا ثالث أكبر شريك تجاري مع اربيل منذ عام 2003.
ولعل الربط الأهم في العلاقات الاقتصادية بين انقرة وأربيل هي خطوط نقل الطاقة حيث تعمل تركيا على زيادة التعاون الاقتصادي على أمل أن تصبح الشريك التجاري الأكبر الذي يمر من خلاله( نفط الاقليم) الى اوربا, مما يعني أن تركيا سوف يكون بمقدورها فرض عقوبات اقتصادية حادة إذا ما قررت حكومة اربيل انتهاج سياسة خارجية مستقلة تمهد للانفصال او قيام دولة كردية,كما ترتبط تركيا واربيل باتفاقيات سرية تم توقيعها عام 2013 في مجال النفط والغاز, ولم يتم الكشف عن جميع بنودها, وكان عدد من النواب الأكراد في البرلمان العراقي كشفوا عن بيع حكومة اربيل( نفط الإقليم) لتركيا وعدد من الجهات لمدة 50 عاما مقابل اقراض اربيل مليارات الدولارات خلال السنوات القلية الماضية,وهذا الامر بحد ذاته يتناقض مع نص الدستور العراقي الذين يطالبون بتنفيذه, وهذا ما دفع الحكومة العراقية في عام 2014 اتخاذ إجراءات قانونية ضد تركيا اثر اعلان انقرة البدء بتصدير(نفط الاقليم) الى الاسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي ومن دون إذن وزارة النفط العراقية.
من الجدير بالذكر أن الحكومة التركية تدرك الأهمية الاقتصادية للعلاقة مع اربيل الاان هذا لا يعني ابدا انها على استعداد للتضحية بما تعتبره تهديدا للأمن القومي التركي, أي منع ظهور أي نوع من كردستان مستقلة في شمال العراق, لما يمثله من تاثير خطير على وضعها الداخلي التركي, لا سيما وأن تركيا تعيش فيها أقلية كردية ايضا.
مما يظهر جليا أن تركيا تنظر الى الاقليم باعتباره مشروع اقتصادي ليس أكثر من ذلك,و حجم التغلغل التركي في اقليم شمال العراق سواء الامني او العسكري او الاقتصادي فانه يصب في النهاية لمصلحة انقرة التي تهدف لمنع إقامة اي كيان سياسي على حدودها , وهي في ذلك تسعى الى تطويق الإقليم وضمان خضوعه لسيطرتها واعتماده عليها بشكل كامل.