المعطيات على الارض تشير الى ان عام 2018 سيكون عاما مفصليا في المسألة السورية .فلم تتداخل الخنادق باعمق مما هو عليه الحال ، ولم يبلغ التعقيد مداه بأوسع مما هو عليه الحال ، ولم تتغير فيه التحالفات بأسرع مما هو عليه الحال . وعندما يصل الوضع الى مثل هذه الذروه تتقارب فرص التسويات ويصبح فرض الحلول هو المخرج الآمن للأطراف المتصارعة.
تركيا تتمرد على الحليف الامريكي لأنه لم يستجب لمخاوفها ولم يخفف من قلقها وذهبت الى شريك كان قبل وقت ليس ببعيد يتربّص بها . أما أيران فقد لملمت عباءتها أستعدادا لخروج آمن من دون عواقب . فالمشهد الان يبدو أكثر وضوحا . لقد جاء الكبار ، وعلى اللاعبين الصغار ترك مقاعدهم . ولا ندري ان كان تراجع اللاعبين الاقليميين بتوافق بين الكبار أم أمر فرضه تطور الاحداث ، أم هو الاثنان معا . وبخاصة بعد ما اعلن وزير خارجية الولايات المتحدة ريكس تيليرسون منهج الولايات المتحدة في سوريا وعزمها على وجود غير قصير على أراضيها ، للحيلولة دون عودة داعش مجددا والحد من النفوذ الايراني في المنطقة ، مستفيدة من دروس انسحابها من العراق في عام 2011. التبرير ليس مهمّا هنا بقدر ما يهّم القصد وما يترتب عليه ، فاضافة الى دورها السياسي والمعنوي والمادي وعدد من القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة في شمال وشرق سوريا ، اصبح لها وجود عسكري من ثلاثين الف مقاتل كوردي مدرب ومجهّز بأحدث الاسلحة ، وفي حدود الفين من القوات الامريكية على شكل مدربين ومستشارين ومقاتلين ايضا. بمثل هكذا وجود لن يكون حل للمسألة السورية من دون موافقة الامريكان.
الان ليس على أرض سوريا سوا قوتّان : الولايات المتحدة وروسيا ، وعلى اللاعبين الاقليميين ان يرجعوا الى حيث جاءوا متوترين على مقاعد المتفرجين ، اما باقي القوى في الداخل السوري فمطلوب منها الدوران على محور هاتين القوتين الكبيرتين . وكل الحركات والمناورات والمعارك الكلامية والفعلية التي نراها أونسمع بها عابرة لاتغيّر من الحقيقة الساطعة ، وهي ان سوريا الان وسوريا المستقبل ومن حولها الشرق الاوسط ترسمه تلك القوّتان . التاريخ يعيد نفسه ولكن بلاعبين مختلفين. قبل ما يقارب المئة عام رسمت بريطانيا وفرنسا الشرق الاوسط ، وفي وقتها كان لاعبو الداخل يدورن حول محوري تلك القوتين ، والان ترسم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الشرق الاوسط ولاعبو الداخل يدورون حول محوريهما ايضا . ماأشبه اليوم بالبارحة .
وبحكم الجغرافيا ، استثمرت تركيا موقعها لأسقاط نظام بشّار الاسد بهدف أخونة سوريا في سعي منها لتكريس العثمانية الجديدة ، ولم تستثمر اموالها لوجود من يدفع كلفة هذا المسعى . وبحكم الجغرافيا ايضا ، استثمرت ايران أموالها على الرغم من اقتصادها الهش للحفاظ على نظام بشار الاسد ، اذ لم يخدمها الموقع الاّ بمقدار ما يسمح به توازن القوى في العراق والعين الامريكية الراصدة للتحركات المريبة . والنتيجة سيرجع الطرفان بقبض الريح وربما بما هو أسوء منه . فتركيا لم تخسر معركة أخونة سوريا فحسب ، بل أكتشفت ان شوكة مقاتلي حزب العمال الكردستاني اصبحت أكثر انغراسا في خاصرتها. وهي تعمل على نزع هذه الشوكة حتى لو اضطرها الامر الى التنسيق مع بشار الاسد نفسه ، ولكنها تدرك ان الحل قد خرج من يده ومن يد حليفته ايران وأصبح في قبضة القيصر الروسي، فلجأت اليه بعد ان تخلى عنها الحليف الاقوى . وايران لم تخسر كوليدورها الى البحر الابيض المتوسط بوجود الحاجز الكوردي الذي عملت الولايات المتحدة على انشائه فحسب، بل ستخسر بشار الاسد ايضا . وفوق ذلك فان اهدار اموالها في الخارج من دون طائل انعكست اثاره السلبية في الداخل على شكل احتجاجات وتظاهرات مسببا لها قلقا اضافيا زيادة على قلقها من انهيار اتفاقها النووي . .
أما السيد بشّار الاسد فسوف يغادر بعناية الروس والامريكان ، الى مكان يشعره بالامان .