20 ديسمبر، 2024 7:58 ص

تركيا والسياسات الكارثية التي تصر عليها

تركيا والسياسات الكارثية التي تصر عليها

ما كنا نعتقد أن هناك ما ينبغي أن تكون أزمة” بين العراق وتركيا بعد التصريحات التي ادلى بها رئيس الوزراء التركي اخيراً في تغيير سياسات بلاده الخارجية بعد استلامه المنصب وقد استبشرنا خيراً في مقولته ” إن حكومته ستسعى لتطبيع علاقاتها مع العراق وبأن حكومته ستعمل جاهدة لجعل السياسة الخارجية تهدف إلى “تقليل عدد الأعداء وزيادة عدد الأصدقاء” .ولكن في الوقت الذي تستعد القوات العراقية بكل تشكيلاتها الى العمل  لتحرير الموصل ورفض اي تدخل عسكري اخر في العمليات يقدم رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم طلباً للبرلمان التركي يطلب فيه تمديد فترة تواجد القوات التركية في العراق لمدة سنة .
هذا الطلب الجديد يدل على اصرار الحكومة في ان تبقى بما كانت عليه و لا يبدو في الأفق أي تغير في السياسة التركية في ظل تأكيد الجميع على السير بنفس الخطى نحو  الاصرارعلى خلق نقاط توتر جديدة في منطقة تعاني أصلاً من سلسلة أزمات وتوترات سياسية واقتصادية وأمنية وهي منطقة الشرق الأوسط وستكون له انعكاساته على المدى القريب والبعيد في حال لم تسحب تركيا قواتها. العجب في سكوت الحكومة العراقية الصامتة تجاه التدخلات التركية في الشأن الداخلي ولم تحرك ساكناً تجاه هذا الموقف الجديد ولا نشك في وجود خلافات بين الخارجية العراقية والحكومة المركزية ويمكن لنا ان تستنتج من خلال عدم مرافقة وزير الخارجية ابراهيم الجعفري لرئيس مجلس الوزراء الى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الامم المتحدة والكثير من السفرات الاخرى و التي تحسب في عدم نمو تلك العلاقات واختلاف وجهات النظر فيما بينهما وتسبب ضعف العلاقات الدبلوماسية مع الدول .
بعد هذا الطلب ما الذي يجب ان تقوم به الحكومة العراقية  ، فلابد من اللجوء إلى مجلس الأمن فوراً لإنهاء هذا الإشكال واعتماد مسارات واضحة لكل الوسائل الضامنة لسيادة العراق ولابد من التعامل بما يضمن سلامة بلدنا وكل الأطراف وتبادل المنافع وعدم المساس بالسيادة أو بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان والعمل على خلق مناخ إقليمي متوازن يحفظ للكل حقوقهم ويمنع أي تدخلات خارجية فأهل العراق هم الأولى بحماية بلدهم .وقد سيق ان كانت قوات تركية قد دخلت الاراضي العراقية في معسكر بعشيقة باطراف مدينة الموصل في الثالث من كانون الاول 2015 وعلى الرغم من دعوات الحكومة العراقية الى سحبها وتقديمها شكوى الى مجلس الامن الدولي بذلك لكن انقرة ما زالت مصرة على ابقائها “بمزاعم محاربة الارهاب”. وهذا التصرف ما اثار غضب واستنكار حكومة بغداد وبعض الأطراف السياسية التي اعتبرته انتهاكا لسيادة العراق وطالبت بضرورة سحب هذه القوات على الفور، حيث قامت وزارة الخارجية العراقية في حينه باستدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه مذكرة احتجاج على دخول قوات بلاده الأراضي العراقية بدون علم الحكومة، كما طالب مجلس الأمن الوطني العراقي تركيا بسحب قواتها خلال 48 ساعة وإلا سيتم اللجوء إلى المجتمع الدولي. إن رد فعل الحكومة العراقية لم يتجاوز تقديم طلب إلى مجلس الأمن يستنكر فيه التدخل التركي ولم يطلب عقد جلسة للمجلس أو سحب القوات، كما ذكرت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية رئيسة الدورة انذاك للمجلس مما يدل على أن موقف العراق غير واضح رغم المطالبات إلاعلامياً والشعبية بسحب القوات التركية، وهذا يبين ضعف الحكومة العراقية ويعكس حالة الفوضى التي تسود حكام هذا البلد. ان الرؤية السياسية لمجمل الاوضاع التي يشهدها العراق وغياب الحلول الكفيلة باصلاح الاوضاع فيه وعدم الاتفاق على مشروع سياسي يوحد العراقيين ويبعد عنهم الصراعات الطائفية والاثنية والقومية كفيل بان نرى اوضاعا اكثر مأساوية في العراق مع استمرار التدخل الخارجي لجميع الدول والجهات ذات المصلحة الاقليمية والدولية في تحديد مستقبل العراق  ويفتح الابواب امام التدخلات الخارجية  الاخرى .
. كما ان للدولة التركية أصلاً معسكران تدريبيان في العراق أحدهما في سوران في أربيل والثاني في قلاجولان بالسليمانية في إقليم كردستان العراق لتدريب قوات البيشمركة في إطار التعاون مع التحالف الدولي ضد الإرهاب بحسب حكومة كردستان ولكن الحكومة المرطزية لم تتخذ موقفاً صريحاً اتجاه تلك المعسكرات ايضاً
 
ان وجود هذه الاعداد من القوات التركية يدعوننا الى التأمل ومواجهة تطور الاحداث في شمال العراق وتحديدا في المناطق التي تشهد نزاعا عسكريا ومواجهة واضحة مع مقاتلي الدولة الاسلامية في شمال الموصل واطرافها بسهل نينوى حيث لا زالت قوات من تنظيم الدولة تحكم سيطرتها على نواحي وأقضية تشكل أهمية استراتيجية وتعبوية في تعزيز تواجده وبقائه في مركز مدينة الموصل.
كما ان وجود اكثر من سبع قواعد عسكرية تركية في العراق وجميعها غير شرعيةيمثل تجاوزاً على السيادة العراقية، وقد تم انشاء تلك القواعد في تسعينيات القرن الماضي بموجب اتفاقيات شفهية حسب ماتدعي الحكومة التركية ، وهي غير مرحب بها في الوقت الحالي من قبل اكثر القوى السياسية لان وجود تلك القوات في شمال العراق يعرقل جهود القضاء على تنظيم «داعش» و تعامل القوى السياسية العراقية بازدواجية المعايير مع ملف تواجدالقوات تركية في معسكر بالقرب من مدينة الموصل، وهي الخطوة التي جُوبهت بمواقف رافضة ومستنكرة ومهدِّدة بحُجة أنها لم تُتخذ بإذن مسبق من الحكومة المركزية، وتواجد هذه القوات حاليا يعد غير شرعي لانه لم يتم بموجب اتفاقية دولية بين الطرفين وأنها تشكِّل انتهاكًا للسيادة العراقية . “تواجد القوات التركية في محيط الموصل بصورة سافرة وانحيازها الى طرف سياسي ليس له وجود في الساحة السياسية على حساب باقي ابناء الموصل، يتماشى مع الاجندة الاخيرة التي دعت الى تقسيم محافظة نينوى الى تسع محافظات . ضرورة الحكمة والحذر من التساهل، فيما تقوم بها هذه الدولة الجارة التي تربطنا معها روابط تاريخية  .تركيا مع الأسف تمارس دوراً ربما يؤدي الى كارثة أو حرباً أهلية، لن تسلم نفسها من هذه الحرب، لأن فيها مكونات مختلفة وستؤثر على العراق والمنطقة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات