الصراع الدائر في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم قره باغ لايمكن حصره بين دولتين. بل شمل دول الجوار الإقليمي والدولي. التي ترى نفسها معنية مباشرة بما يجري
من تطورات على الساحة القوقازية.
دول كثيرة معنية بالأحداث فهناك روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
انطلقت السياسة الإيرانية تجاه منطقة القوقاز من عدة اعتبارات سياسية وامنية واقتصادية.وتمكنت إيران من خلالها بناء علاقات جيدة مع دول المنطقة وفي المقام الأول أرمينيا.
التي وسعت من علاقاتها وتعاونها مع إيران في شتى المجالات . حتى وصلت مرحلة الشراكة على النقيض من علاقات إيران مع أذربيجان التي اتسمت بالتوتر وعدم الاستقرار بسبب القضايا والمشاكل المزمنة بينهما ولا سيما قضية تقاسم ثروات بحر قزوين والأقلية الاذرية في إيران.
حيث ترى طهران في أرمينيا الممر الذي يمكن من خلاله أن تمر أنابيب الطاقة إلى روسيا ومنها إلى أوروبا,كما أن أرمينيا تعتمد في مصادر الطاقة( النفط والغاز) على ايران
ستجد نفسها أكثر احتياجا الى الطاقة الايرانية في المستقبل القريب,كما أن توجه طهران صوب أرمينيا لتوطيد العلاقة معها يهدف بالدرجة الأساسية تعزيز نفوذها الإقليمي ومنع واشنطن وتل أبيب من تطويق طهران بشبكة قوية من العلاقات مع دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وعلى
رأسها أذربيجان,وهو ما دفع إيران لاتخاذ خطوات استراتيجية من شأنها اعادة تقييم علاقاتها مع الكثير من الدول بهدف الوقوف على قدم المساواة من واشنطن وتل أبيب التي ترصد ايران من أذربيجان استخباراتيا ولوجستيا وتدعم الحركات المناوئة لايران, اكان ذلك في الداخل الايراني
او من داخل أذربيجان, وهذا ما تعيه طهران وتدرك ابعاده واخطاره وتهديده للأمن القومي الإيراني,بحيث أصبحت أذربيجان في خدمة من يريد أن يبتز او يضغط على طهران لانتزاع مواقف منها او تغيير سياستها الاقليمية في المنطقة.
كما يجب أن لا نغفل مصلحة الولايات المتحدة في تأجيج الصراع في منطقة القوقاز فهي تحاول جاهدة باخراج ارمينيا ولو جزئيا من علاقاتها الوطيدة مع روسيا وإيران, حتى يتيح
لها في المستقبل توفير ممرات للنفط والغاز الطبيعي المستخرج من بحر قزوين, تكون بديلة عن تلك التي تمر بجورجيا, كما وان استمالة أرمينيا تضعف علاقات أرمينيا بنافذتها الجنوبية الوحيدة مع إيران.
في حين تقف تركيا الى جانب أذربيجان في هذا الصراع, لأسباب تاريخية وثقافية وسياسية, إذ أن الشعب الأذربيجاني ينتمي للعرق التركي والجيش التركي عمليا المؤسسة الراعية
للجيش الأذربيجاني, حيث كان البلدان قد وقعا في التسعينات اتفاقيات ثنائية حول التعاون الدفاعي والشراكة الاستراتيجية, ومنذ ذلك الحين تعمل المؤسسة العسكرية التركية بشكل وثيق مع أذربيجان.
ويشير المراقبون أن طموحات تركيا الجيو استراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى جعلت أذربيجان الغنية بالثروات الطبيعية والذي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية حليفها
الأساسي في المنطقة,(وهي صداقة يعززها العداء المشترك لأرمينيا)مما يجعل الأراضي التركية حاجة ضرورية لمرور أنابيب الطاقة إلى أوروبا.
ومن جهة اخرى تريد تركيا من خلال دعمها العسكري لأذربيجان وجلب المقاتلين من سوريا وليبيا أن تغير المعادلات الجغرافية والعسكرية على الأرض, وتجد لها نفوذ واسعا مؤثرا
وفاعلا, يسمح لها في المستقبل فرض ضغوط على روسيا الداعمة لأرمينيا وحملها على المساومة لانتزاع مواقف منها مؤيدة لسياساتها التي تمارسها وإجراءاتها التي تتخذها اكان في سوريا ام في ليبيا او غيرها,كما تشير التقارير ايضا الى ان تركيا باتت منافسا قويا لاسرائيل لبيع
الاسلحة التركية ولا سيما طائرات المراقبة, والتوتر الجديد يدفع أذربيجان الى المضي قدما في شراء الاسلحة التركية وهذا ما يفسر جانبا من رفع الصوت التركي الى جانب أذربيجان وتكرار شعار( أمة واحدة في دولتين) مع علم تركيا المسبق أن دخولها الحرب مباشرة مغامرة غير مقبولة
دوليا وتفتح على مخاطر كبيرة على تركيا نفسها وعلى علاقاتها مع روسيا والاتحاد الأوروبي.
كل المؤشرات تشير بان الصراع الارمني الاذربيجاني سوف يستمر ما دام مرتبط بمصالح الدول الاقليمية التي تحاول جاهدة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية.