منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم وبعد بعض الخطوط الإصلاحية في الداخل خصوصاً في جانب الاقتصادي من الجانب المتعلق بحياة أكثرية الناس من قاعدة الشعب التركي ، بدأ لمتابعي شؤون هذا البلد المهم في المنطقة بوضوح أن حكومة أردوغان تتصرف بغرور بتلك الانتصارات الداخلية معلنةً برنامج تحت عنوان تصفير المشاكل توجه إلى الخارج بقوة ولكن وبالعكس ما كان ينشد المصالحة والسلام مع الجميع فانزلقت تركيا إلى وضع مأزوم يدفعها إلى حافة الحرب ، وكان ذلك نتيجة حتمية لاختيارها طريقة التسرع في تعاطيها المبالغ فيها وغير المنسجم مع خيارات الإستراتيجية الضامنة لاستقرار المنطقة وشعوبها , ورأت تركيا نتيجة ذلك نفسها منغمسة في نزاعات المنطقة دون مبرر منطقي ، لذلك أن تركيا وبعد مرور صعب بألغام الأزمات وسوء التقدير يبدو الآن وصلت إلى مرحلة إعادة النظر ، والآن يرى عدد غير قليل من محللين لأوضاع المنطقة عموماً وتركيا خصوصاً ، وبعد الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني ، كأحد نتائج الاتفاق بين موسكو وواشنطن على حل سياسي للأزمة السورية ، بدأت تركيا تبحث عن تحالفات جديدة على أمل الوصول إلى أي مخرج ينقذها من تورطها المتسرع في الأزمة السورية ( كما أشرنا في مقال حول ذلك بعنوان – تركيا وأزمة سوريا : حسابات تأريخ وخطورة الجغرافيا) حيث قلنا أن ورطة تركيا سيكون لها نتائج سلبية مؤثرة على المدى البعيد على المنطقة وعلى تركيا بالذات ؛ لأنها تدخلت وبشكل أعطى الانطباع عند البعض كأن تركيا هي وراء الانتفاضة وليس فقط مؤيد أو مشجع لها
و كخطوة أولى نرى أنها تخلت عن خطابها الحربي أولاَ ، واستدارت في اتجاه الرياح علها تجد مكاناً في «الشرق الجديد» الذي يولد من رحم المأساة السورية ، وبدأت ذلك بالتوجه إلى إيران وفتح باب التفاهم مع العراق ، وبعد أن رأينا حماس (غريب من تركيا) لتظهر أنها داعم بكل قوة لأحداث سميت بـ (الربيع العربي) مستفيدة من الفراغ الذي خلفه انهيار النظام العربي معتبرة أن التوجه الإسلامي في التحركات قد يحدث ويفتح أمامها باب تلك الدول على مصراعيه وتعود إلى المنطقة كما كانت سلطاناً !
ولم يمر وقت طويل حتى شعرت بخيبة أمل بعد فشل تلك الانتفاضات في ضمان الأمان والاستقرار لشعوبهم ، حيث نرى إطالة في الأزمة السورية كمخطط خطير لإدامة صراعات دموية في عموم المنطقة وفوضى واضحة في تونس وليبيا ورفض الإرادة الشعبية في مصر لأي تدخل خارجي وتركيا في المقدمة ، والآن تتحدث بعض المصادر عن بحث تركي عن أوراق قديمة في جعبتها ، منها إعادة تقاسم النفوذ مع إيران ، وتعتبر تلك المصادر أن ترحيب حكومة أردوغان بالاتفاق النووي وزيارة داود أوغلو إلى طهران الجانب الظاهر من هذه المحاولة ، فهم يعتقدون أن اتفاق إيران مع الدول الخمسة زائد واحد يفتح الباب أمامها للعودة وبهدوء الى المجتمع الدولي عموماً ، كخطوة لإعادة الثقة مع دول المنطقة خصوصاً . على أية حال ، إن تركيا دولة محورية تلتقي عندها مصالح الكبار في المنطقة ، تلك المصالح التي لن تسكت هؤلاء الكبار إذا اتجهت حكومة تركيا إلى دور المشاكس في التعامل معها تحت عناوين مختلفة مؤثرة حتى لو كانت مرحلية على قوى الإقليمية ، ويبدو أن أردوغان شعر أن تصرفات حكومته من هذا المنظور لا يؤدي إلا إلى محاصرة تركيا بمشاكل لا توجد القدرة على مواجهتها ، لذا توجه إلى الاعتدال في التعامل مع ما يدور حول تركيا التي من المؤكد أن لها تأثيراً مباشراً داخل البيت التركي .