قام (أردوغان) في بداية حكمه لتركيا ، بتوظيف الأزمة المشهورة مع (اسرائيل) من خلال حادثة سفينة (مرمرة) ، ونجح في مسرحية استعراضية ، كسْب تأييد الرأي العام التركي والعربي ، وكأن الرجل يعرف أن العقلية العربية تمتلك ذاكرة قصيرة الأمد جدا ، وانها متعطّشة لأي مكسب سياسي يُسجّل على اسرائيل مهما كان تافها ، وبعد أن أتت تلك الأزمة اُكُلَها ، تلاشت وعادت تركيا وأسرائيل (حبايب) كما هو شأنهما دائما وعلى حساب قضايانا حصرا ! . يلاحظ المتابع للأخبار ، أن لتركيا اصابع في جميع محاور وقضايا الشرق الأوسط ، أما بصورة مباشرة أو من خلال سياسة (دس الأنف) على الأقل ، من أهم هذه القضايا ، مدى جدّية تركيا في الحرب على داعش الذي يتمتع بمزية قد لا يمتلكها جيش نظامي ، ذلك هو وفرة العتاد الحديث المصنّع عام 2016 ! ، الى درجة (الأسراف) كما هو واضح للجميع ، ولا يخفي المتابع العادي للأخبار دهشته من التناقض بين ضربات الطيران العراقي وضربات ما يسمى (التحالف الدولي) على الأراضي العراقية من جهة ، وضربات الطيران الروسي وفعاليات الجيش السوري على الأراضي السورية من جهة أخرى وهو يرى الضربات الجوية (المبهرة) والأنتصارات على الأرض ، وموت العشرات من أفراده يوميا ، بحيث سيكون من المستحيل منطقيا على هذا التنظيم الصمود لأيام وهو يعاني من هذا الأستنزاف الهائل ، لكن الواقع على الأرض غير ذلك ، فقد طال أمد أنهيار هذا التنظيم !.هذا يعني أن لداعش شريان ضخم ، بل عدة شرايين لتدفق المال والسلاح الذي يبدو أنه (آخر موديل) حتى هذه اللحظة ، الى درجة أمكانية أمتلاكه للصواريخ المضادة للطائرات ، والدليل الغموض والتعتيم حول مأساة طائرة الأستطلاع العراقية منذ اسبوع ، ومصير طياريها الثلاثة ، التي قيل عنها انها كانت ضحية لأحد هذه الصواريخ ، أو أنها سقطت بقذيفة مدفعية ضد الجو عيار 57 ملم.تقارير غربية تؤكد ، ان تركيا عملت كوسيط للتحويل المالي لهذه الجماعات لمليارات الدولارات من دول الخليج ، ولن نتفاجأ من الأستنتاج أن لتركيا عدة شرايين مع داعش ، لتجارة النفط وتدفق السلاح والمال ، رغم أن التصوير الجوي للطائرات الروسية قد أظهر أرتال ضخمة من منافذ تركيا الحدودية مع المناطق النشطة داعشيا دخولا وخروجا كان دليلا ملموسا ، لكن سرعان ما أهمله ما يسمى (المجتمع الدولي) ! ، وتفلّتتْ تركيا من هذا الأتهام ، من أنها تدعم (الجماعات التركمانية) المحسوبة على ما يسمى (المعارضة المعتدلة) !.ظاهريا تبدو تركيا(كعضوة في الناتو) على أنها طرف ضد داعش ، لكنها استخدمت هذه المظلة لضرب عدوّها التقليدي المتمثل بحزب العمال الكردستاني دون هوادة في الغالبية العظمى لضرباتها الجوية ، وتدّعي عمليا أنها تتماشى مع الرأي الغربي عموما والأمريكي خصوصا ، في دعم ما يسمى(المعرضة المعتدلة) لأسقاط نظام الأسد ، ذلك المصطلح الفضفاض المبهم الذي لا يضم لحد الأن جدولا محددا ومتفقٌ عليه لتسمية هذه الجماعات ! ، هذه الفرية السياسية التي جرّت الويلات وأنهار من الدم على الأرض السورية ، وما رافقها من فضائح متكررة لحصول داعش على أسلحة أمريكية ، سبق واُرسلتها أمريكا الى هذه المعارضة المزعومة ! ، دون شعور أمريكا أو تركيا بالحرج من هذه الفضائح ، لوجود طوق نجاة لهما أسمه (المعارضة المعتدلة) ، هذا الطيف الجهنمي العريض الرمادي ، لا هو بالأسود ولا بالأبيض ، والذي يبدأ من بعض فصائل داعش ، مرورا بجبهة (النُصرة) ، وينتهي بالجيش الحر ! ، يبدو وكأنه غباءً سياسياً ، ولكنه شيطاني بأمتياز ! .تركيا منهمكة بالحصول على أكبر عدد من أوراق اللعب ، نعم ، فالأمر في نظر هؤلاء لا يعدو سوى لعبة ، فبالأضافة الى ورقة المياه ومبدأ (النفط مقابل الماء) ، هذا الملف الشائك والخطير ، والذي يهدد بزوال دولة كالعراق ، هناك بعض المزاعم التي رشحت من مفاوضات تركيا مع الأتحاد الأوربي فيما يخص أزمة اللاجئين ، انها تريد توظيف هذه المأساة الملحمية لعدة مكاسب ، ظاهريا طلبها من دول الأتحاد الأوربي ، الغاء تأشيرة مواطنيها عند سفرهم الى دول الأتحاد ، وخلف الكواليس ، يتم التفاوض حول الطلب التركي ، وهو انشاء (مناطق آمنة) بين تركيا ومناطق تواجد داعش في العراق وسوريا ، وكأنها تراهن على بقاء داعش لأطول فترة ممكنة !، مبدأ المناطق الأمنة هذا ، فضفاض هو الآخر ولا يقل خطرا عن مبدأ (المعارضة المعتدلة) بحيث يعطي لتركيا مبررات مفتوحة للمزيد من الغزو والأحتلال والأنتهاكات ، ولا نعرف ما هو مدى وأبعاد هذه المناطق الآمنة ! ، هذا هو التهديد الجدّي الذي مصدره الشمال ، أما من الجنوب ، فهنالك مناورات (رعد الشمال) الأكبر في تاريخ المنطقة بقيادة السعودية ، وليس غريبا أن تجري قرب الحدود الجنوبية للعراق ، الغرض منها بناء جاهزية عسكرية لأختراق البر العراقي من الغرب وفتح منفذ محتمل الى البر السوري ، هكذا يبدو العراق على أحوج ما يكون في تاريخه ، الى بناء قوة عسكرية ، ونشاط دبلوماسي محموم وصاخب ، لكن المعطيات الحالية ، بعيدة عن ذلك كل البعد .