إستغربتُ فحوى عنوان تقرير في صفحة داخلية من جريدة (الزمان) البغدادية ليوم 12/7، يقول [ تركيا تعتقل 21 شخصًا بشُبهة انتمائهم إلى داعش]، ومصدر النبأ رويترز/ وكالة الأناضول، الذي أفاد أن الشرطة التركية ألقت القبض عل 21 شخصُا معظمهم مشتبَهون بانضمامهم لتنظيم داعش الإرهابي، ضمنهم ثلاثة أجانب، كانوا يخططون لدخول سوريا كي ينخرطوا في صفوف التنظيم المذكور الذي يقاتل قوات الرئيس السوري كما يقاتل الفصائل المسلّحة المعارضة للنظام السوري التي يدعمها الغرب.
ومردّ استغرابي فحوى النبأ هو يقيني أن تركيا كانت خلال العقد الأخير أرحب حاضن وداعم لهذا التنظيم المدمِّر، وكانت أراضيها خير مرعى لأفراده وعصاباته، حتى عُدَّت جسرًا عريضًا لعبورهم إلى سوريا، وذلك تنفيذًا لتنسيق ثلاثي خبيث لئيم بين تركيا والتنظيم الداعشي والنظام السوري نفسِه لغرض ضرب قوى المعارضة السورية والجيش الحر السوري.(أنظر مقال الأستاذ فاتح عبد السلام، المنشور على الصفحة الأخيرة من (الزمان) ليوم 1/7). كما أن القبض المذكور قد جاء إستجابةً لضغوط على تركيا ـ كما يذكر النبأ ـ من قِبل حلفائها في حلف (الناتو) كي تسعى السلطات التركية للحيلولة دون عبور المقاتلين الأجانب لصالح داعش من حدودها نحو سوريا ـ كما ورد يصراحة في العمود الأول من التقرير.
وليس من المستغرب الآن أن يضغط حلف (الناتو) الإستعماري على تركيا أن تحُول سلطاتها دون عبور هذا السيل الإرهابي التخريبي عِبرَ حدود تركيا مع سوريا، بعد أن أدرك الحلف المذكور والدول الأوربية المهووسة بتطبيق مخطط تقسيم الشرق الأوسط الجديد الإجرامي الصهيوني ـ الإستعماري العولمي ـ أقول بعد أن أدرك الحلف المذكور والدوَل الدائرة في فلكه (متاخّرين !) أنّ ضربات موجِعة إرهابية شديدة، داعشية وغيرها ، ستنهال على العواصم والمدن الأوربية والأمريكية وغيرها، بل ستليها العاصمة التركية نفسها وحواضرها، تطبيقًا للمثل الحِكَمي المأثور: (من حفر بئرًا لأخيه، وقع فيها)، ومن أشعل نارًا لحرقِ جاره، إكتوى بلهيبها. هذا قانون حياتي، يجهله ويتجاهله الغربيون الملحدون( في غالبيتهم مع ساستهم) الناؤون جدًا عن المسيحيّة الأصيلة التي يعتنقها مسيحيّو المشرق، كما يعرفه ويقرّه المسلمون الحقيقيون المعتدلون المجرّدون من الإرهاب والتطرّف وسلوكيات الإسلام السياسي. إذ لا يجني الزارع إلاّ ما زرع. وكما لا يُجنى من الشوكِ عِنب، لا يُجنى أيضًا من العوسج تِين!
كي يطبّق ساسة الغرب مخطط الشرق الأوسط الجديد لتغدو أنظمته الحاكمة ثمانين بدلاً من خمسين حاليًا، خدمةً لمآربهم الأشعبية، إرتأوا في مطالع التسعينيات أن يُتيحوا المجال لإيواء أعداد غير فليلة من جيل الإسلاميين المتشددين والمتطرّفين والإخوانيين يُقدّر بالآلاف في عواصمهم
ومدنهم الإنكليزية والفرنسية والأمريكية خصوصًا: لندن/لستر/ باريس/ ليون/ نيويورك وغيرها، بعد أن تشبّع الغربيون وساستهم بآراء برنارد لويس الإنكليزي/الأمريكي/الصهيوني المسمومة، وبآراء تلميذه الخبيث كيسنجر الصهيوني المعدود مهندسًا للسياسة الأمريكية العرجاء الفلجاء العشواء، ألا وهي الآراء التي تبث الفِرقة والنزاع والتكفير إلى حد الإحتراب بين جناحَي الإسلام: (الشيعة والسُنّة)، وبذا يضمن الغرب السلام والأمن والعيش الرغيد، وضمان عدم قيام الحضارة الشرقيةـ ا لعربية ـاالإسلامية. فكانت أحدث عمليات تنفيذ المخطط من خلال عمليات ثورية إنقلابية أطلق عليها الإعلام الغربي صفة ” الربيع العربي” تمويهًا، فإذا هي سيول وسلاسل من أعمال إرهابية إجرامية في العراق وتونس وسوريا وليبيا ومصر كما هي جارية الآن في هذه الأقطار، وقد وصلت مؤخّرٍا إلى اليمن والسعودية والكويت. لكن الإرهابيين ـ الذين احتضنهم الغربيون في بلادهم منذ أوائل التسعينيات ـ سرعان ما طفقوا يقضّون مضاجع الغربيين في عقر دورهم بقيادات سيف الله بن حسين التونسي (أبو عياض)، وسيف الدين الزرفي، وأبي قتادة الأردني الذي كان يُلقي دروسًا متطرّفة قرب محطة (بيكر ستريت) في لندن، وموصوف عند الغربيين بكونه سفير تنظيم القاعدة الروحي في أوربا. فما وراء إحتضان أوربا لهذا السفير من خيرات(!)؟ وما هي مَهَمَّة مسجد (فينزبري بارك) الذي سيطر عليه (ابو حمزة) المصري السجين الأن في أمريكا؟ وماذا عن جمال بيغال الجزائري الذى عاش في (لستر) البريطانية في التسعينيات، وقًبض عليه في 2011 في دُبي عند عودته من أفغانستان ، وكان قد قضى معظم ال15 سنة السابقة في سجون فرنسية؟ وإحتفظت بريطانيا بإرهابيين نظير هؤلاء خدمةً لآجنداتها الخاصّة للربيع العربي(!) في تونس وليبيا وسوريا ومصر. لكنّ هؤلاء الإرهابيين المتطرّفين قد جنّدوا الشباب الأوربي، وأرسلوهم للقتال في صفوف داعش وغيره كما حدث في فرنسا في حزيران المنصرم وقبله بشهور في باريس، وكما قُتل 27 سائحًا بريطانيًا في سوسة التونسية؛ وهوذا كاميرون البريطاني يتوقّع هجمات إرهابية مزلزلة على بريطانيا.
رجوعًا إلى تركيا الأثيرة عند أمريكا بصورة خاصّة، نجد أنها قبل أعوام قليلة من انسلاخ العقد الأخير من القرن العشرين، أقامت أمريكا أكثر من قاعدة عسكرية جوية في تركيا. وزيّن لها الغربيون الطامعون ـ عِرفانًا بفضل امتثالها لإرادة أمريكا لإنشاء القواعد على أرضها ـ بأنها ستغدو ـ كما يريدون ـ أقوى دولة مهيمنة على الأنظمة الحاكمة في الشرق الآوسط الجديد ـ وهذا لا ريب قصدٌ مبطّن: هو الوقوف حيال النظام الإيراني الثيوقراطي والمخالف لتركيا إيديولوجيًا؛ كما أمّلوها في إحتمال انضمامها الى سوق دُوَل الإتحاد الأوربي. فانتفش ريش الديك الرومي (التركي)، وبات يحلم حتى نهارًا بإعادة أمجاد السلطنة العثمانية أيام زمان، لتقف حيال إيران التي هي أيضًا تحلم ليلاً ونهارًا باستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية في عهود الأخمينيين والبويهيين والساسانيين والصفويين؛ غافلين أو متغافلين أن عهود الإمبراطوريات فد ولّى إلى غير رجعة، وأن الظروف أضحت مؤاتية لإقبال عهد العولمة.
فبرزت للوجود في تركيا نزعات لتطعيم نظام حكمها العَلماني بجرعات خفيفة من توجّهات إسلامية معتدلة رويدًا رويدًا، ذوات أغشية إقتصادية وأجتماعية من خلال حزبين حاكمين خلال
العقود الثلاثة الأخيرة، يحملان مسمّيات ” العدالة” و “الرفاه”، حتى غدت تركيا في الأعوام الأخيرة من مطالع القرن العشرين موئلاً للإسلاميين المتشددين، وداعمةً للإخوان المسلمين، فكان موقفها معروفًا إزاء مصر إبان الأعوام 2012 ـ 2014 وحتى الآن في انحيازه إلى الإخوانيين على الرغم من مساوئهم العديدة، منها الإرهاب وعدم الإعتدال والفطنة والشعور الوطني، ومؤخّرًا غدت تركيا منتجعَا ومحطّة للإرهابيين والسلفيين والتكفيريين، وقبل عامين خصوصًا أمست بشكل سافر راعيةً ومصدّرةً لأرتال وأفواج من الأرهابيين من كل حدَب وصوب ومن جنسيات عِدّة إلى سوريا والعراق، بحافز إستعادة هيبة وأمجاد وهيمنة السلطنة العثمانية ـ التي اندثرت قبل قرابة قرن ـ على أقطار الشرق الأوسط الجديد، وطمعًا في شطر من شمال سوريا كما سبق لها أن نهشت لواء الإسكندرون السوري في عام 1936 بتواطؤ مع فرنسا وبريطانيا. وتأكيدًا لإحتضان ورعاية تركيا لداعش، أضيف أن بعض المانشيتات المتلفزة نقلت أنّ عناصر داعش في العالم تحتفل بعيد الفطر هذا العام في أنقرة ! غير أنه، كما توقّعتُ في الفقرة الثالثة من هذا المقال، وبعد يومين من تنضيدي هذا المقال في 19 تموز، أُذيع نبأ وقوع عملية إرهابية لداعش في مدينة (سروج) التركية في يوم 21، وتلتها عملية إرهابية لداعش في ميناء الإسكندرونة التركية (السورية قبل 1936) في يوم 23. .
فهل عرف رؤساء الأنظمة الحاكمة الآن في أقطار الشرق الأوسط حقيقة دور تركيا في هذا المخطط الإجرامي التآمري من خلال معرفتهم وفائع الأمور التي جرت منذ عام 2003 حتى الآن وما سوف يجري قابلاً ، كي يكونوا مؤهّلين نفسيًا وفكريًا وماديًا لإفشال المخطط الغربي ـ الصهيوني، وليحولوا دون تحقيق المرام التركي، وقبل ذلك أن ينبذوا الشِقاق والشحناء بين الطائفتين المسلمتين، ليقولوا لتركيا اليوم وغدًا وبعده: (خدعوكِ بقولهم ” حسناءُ) ؟!