بلا شك ان تأثيرات الازمة السورية على مجريات الازمة القائمة بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة المركزية كبيرة جدا بالاستناد على جملة من الحقائق على ارض الواقع المتازم هناك التي تدفع بالحكومة المركزية ان تسعى جاهدة باتجاه ما يضمن من سلامة اوضاعها السياسية والاقتصادية ،في ظل مؤشرات واضحة ان تداعيات ما بعد سقوط النظام هناك هي اعمق واكبر من ان تكون محصورة في اسقاط ، لنظام يتجاهل النداءات الدولية والاقليمية بضرورة احترام حقوق الانسان أو اجراء اصلاحات سياسية ، فيما نجد ان حكومة اقليم كوردستان تسعى بالمقابل لتكون قريبة من الشعب الكوردي هناك ، ومن طموحاته القومية والوطنية من خلال تقديمها للمساعدات الانسانية بسبب تردي الاوضاع جراء اتساع رقعة العمليات العسكرية للنظام الذي لا يستثني أحدا من نتائجها ، والتي تحاول اطراف عدة ابعاده عن سير الاحداث وحصر وجوده القومي بالوعودات المرحلية الزائفة كالتي هي سائدة في ايران وتركيا والعراق ، ومن ثم الانقلاب عليها….
التحركات التركية على اكثر من محور ، ودورها في رسم الاحداث في المنطقة التي تخشاها ايران ، توحي بان هذه الدولة عازمة على ان تكون اللاعب الاكبر وجودا في الساحة بفضل الدعم السعودي والقطري لها ، اللذان يجدان في اطالة عمر النظام السوري انتكاسة سياسية كبيرة ربما تكون عواقبها وخيمة على مجريات الاحداث في المنطقة ، في ظل مؤشرات تؤكد ان ايران عازمة على فرض وجودها بكل الوسائل المتاحة لتكون ندا قويا امام التيارات الاسلامية الزاحفة التي تحاول سحب البساط من تحت أقدام الشيعة الذين وفر لهم عملية سقوط النظام في العراق فرصة النهوض المذهبي بعد مئات السنيين من التهميش والاقصاء..
ومن هنا نجد ان ايران تقف بالضد من هذا الدور الذي يكون بلا شك على حساب تقليص دورها في المنطقة ، والذي بدأ فعلا يستعد لها بكل ما أؤتي من قوة ونفوذ للحيلولة دون الوقوع في اي خطأ استراتيجي تعيده الى مرحلة ما قبل الثورة الشعبية التي اطاحت بالنظام ((الشاهنشاهي)) عام 1979 … لذلك نجد ان ايران تستعد لمواجهة احتمالاتها بخصوص برنامجه النووي ، وبتدخله المباشر في الشأن السوري الذي يجده كساحة اخيرة التي تحافظ على نفوذه ومصالحه في العراق الذي يجد بدوره ان مصلحته تسير على خط واحد مع مصلحة ايران في سوريا ، ومن ثم وقوفه بجانب التيارات الشيعية في منطقة الخليج التي بدأت تشكل ضغطا سياسيا في هذه المنطقة ، التي حرصت أمريكا وبريطانيا منذ أمد طويل ان تكون بعيدة عن متناول الاطراف الشيعية بسبب خشيتهم من ان تتحول هذه المنطقة الى بؤرة للتوترات نتيجة لتداخل اكثر من عامل سياسي وديني الذي من شأنه ان يضر بمصالح الغرب عموما ، وهي مسلمات لا يمكن ان يكون العراق بمعزل عن تداعياتها وآثارها المستقبلية ، في وقت والمخاوف التركية قائمة من ان يتسع الدور والنفوذ الايراني في العراق بشكل عام وكركوك بوجه الخصوص ذات القاعدة الاقتصادية المهمة من حيث الثروات النفطية والغازية الهائلة التي من شانها ان تؤثر سلبا على مصالحها في هذه المدينة ….
واليوم والمشهد السياسي في ظل عدم قدرة نوري المالكي على بناء التوافق مع شركائه السياسيين في العراق للحيلولة من ان يصبح العراق ساحة مفتوحة للصراعات ، نجد ان هذا المشهد بدأ يظهر عليه علامات الشلل والركود ، منها ما يتعلق بالجبهة الداخلية التي تعاني من شرخ واضح في العلاقات السياسية نتيجة لانعدام الثقة بين كل اطرافها ، او فيما يتعلق بعدم وجود دعائم الدولة المؤسساتية التي تنخر الفساد جسدها من كل صوب ، و التي اضعفت من قدرته على الوقوف بوجه الازمات الخطيرة المتلاحقة التي تواجهه ، والذي يحاول ان يضع كل ازماته في بوتقة صراعه مع حكومة اقليم كوردستان ، واعتبارها سببا لكل الازمات التي تعاني منها العراق …..
وهذا يعني باختصار ان نوري المالكي قد اخطأ مرارا في توظيف سياسة عقلانية تجمع مشاركيه في العملية السياسية على مائدة الحوار دون فرض املاءات فرضت عليه من جهات اقليمية تخشى من سير الاحداث في المنطقة ، ومهد السبيل لنفسه التحكم في مؤسسات الدولة ومقرراتها ، الذي وضعه على اعتاب المراحل الاخيرة من مخططه الهادف بالانفراد بالسلطة ، لذلك نجده ان ضغوطاته باتجاه فرض الهيمنة الكلية على القرار العراقي دون استشارة احد قد وضعه في موقف لا ي حسده عليه أحد ، وربما ليس ببعيد ان تكلفه الكثير في ضوء المعارضة الشديدة التي تبديها حلفائه لسياساته في قائمة التحالف الوطني ، بل ورفضهم التام لزج الجيش في صراعاته السياسية مع الخصوم ، باعتبارهم ان الجيش ليست بمؤسسة عسكرية تابعة لأحد ، بل هو سور للوطن الذي ينبغي ان يكون فوق كل الاجتهادات السياسية والفكرية …في وقت وقد بدأ العد التنازلي للنظام السوري تهيمن على الاجواء ، التي يتطلب من المالكي أولا وأخيرا تحصين جبهتنا الداخلية ، لكي لا تتحول الى ثغرة تنفذ منها اللاعبون الكبار الذين يفوقوننا عددا وعدة بحجة حمايتنا من ((الشيطان الاكبر))…!!!