18 ديسمبر، 2024 7:39 م

تركيا القرارات المحيرة والاوجاع الجديدة

تركيا القرارات المحيرة والاوجاع الجديدة

تركيا تعتبر دولة شرقية أكثر من كونها دولة أوروبية ، لأن القسم الأكبر من أراضيها تقع في آسيا، ما عدا اجزاء صغيرة من أراضيها في أوروبا. وتعد تركيا دولة علمانية لأن دستورها ومبادئ أتاتورك تنص على ذلك. واما البعض الاخر ينظرلها بأنها تسير في الركب الأوروبي منذ فترة طويلة جداً وقد انطلقت مسيرتها نحو الانضمام إلى المجموعة الأوروبية في 31 يوليو 1959، حين تقدمت بطلب الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة، وبعد المفاوضات وقعت معها في 12 سبتمبر 1963 اتفاقية أنقرة التي أسست لشراكة خاصة بين تركيا والمجموعة الأوروبية و الخطوة الأولى باتجاه الانضمام إلى أوروبا، تقدم بها رئيس الوزراء التركي الأسبق عدنان مندريس، ومنذ ذلك الوقت تسعى أنقرة لتحقيق هذا الحلم، وتخطو خطوة تلو أخرى، ولكن الطريق الذي يمتد أمامها ما زال طويلا، وقد لا ينتهي.

وفي السنوات الاخيرة رغم محاولة حزب العدالة والتنمية  الحاكم تحقيق ذلك ولكن تصطدم  بصبغة الدولة الاسلامية على حاكميتها. الخلافات بين تركيا والغرب عميقة وتاريخية وليست وليدة الأزمة الحالية ، ومن هنا تأتي إلى رفض دول الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا، ورفض بابا الفاتيكان بانضمامها للنادي الأوروبي، معللًا بأنه لا يجوز لدولة مسلمة الانضمام للنادي .

وسبق للبرلمان الألماني ايضاً اتهم الدولة العثمانية بإبادة نحو واحد ونصف مليون من الأرمن والتي ترفضها انقرة ، ما أثار أزمة كبيرة بين المانيا وتركيا، ثم حدثت أزمة الصحفي دينيتز بوجيل المحتجز في تركيا، والذي يحمل الجنسيتين الالمانية والتركية، والذي احتجزته أنقرة بتهمة التجسس لصالح المانيا ما أثار خلافات واسعة بين البلدين.

الاحداث المتسارعة التي نلمسها تؤكد ان  الغرب ليس براض عن سياسة تركيا تجاه مجمل الأزمات التي تحدث بالمنطقة  وأنه يحاول بشتى السبل تغيير هذه السياسة من خلال الضغظ على أنقرة وحزب العدالة والتنمية الحاكم . وبعيدا عن الخطوات والإنجازات التي حققها هذا الحزب بتركيا على الصعيد السياسي وهو ما يقلق الغرب في الآونة الأخيرة من تزايد الدور التركي السياسي والاقتصادي والأيديولوجي في المنطقة وفي دعم التطرف  وعدم دورانه في فلك الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية في كثير من الملفات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الأزمة السورية  و الموقف من المشاركة الفعالة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية و في عدم فتح أراضيها أو مجالها الجوي لقوات التحالف .

وإزاء هذا الموقف التركي بدأ الغرب بشن حملة إعلامية شرسة على تركيا  وذلك من خلال اتهامها بوجود علاقة سرية مع تنظيم الدولة , بالإضافة لاتهامها بتسهيل مرور المقاتلين الأجانب إلى سورية والعراق , ناهيك عن اتهامها بالسماح لتنظيم الدولة بتسويق نفط الأراضي التي يسيطر عليها في السوق السوداء عبرمدن جنوب تركيا .

مع النفي التركي الرسمي لكل هذه التهم إلا أن ذلك لم يوقف مسلسل الاتهام والتعبير عن الغضب الغربي من السياسة التركية الأردغانية . في الحقيقة هذه التصرفات اغضبت الغرب وهي مستاءةٌ من تطلعات أردغان وسياساته الذي بدوره شدد على أن “تركيا بتقدمها باتت تتحدى العالم بأسره، وأوروبا ترغب في الحد من هذا التقدم”. رغم ان اوروبا  تعمل بكل السبل من أجل ابقاء تركيا فى حضنها من جديد  وتبذل مساعي لتحجيم أي دور لها في المنطقة لا اقل في الوقت الحالي ومن هنا كانت أزمة جديدة تفاقمت في سلسلة الخلافات الدائرة بين تركيا والدول الأوروبية، وذلك بعد ان رفضت تلك الدول تنظيم تجمعات للأتراك المقيمين في بلادها، حتى يلقي فيها وزراء أتراك خطابات للترويج لاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس الحق في تعيين نصف أعضاء مجلس القضاء، وتعيين مجلس الوزراء وتعديل الحكومات، وتلغي منصب رئيس الوزراء، وفى حال الموافقة على التعديلات في الاستفتاء، يمكن أن يحكم أردوغان تركيا حتى عام 2029.. على كل حال أن العلاقات التركية الأوروبية متوترة في الأساس، بسبب رفض الغربيين التعديلات الدستورية التي يرون أنها ضد الديمقراطية، ولذلك فمن الطبيعي رفض إقامة تلك التجمعات على أرايهم . وعازين ذلك  الرفض لاسباب امنية في الاساس ، مؤكدًا أن الجاليات التركية تضم أعدادً كبيرة، منهم بالطبع المؤيد ومنهم المعارض، ما يثير خوف تلك الدول من حدوث مشاحنات بين الطرفين خلال التجمعات . ومع تصاعد   الأزمة استغلتها الحكومة ، و أردوغان حاول أن يستفيد منها سياسيًا، ولذلك فقد أرسل وزيرة الأسرة التركية ووزير الخارجية الى دول اوروبية لغرض دعم القرارات التي ينوي اردوغان تعديلها في تثبيت الحكم الرئاسي  ، ليزيد من حدة وتفاقم الأزمة،لتجابه بالمنع من دخول بلدانها كما فعلت الحكومة الهولندية بوزير الخارجية مولود جاويش اوغلوو تقول إنها عبرت مرارا، عن عدم استعدادها لتنظيم المسؤولين الأتراك، لقاءات جماهيرية مع الجالية التركية في أراضيها، لاعتبارات تتعلق بالأمن العام، كما أن ما فعلته يدخل في إطار سيادتها على أراضيها، إضافة إلى أن قيمها الديمقراطية، تمنعها من دعم أردوغان في ما ترى أنه سعي من قبله للتفرد بالسلطة في تركيا. وترفض الاعتذار عن هذا التصرف الذي يعتبر مناقضا لاتفاقية فيينا للحصانات الدبلوماسية وتركيا تواصل تهديدها بأن هولندا ستدفع الثمن على مواقفها المسيئة للوزراء الاتراك واعلنت عن تعليق العلاقات معها فكما ان  التهديدات التركية الهولندية تأتي من اعلى المستويات حيث اكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأن هولندا ستدفع الثمن واصفا تصرفات السلطات الهولندية بالتصرفات النازية والفاشية وانهاء الاتفاق حول المهاجرين ما يثير اوجاع الهولنديين والاوروبيين عموما  في غضون ذلك حذرت هولندا مواطنيها على الاراضي التركية من الصدام مع السلطات التركية معتبرة اياهم رهائن لدى تركيا ..كما تطالب بعض البلدان الاخرى وعلى رأسها المانيا حيث وصفت انجلا ميركل بتصريحات اردوغان بالسخيفة واتهمته بدعم الارهاب كذلك في عدم افساح المجال لمثل هذه الممارسات لغرض عدم اثارة الاوضاع الامنية في تلك البلدان خوفاً من وقوع اصطدامات بين المؤيدين والمعارضين من الجالية التركية المنتشرة فيها ومن المتوقع ان تصطدم تركيا بعقبات مماثلة من دول اوروبية اخرى اذا لم يتم تطويق الأزمة واحتواؤها…. في حين سمحت فرنسا للوزير التركي بلقاء الرعايا الاتراك في فرنسا دون موانع … اما الدانمارك فقد طلبت تأجيل زيارة الوزير التركي لاتخاذ الترتيبات اللازمة لذلك … ومن المتوقع ان تصطدم تركيا بعقبات مماثلة من دول اوروبية اخرى اذا لم يتم تطويق الأزمة واحتواؤها واذا لم تعتذر هولندا عن تصرفاتها المخالفة لاتفاقية فيينا للحصانات الدبلوماسية قد تتحول الى ازمة في مرحلة حرجة ودقيقة تتمثل بالمرحلة الأخيرة للحرب على داعش وهي معركة الرقة بمشاركة قوات امريكية وانخراط تركيا بفاعلية في هذه المعركة في شمال سوريا ويعتقد ومن المرجح ان يتدخل  حلف «النيتو» بعد ان دعا الامين العام للحلف الاطلسي نيس ستو لتنبوغ الى نزع فتيل الازمة و الذي يخشى انسحاب تركيا منها لامتلاكها  ثاني اكبر جيش داخل الحلف بعد الولايات المتحدة وكذلك الجهود الفرنسية في تطويق الأزمة .في الحقيقة ان أردوغان لم يتوقع أن تصل الأزمة إلى هذا الحد وأن تتشدد الدول الأوروبية في موقفها الى هذه الدرجة .