7 أبريل، 2024 7:29 ص
Search
Close this search box.

تركيا العلمانية بين مخالب تركيا الاسلامية       

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يكن اردوغان مصيبا يوم فتح ابواب تركيا لفصال التطرف، مثل داعش والنصرة، وفي السياق نفسه كان موقفه المساند للاخوان في مصر، حتى عُدَّ من قبل منظري التطرف الاسلامي وفقهائه على انه زعيم الحراك الاسلامي الراديكالي، بل انه كان يعد نفسه ليعلن بشكل او باخر خليفة للعالم الاسلامي بعد ان صرح جهارا بنسبه العثماني، بل واعلن عن افتخاره بهذا النسب، ودفاعه المسميت عن اسلافه، الذي بدا واضحا في موقفه من مرقد سليمان شاه، احد اسلافه العثمانيين في حلب بسوريا، التي سعى الى تحويلها الى محمية تركية، فهو لافتقاره الى الحكمة السياسية، قد جاء بالدب الى كرمه، اي عنبه، كما يقول المثل اللبناني، فالمسافر عبر اسطنبول يرى بعينيه، حركة افراد الفصائل المسلحة المقاتلة في سوريا واضحة، ومعظمهم كانوا يتخذون من تركيا محطة للذهاب الى سوريا او العودة منها، فكان يستثمر في المعاناة السورية، كما استثمر غيره من سعوديين وقطريين وامارتيين ايرانيين وروس وامريكان، حيث الصراع اللاخلاقي بين نظام دموي دكتاتوري ومعارضة متفلتة عن كل قيمة دينية او اخلاقية، على الرغم من ادعائها الاسلام، صراعا لا يستند الى اية قيمة دينية او اخلاقية، ولكن استثمارا كهذا، في معاناة شعب مسلم مغلوب على امره، لا يمكن ان يتوافق وقيم الاسلام العظيم الذي تدعي جميع الاطراف، الانتماء اليه والدفاع عنه، باستثناء الروس الذين يجاهرون علنا بهويتهم الصليبية، والامريكيين ايضا وان كانوا يخبئون هويتهم الصليبية خلف مظهر علماني ،
المعروف ان الجمهورية التركية وفيةٌ لمؤسسها اتاتورك العلماني الحاقد على الاسلام، ولكن لنقل بوضوح انه حاقد الاسلام العثماني، وهو اسلام مشوّه مثله مثل الاسلام الاموي والعباسي، وان كنت لا اميل الى تعدد اسماء الاسلام، لانه ليس هناك سوى اسلام واحد، بلغه سيد الخلق رسول الله محمد (ص)، حتى تسمية الاسلام المحمدي انا امقتها، لانها تنسب الاسلام الى محمد (ص) ، في حين انه حقيقة دين الله تعالى المبلغ الينا عن طريق سيدنا محمد (ص) .
   المهم تركيا علمانية، وهي كانت طامحة الى الانضمام الى الاتحاد الاوربي، وهو هدف لو تحقق لكانت هناك تركيا اخرى علمانية تماما، ولشرع برلمانها قوانين والغى اخرى، بهدف صقل صورتها على وفق هويتها العلمانية الاوربية، الا ان معارضة بعض دول الاتحاد الاوربي، وبقاء تركيا معلقة بين الدخول الى الاتحاد الاوربي والبقاء خارجه، جعل اردوغان يلعب في الوقت الضائع لعبة الازداوجية، التي تعني ان تركيا تظهر وجها علمانيا في تعاملها مع اوربا، ووجها اسلاميا في تعاملها مع محيطها الاسلامي، فكان يفتح ابواب تركيا لداعش والنصرة، بما يظهره قائدا للصحوة الاسلامية، ويضغط على الغرب الحليف لدعمه من اجل الفوز بدور اقليمي كبير في المنطقة الاسلامية، بوصفه قائدا علمانيا لدولة مسلمة كبرى، وكان من تداعيات ذلك ان انخرطت تركيا بشكل او باخر في الربيع العربي، الذي اوصل الاخوان الى حكم مصر، ومن ثم انقلاب السيسي على الاخوان، ما اعاد رسم ملامح المنطقة بطريقة لم يشتهها اردوغان، فزاد في انخراطه في الازمة السورية يدعم التطرف، الامر الذي وتر علاقته مع مصر، وجعل علاقته مع السعودية باردة، نظرا لخشيتها من استخدامه ورقة الجماعات الجهادية ذات الاصول السعودية ضدها، وهو لن يتواني اذا ما اقتضت مصلحته ذلك.
   وقد القت مشاكل الدولة التركية مع الكرد، وهي مشاكل تمتد الى بدايات القرن الماضي، حيث بدا الكرد طموحهم لتاسيس دولتهم المستقلة على اراض من ايران وتركيا والعراق وسوريا، القت تلك المشاكل بظلالها على العلاقات الاوربية التركية، فباتت ازدواجية الموقف التركي واضحة، بين دعمه للمعارضة المسلحة، وتخوفه من الحراك السياسي الكردي، الذي يسعى لاستغلال الظروف من اجل انضاج مشروعه الانفصالي في سوريا، كما فعل في العراق ، ومن ثم في تركيا حتما، وقد بانت هشاشة الموقف التركي واضحة في معركة عين العرب (كوباني) بين داعش والفصال الكردية .     تركيا اليوم تقف على اعتاب مرحلة خطيرة جدا، اذ ان الحرب في سوريا وصلت الى نهاياتها، بعد ان تحقق الهدف المنشود من الفوضى الخلاقة التي عمت العالم العربي، تحت مسمى الربيع العربي، وهو خريف، بل اسوا من اي الخريف، وهذا لا يعني ان الحال قبل سقوط الانظمة كانت احسن منها بعد سقوطها، فالانظمة العربية بقذافيها ومباركها وبن عليها قد ذهبت الى جهنم وبئس المصير غير ماسوف عليها، ولكن الوضع الذي زرعت في اعماقه اسباب انهياره، والذي اصطلح الطغاة عليه، ومنهم صدام ايضا، بالارض المحروقة، هو ما قد كان النتيجة، فقد استلمت الشعوب الثائرة ارضا محروقة عجزت عن احيائها ، فآل الامر ثانية الى طغاة ، تلاحقهم الشبهة ، من امثال السيسي .   المرحلة التي تدخلها تركيا اليوم، بعد توقيع الهدنة برعاية روسية، تتمثل في محاربة داعش والنصرة، الفصيلين اللذين تشربا في نسيج الدولة التركية، التي كانت تنظر اليهما بوصفهما حصان طروادة الذي ستخترق من خلاله الواقع السوري وغيره، الا ان دخول روسيا على الخط بداعي الخوف من تطرف اسلامي، اذا ما ابتلع سوريا، ستجده يتاهب على حدودها، وهي لم تنس بعد مرار تجربتها في الشيشان، التي ما زالت مهيأة للانفجار في كل لحظة، ورضى امريكي له دوافعه الخاصة، وان تركيا تدخل هذه المرحلة الخطيرة مجردة عن كثير من اسلحتها، وبمعزل عن كثير من استراتيجياتها، ما يعرضها الى خطر انهيار الدولة وتفككها، قوميا وطائفيا، وهو هدف تسعى اليه قوى اقليمية وعالمية، فتركيا اليوم تكشف عن وجهها العلماني الذي غيبته طوال جموح داعش وقوته في صراعه مع النظام السوري، ولا استبعد اذا ما تفاقم الوضع على صعيد الصراع مع داعش من جهة والكرد من الجهة الاخرى، وفي سياق خشية القوميين الاتراك، ان تكشف تركيا عن وجه قومي شوفيني ( طورانية جديدة منقحة )، يطيح باردوغان واحلامه العثمانية، ليعلن عن الجمهورية التركية الثانية، التي لا تقف عند طورانية اتاتورك، علما ان اتاتورك ليس مؤسسا للطورانية، وانما هو احد ابرز ورثتها، بل ستتجاوزها الى قطيعة مع ما تبقى من موروث محلي ووشائج اقليمية، فكما نقت الطورانية تركيا من الدخيل العربي اللغوي، فستنقيها ( الطورانية الجديدة المنقحة )، من الدخيل العربي كله .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب