تمارس تركيا بحق الكورد وشعوب المنطقة سياسة لاتنم عن حقد وكراهية ودكتاتورية فحسب بل تنم عن الثقافة التي نمت عليها الاجيال التركية من ساسة وشعب اعتنق الظلم والاضطهاد كوسيلة لتحقيق اغراضه على جميع الاصعدة، باسم الدين والقومية والتعالي والنظر الى الاخرين بدونية متناسين بانهم ليسوا سوى قنبلة حقد موبؤة، منبوذون انسانياً ودينياً واخلاقياً وسياسياً واصبحوا عبرة اقتصادياً لكل من تسول له نفسه بالخروج عن مصالح المنظومة الدولية.. تركيا التي تحاول بشتى الوسائل ان تظهر نفسها برداء السلطنة وورثة الخلافة الاسلامية تحولت بافعالها واخلاقياتها السياسية واللاانسانية الى صورة مشوهة لكل التعاليم والشعارات الدينية التي تنادي بها اعلامياً.. وفي الوقت نفسه حولت بافعالها انظار العالم الانساني الى لاانسانيتها قومياً.. حيث تشير الوقائع التاريخية والشواهد الحالية والجارية على ان تركيا الحالية هي امتداد طبيعي للرؤية التركية العثمانية ومن ثم الاتاتوركية التي تحاول اخفاء همجيتها ومذابحها والابادات الجماعية لمخالفيها ومعارضيها من حركات واقوام وامم.
ان ما تمارسه تركيا تجاه الكورد وشعوب المنطقة هو نسخة عن ما فعله البابا اينوسنت الثالث عام 1209 حين جهز حملة صليبية ضد الكاثرية” الالبينية وهي حركة دينية مسيحية ظهرت في منتصف القرن الثاني عشر ” فعندما شعرت البابوية بان تلك الحركة باتت تشكل خطراً عليها أمر البابوية قامت بتجهيز حملةعسكرية سميت بالحملة الصليبية الالبينية ووجهها الى جنوب فرنسا كان قوامها ثلاثين الف جندي من المشاة والفرسان، وكان اجرهم هو ما يحصلون عليه اسلاب وغنائم اضافة الى صك غفران يضمن لهم مكانا في الجنة، وحين سأل قائد الحملة ممثل البابا الذي يرافقهم كيف نميز الهراطقة من المسيحيين في المدن التي يدخلونها قبل اعمال السيف فيهم، قال لهم ممثل البابا…. اقتلهم جميعا واترك الله بعد ذلك يميز رعيته بينهم ، وهذا ما حصل فعلاً حيث احرقوا المدن وافنوا سكانها دون تمييز، وكان ممثل البابا يرسل الى البابا رسائل تثلج قلب الفاتيكان قائلا ان السيف لم يميز ضحاياه تبعا للجنس او السن او المكانة الاجتماعية، ودام هذا الصراع بينهم لما يقارب العشرين سنة..حيث انسحب الكاثاريون الى المناطق الوعرة والصعبة ومن هناك كانوا يشنون حرب عصابات ارهقت الجيش البابوي.
من ينظر الى ما يفعله اردوغان الان هو نسخة مصورة لما فعله البابا انذاك، حيث يجهز اردوغان منذ وصوله للحكم كل قواته وكل امكانياته لمنع الكورد من الحصول على حقوقهم المشروعة، فاصبح يجهز عساكره ويوجه منظومته الاعلامية واسلحته نحو المعارضة التي تشكل بنظره خطراً على مصالحه ومشروعه السلطوي فيما يتعلق باعادة امجاد السلطنة والخلافة..ولم يعد يفرق بين المواطنين العزل وممن يحملون السلاح، بل لم يراعي القوانين الدولية فيما يخص تجاوز الحدود وخرقها، حتى اصبح ينظر لنفسه نبياً يجب على الجميع الانحناء له، وكل ما يقوله ليس الا تنزيل يجب على الجميع العمل به، فداخلياً يسجن من يريد بغير حساب، وبدون محاكمات عادلة بل بدون محاكمات اصلاً، فقط تهم ملفقة للتخلص من معارضيه سواء من الكورد – امثال القادة الكورد عبدالله اوجلان – صلاح الدين ديمرتاش- او غيرهم، وخارجياً طائراته تحلق وتقتل في سوريا – صراعه مع روسيا على حساب الشعب السوري – وجنوب كوردستان وفي ليبيا دون ان يردعه احد محلياً او دولياً، فكأن الكل مشارك او منصاع له، ولقد برهنت الاحداث في جنوب كوردستان على مدى تعنت ارودعان ودكتاتوريته بحيث لم يتعدى على القوانين فحسب بل طائراته ومدافعه تسببت في استشهاد العديد من الابرياء العزل، وكل هذا تحت شعار محاربة المنظمة الكوردية الارهابية بنظره، ولايوجد في العالم الحالي من هو اشد ارهاب منه، بل يعد بلا منازع الداعم الرئيسي لكل العمليات الارهابية في منطقة الشرق الاوسط كلها، وهو الذي بافعاله وتحركاته وتصريحاته يبرهن يوما بعد بانه ليس الا طاغية يلبس رداء الدين والقومية، وهو الوريث الحقيقي لكل الجرائم العثمانية – مذابح الارمن – في كل المناطق التي وقعت تحت ايديهم ، فعلى الرغم من مرور عشرات العقود مازال الكورد واغلب القوميات الاخرى تعاني من ويلات ورثة الخلافة وتبعيات سياتهم الهمجية، وفي الوقت نفسه مازال هناك من يطبل للنظام الدكتاتوري التركي الحالي ، متجاهلين بالتمام مدى وحشيتهم في التعامل مع قضايا الاخرين، تلك الوحشية المستمدة من ارثهم الهمجي، حتى اصبحت ملاذاً لاكثر التنظيمات الارهابية.
حيث لم يعد خافياً على احد وحشية النظام التركي وانه المهد الاول لوحشية التنظيمات الارهابية لاسيما داعش فتركيا الحالية التي نراها امتداد لوحشية نظام الخلافة العثمانية التي باسم الدين انتهكت جميع الاعراف والقوانين الدولية والانسانية، سواء من خلال بطشها بالامم والاقوام التي لاتنتمي اليها، او من خلال الممارسات الاخرى داخل الاسر الحاكمة في دولة الخلافة، فهي التي اثبتت للعالم بأن السلطة والكرسي اقدس من الانسان في العالم الاسلامي وقتها حيث سنت قانوناً هو الابشع طيلة حكم السلالة العثمانية باسم الخلافة والاسلام، حيث ذبح الاب ابنه، واريقت دماء الاخوة فيما بينهم من اجل التنافس على الكرسي، وبحجة الحفاظ على استقرار الدولة وقتل الفتن والقضاء على اية اطماع بين الاخوة بعضهم ببعض، والاباء والابناء حول كرسي العرش، وبذلك ابيح للاب ان يقتل ابنه ليبق هو في السلطة، وقتلت السلطانة حفيدها لكي تهيمن هي على كرسي الحكم، كما ان الاخ قتل اشقائه وابنائهم ليخلي الساحة لنفسه بدون منافس على العرش، واستخدموا كما تشير المصادر التاريخية على اساليب ووسائل كثيرة للقيام باعمالهم الشنيعة تلك سواء من خلال الخيط الابيض المصنوع من الحرير الذي كان امراً سائدا انذاك ويستعمل في خنق الامراء حتى لو كانوا اطفالا رضع. فهذا السلطان مراد الاول(1362-1389م) جد السلطان محمد الفاتح(1444-1446م)، قتل شقيقه محمود بعد ان اصدر الفتوى من شيخ الاسلام وقتها، بحجة انه يريد الانقلاب على السلطان، ثم اخرج ابنه ” ساوجي” على رأس حملة لمواجهة البيزنطيين فاغرت الجواري السلطان واوهمته بان ابنه يريد التحالف مع الاعداء فاعد له كمينا بفتوى ايضاً واعدمه، وعلى سنته سار السلاطين من بعد فهذا حفيده الذي يتغنى به الجميع السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية عام 1453م، حيث تشير الكثير من الروايات على انه قام بقتل شقيقه الرضيع الامير احمد من زوجة ابيه خديجة خاتون عندما كان عمره ” 6 ” اشهر بحجة ان البيزنطيين يحاولون خطفه لتنصيبه سلطانا بعد ان يتخلصوا من الفاتح، وليبرر فعلته قام بسن قانون قتل الاخوة والابناء تحت مسمى ” البغي “، واستكمالا للمسيرة قتل سليم الاول شقيقيه الاميرين احمد ولي العهد، وكوركود، اما سلطان السلاطين سليمان القانوني (1520-1566م) فقد خضع لتوهيمات حريمه لاسيما ” هرم – هويمام – التي اوهمته بان نجله الامير مصطفى المحبوب من العامة والخاصة يريد الانقلاب عليه، فامر جلاديه بخنقه في خيمته، ولم يكتفي الاثنان لا السلطان ولا هويمام بذلك بل حرضته الاخيرة لقتل حفيده سليمان ابن مصطفى كي يتسنى لاحد اولادها للصعود على العرش، وانصاع السطان لحريمه بحجة اخماد الفتنة، وكل هذه الاعمال يتصدرها فتوى من شيخ الاسلام، واستمرت اعمال القتل داخل السلالة العثمانية لبعضهم البعض، حتى ان بعض المصادر تشير الى انه اتى اوقات لم يكن يوجد وريث للعرش.
سليم الثاني(1574-1595م) رابع ابناء السلطان سليمان القانوني حباً بالعرش قام بمحاربة اخيه بايزيد ” ابناء هويمام – الذي اضطر للهرب الى الصفويين فاوعز والده السلطان باعادته، وفي الطريق وحين علم سليم بمرض والده أغرَ حراسه فقاموا بقتله وابنائه اثناء عودته الى اسطنبول، اما الجريمة الابشع التي يؤكدها التاريخ ما قام به محمد الثالث الملقب بالعادل (1595-1903م) الذي ما ان تسلم كرسي العرش حتى قام بعدها بلحظات بتجهيز (20) قبراً، احدهم لابيه السلطان مراد الذي توفي، و(19) قبراً لاشقائه الامراء حيث تم خنقهم وكان بينهم (3) رضع و(5) اطفال اعمارهم بحسب المصادر لاتتراوح بين الثالثة الى السادسة، وبذلك اخلى الساحة لنفسه بدون منافسين، وفي الوقت نفسه لم يخرج عن المعتاد باعتباره عمل بالقانون الذي تم سنه من قبل لاخماد الفتنة ” البغي ” وعلى ذلك سار السلطان مراد الرابع فاتح بغداد ( 1623-1640م)الذي قتل اشقاءه الثلاث بعدما الغى القانون الذي سنه والده، حيث الغى تلك العادة السيئة وسن قانونا ينظم اعتلاء العرش وطرق وراثة السلطة درءاً للفتنة والقتال بين الاخوة والاباء والابناء، الا ان مراد الرابع نجله الغى ذلك القانون وطبق القديم، فقام بقتل اشقائه ( بايزيد – سليمان – قاسم )، ولم ينجو الا من بطشه الامير ابراهيم الذي قامت السطانة “كوسيم ” بحمياته خوفاً من انقراض آل عثمان، الا انها نفسها حين تسلم الامير ابراهيم(1640-1648م) العرش وهددها بالنفي ليتخلص من سطوتها على الحكم وتقليص صلاحياتها، قامت بتدبير مؤامرة لابنها واقنعت رجال الدين والباشوات بعزله ومن ثم اعدامه بعد عشرة ايام، وتشير المصادر بان شيخ الاسلام نفسه قاد الانقلاب وخنق في الاستانة بناءً على توصية الصدر الاعظم محمد باشا المولوي، وتنصيب حفيدها ” محمد شاه زادة ” صاحب الست سنوات حتى تكون هي الوصية عليه وتستمر في ادراتها للدولة العثمانية.
وكالعادة نجد في العالم الاسلامي بالذات من يطبل للسلاطين وينظر الى اعمالهم الى انها خير للامة ودعم لركيزة الاسلام وتقويته امام اعدائه الذي كانوا يتربصون به، فيشرعون اعمال الخلفاء والسلاطين وحتى المدعين امثال ارودغان الذي يلبسون رداء الدين لتحقيق مقاصدهم وغاياتهم ، ولايخفى على احد ما يقوم به الان اردوغان من اعمال وحشية تجاه الشعوب الاخرى من الكورد وحتى العرب في سوريا وليبيا والاقوام الاخرى – مسألة اطلاق اللاجئين نحو حدود اوربا – وكيف يحرض قطر على الوقوف بوجه الدول الاخرى التي لاتؤيده في اعماله كالسعودية والامارات ومصر والعديد من الدول الاخرى.
ان اعمال اردوغان وسياسة التبرير التي نجد الاعلام الاسلامي يتغنى به لاجل اعماله التي لاتتعدى لحد الان سوى التصريحات بشأن القضايا الاسلامية المهمة كقضية فلسطين باعتبار ان تركيا هي من الدول الحاضنة للتجارة والتطبيع مع اسرائيل، ان هذا الاعلام وكأنه يستمد تشريعاته من تلك التي قدمت لتبرير القانون الذي سنه محمد الفاتح، حيث ذهبت الاراء الاسلامية لتبرير اعمال فاتح القسطنطينية – احمد آق كوندوز و سعيد اوزتورك في كتابهم الدولة العثمانية المجهولة – بان تطبيق واقامة الحد ” البغي ” انما كان للحد من العصيان ضد الدولة ويمثل المرتكز الشرعي الاول لمسألة قتل الاخوة العصيان بالخروج على الدولة بالسلام وموالاة الاعداء، وتدخل هذه العقوبة بنظرهم في الاسلام ضمن جريمة البغي، الذي تتكون بنوده من محاولة الخروج على الامام او السلطان، ومحاولة الاستيلاء على الحكم بالسلاح والقوة والمغالبة، اي وجود هدف العصيان بشكل واضح، ومثلما وجد هولاء السلاطنة من يبرر اعمالهم وافعالهم الشنيعة التي اعتمدت على الاخذ بمبدأ الشك حتى في النيات كمرتكز لقتل الابناء، فقدم اعدم (16) امير بسبب ثوراتهم في حين قتل (7) منهم بسبب نياتهم للثورة ، من اصل ما يقارب (60) اميراً قد قتلوا من قبل ابائهم وامهاتهم واخوتهم واشقائهم، فاننا الان امام مشهد يكرر نفسه وذلك من خلال تصريحات وتصرفات اردوغان الذي يحكم على نيات الاخرين ويراها لاتخدم الاسلام انما تخدم مصالح الغرب الصليبي واسرائيل، قيعزل من يشاء من اصحابه وقادته ويزج بمن يشاء في السجون بتهم باطلة وملفقة، ويبرر قتله للاطفال وحرقه للقرى وتدميره للمدن وخرقه لحدود الدول الاخرى ليس الا احتكاما بشرائع الاسلام ولحفظ الاسلام من مؤمرات الاعداء، وآخر صولاته فتح الحدود امام الالاف من العوائل المهاجرة لغزو اوروبا كما يدعي ولتهديد امن واستقرارها – بعض هولاء المهاجرين يحمل علم تركيا ويهتف بالله اكبر على حدود اليونان وبلغاريا- ، وفرض ايديولوجيته الدكتاتورية في تركيا – مع الكورد والمعارضين – و سوريا وليبيا والغريب ان هذا التطبيل لطالما وجد لنفسه اذان صاغية، وايدي تصفق ودعوات تتلى وصور ترفع في عالم قبلي مازل يعيش عصر السيف وقطع الرقاب، وتمجيد الاسلاف، لم يستطع بعد كل هذه القرون ان يخرج من دائرته القبلية ويتسلح بمبدأ اكثر تماشياً مع حركية التاريخ في العالم الحاضر، وحقيقة ان التاريخ يسجل في الكثير من مراحله سير حكام امثال اردوغان، مع عدم التغافل عن ذكر النهايات التي آلت اليه امورهم لاسيما بعد ان يكون صلاحية وجودهم بالنسبة للمنظومة الدولية قد انتهت.