18 ديسمبر، 2024 6:54 م

تركيا العثمانية .. من أسوار أوربا …إلى أسوار بغداد !!

تركيا العثمانية .. من أسوار أوربا …إلى أسوار بغداد !!

قبل الحديث عن الأزمة الأخيرة التي عصفت بالعلاقات العراقية التركية والأسباب المباشرة التي أدت إليها لابد لنا من وقفة مع مجمل الأحداث والتطورات الأقليمية والدولية من حولنا ..
 في أجواء الصراع المعلن والتدافع السياسي المتصاعد بين الحكومة الأمريكية والحكومة الإيرانية لاشك بأن هذا الصراع  يرتبط مباشرة بالمصالح الأستراتيجية لكلا الطرفين  ، فإيران لها مصالحها في المنطقة ،والولايات المتحدة لها مصالحها أيضاً ، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر نفسها اليوم الدولة (المتفردة بالعالم)…وترى نفسها بأنه من الواجب عليها أن تتدخل بكل شؤون العالم دون أن تأخذ رخصة من أحد !!
ومثال على ذلك ،فقد نصبت الولايات المتحدة الأمريكية منظومة إنذار مبكر متطورة جداً قرب الحدود الإيرانية من جهة الأراضي التركية ، إضافة إلى وجود قاعدة (أنجرليك العتيدة ) في وسط تركيا ، وهذا بحد ذاته تدخل سافر من الأدارة الأمريكية ، وفي نفس الوقت هو تسامح غير مقبول من الحكومة التركية ، ورغم أننا نعتقد بأن لكل دولة الحق فيما تفعل وهو شأن داخلي لايجب علينا أن نتدخل به ، إلا أننا نعتقد بأن الحكومة التركية تركت البوابة الأوربية التي وقفت على أبوابها تركيا أكثر من خمسين سنة وهي تنتظر أن تدخل في منظومة السوق الأوربية المشتركة ،وتوجهت – فجأةً-  إلى البوابة العربية بكل ثقلها السياسي .!
ولهذا نجدبإن الحكومة التركية تركت بوابة أوربا وتوجهت إلى المنظومة العربية خصوصاً مابعد الربيع العربي وبعد تغيير الأنظمة الدكتاتورية والشمولية في المنطقة العربية  ، فهي تحاول أن تأخذ دور الوصاية على المنطقة العربية من جديد ، ولو رجعنا إل التاريخ لوجدنا أمثلة تشابه مانحن بصدده من القول :
فعندما كانت الجيوش التركية أيام السلطان العثماني سليم الأول تحاصر أوربا الشرقية وكانت مدفعيته تدك أسوار براغ وفيينا وغيرها من مدن أوربا ..لكنه تركها فجأة وتوجه إلى العراق سنة 1534م- وهذه حقيقة تاريخية مؤلمة – لأنه سمع بإن الشاه أسماعيل الصفوي الأيراني – الشيعي –  توجه بجيشه إلى بغداد .! فالأسباب الطائفية اليوم تتجدد نفسها على أسوار بغداد من خلال هذا الصراع !!
أن تدخل الحكومة التركية ومعها الأنظمة العربية الشمولية المستبدة في الشأن العراقي الداخلي هو جزء من خارطة المنطقة السياسية (منطقة الشرق الأدنى) ، هذه المنطقة الساخنة والتي هي قلب العالم  تحاول الإدارة الأمريكية من خلال الحكومة التركية صناعة تنافس بين مايسمى (بالهلال الشيعي والطوق السني) ، وهذا المخطط سوف لن ينطلي على الشعوب الإسلامية والعربية لوجود عقليات سياسية ودينية وحضارية ناضجة جداً عند هذه الشعوب ، ولأنهم يعرفون مخاطر هذا التدخل الخارجي على الوضع الداخلي لبلدانهم ..
وهناك اليوم من يتسائل : هل أن رد بعض القوى السياسية على الموقف التركي الأخير كان بمستوى الطموح ؟
أن التجاذبات السياسية مابين الفرقاء السياسيين كان أحد أهم الأسباب في ضعف الخطاب السياسي الخارجي للعراق ،وعلى الدبلوماسية العراقية اليوم أن ترتقي بخطابها السياسي الخارجي ، وعلى الحكومة التركية أن ترتقي بمواقفها وتعاود الوقوف على أبواب أوربا من جديد ، وأن تنأى بنفسها عن التدخل بشؤون هذه المنطقة المعقدة بكل المقاييس ..
كما يمكن القول بإن السبب الرئيسي لتدخل الدول في العراق هو الأختلاف الشديد بين الكتل السياسية في العراق والذي أدى إلى التشتت والتفرق الذي وصل إلى حد التناحر والتصارع وتبادل الأتهامات بين الساسة العراقيين والذي أدى بالنهاية إلى جعل موقف العراق موقفاً ضعيفاً ، ومما أعطى الفرصة لتلك الدول أن تتدخل في شأنه الداخلي  ..
إننا  اليوم بأمس الحاجة إلى وجود خطاب سياسي موحد ، وموقف سياسي موحد ، وعلى الفرقاء السياسيين أن يتجنبوا التهافت على العواصم المشبوهة خصوصا تلك العواصم التي لاتريد حكوماتها الأستقرار للعراق وشعبه ، وكل ماتريده تلك الحكومات هو تنفيذ أجناداتها الطائفية والمذهبية في العراق والتدخل في شؤونه الداخلية كمل يحلو لها في كل الأزمان !!