23 ديسمبر، 2024 2:49 م

تركيا..الدروس البليغة والمستنبطة من الانقلاب العسكري !!

تركيا..الدروس البليغة والمستنبطة من الانقلاب العسكري !!

كانت ملاحظات الدكتور خالد عبد الرحمن بشأن مقالي عن الانقلاب التركي وتأثيراته الخطيرة على مستقبل المنطقة ، قد أثارت لدي الرغبة مرة أخرى لإستعراض أبرز ماورد في تلك الملاحظات القيمة لباحث متخصص وضليع في علم النفس الاجتماعي وهو الدكتور خالد عبد الرحمن سلطان ، زميل العمر الطويل، لأجد في تلك الملاحظات القيمة وما عرضه من دروس وعبر من الدرس التركي ، وبخاصة اشارته المهمة الى انه لابد وان يتم ( تقدير موقف ) لما حدث في تركيا واستخلاص الدروس المستنبطة، لأضعها بين يدي الزملاء والمهتمين بهذا الملف الحيوي،رغم فشل الانقلاب..وهذه مهمة الباحثين ومن يريدون تنوير الآخرين عن موضوعات غاية في الأهمية تتعلق بحدث دراماتيكي خطير يخص مستقبل دولة مجاورة مثل تركيا ، لها من العمق الاقليمي والستراتيجي الدولي ما يعطيها مثل الأهمية، إضافة الى كونها دولة مجاورة للعراق وتربطه به علاقات مهمة على أكثر من صعيد وبخاصة على النطاق التجاري ، ولابد من أن تترك تأثيراتها المستقبلية وما يجري فيها من احداث ساحنة على هذا البلد..وأدناه أهم الدروس والدلالات والعبر المستنبطة من الانقلاب العسكري الذي جرى في تركيا قبل أيام :
الدرس الاول : يقول الدكتور خالد عبد الرحمن الباحث المتخصص في علم الاجتماع والنفس أنه لم يعد بإمكان أي سلاح الصمود أو مواجهة قرار الشعب..وهنا أقول مع الدكتور خالد عبد الرحمن ان القاعدة الشعبية لأي نظام سياسي قوي هي فعلا من تحاول انقاذه في اللحظات العصيبة، وبدون وجود قاعدة شعبية وتأييد جماهيري للقيادة السياسية لأي بلد فإنه يصعب عرقلة أي عمل (انقلابي) او عند حدوث تطورات ليست في الحسبان، وكان جمهور حزب العدالة والتنمية حاضرا بقوة في الشارع التركي ، يشارك في درء محاولة الانقلاب بما يستطيع من قوى وامكانات ، تعين الدولة على تخطي أزمتها ، وكان لظهور أردوغان من إسطنبول ما أراد، وحصل على تأييد شعبي قلما يحصل عليه قادة آخرون في المنطقة بهذا الحجم وبهذه الممارسة الواعية الملتزمة في الظروف العصيبة ،التي تعطي لمصلحة الوطن الأولوية والقيمة الكبرى التي ينبغي ان تفوق كل الأولويات الأخرى.
الدرس الثاني من وجهة نظر الدكتور خالد عبد الرحمن هي (عقلانية السلوك الجمعي ).. وهنا يشير بكل وضوح انه مع أن هذا الأمر يعد من الصعوبة بمكان أن يكون هنالك ضابط لأي سلوك جمعي فالمخرجات للسلوك هنا عادة ماتكون منفلتة ومتطرفة وخطيرة جدآ بسبب انصهار سلوك الفرد مع سلوك الجماعة.
ان واحدة من المآخذ على سلوك الدولة التركية وأجهزة أمنها عقب إفشال الانقلاب هو هذه الاعتقالات الواسعة لقيادات عسكرية وموظفي دولة بالجملة رافقتها عمليات ضرب وانتهاك لحقوق الانسان للمعتقلين، وهو ماكان يخالف الصورة التي كانت قد رسمتها تركيا عن دولتها الديمقراطية، فمعاملة  الاخرين المشتبه بهم لايفترض ان تكون على هذه الشاكلة بالرغم من ان الاعتقالات في مناسبات كهذه امر متوقع ومعقول لكن ينبغي  أن لا تتناقض مع سياسات الدولة وخطها الديمقراطي ..كان هذا هو الاشكال الذي واجه من الانتقادات الدولية لتركيا وللطريقة التي تصرفت بها اجهزة الامن مع من اتهم بالمشاركة بالرغم من ان كثيرين ربما لم تكن لديهم صلة بالانقلاب ، بل انه لم يتم تحديد الرأس المدبر له حتى الان، ويجري اتهام قيادات الجيش من القوة الجوية ومن البرية في أعلى رأس الهرم ومن موظفين حكوميين جرى ابعادهم من وزارات الدولة وبخاصة من التعليم، وهذا بحد ذاته كانت عملية فوضى رافقت اساليب المعالجة للخلل الكبير، وجوبهت بانتقادات دولية واسعة ما كان على تركيا ان تضطر لاتخاذ اجراءات واسعة بهذا الحجم من الاعتقالات بالجملة، لتنهي حكم الديمقراطية الى الأبد ولتشجع دولا اخرى على شاكلتها مستقبلا ان تمارس ما هو أسوا مما مارسته تركيا مع شعبها وكان عليها التريث في عدد الاعتقالات وتركز على قيادات محدودة بعينها، وتحفظ هيبتها امام شعبها ولا تعرض سمعة بلدها لمخاطر مواجهة حملات انتقادات كان يمكن تفاديها ، لو تمت الاعتقالات وفقا للقانون وبأطر حضارية، حتى لو حدثت عمليات تخريب وارفقت عملية الانقلاب، كما يقول باحثون كبار وصحفيون اتراك كانوا يتمنون لو ان دولتهم تعاملت مع الحدث على مستوى عال من العقلانية والسلوك المتمدن ، فسلوك الدولة من وجهة نظر كبار الباحثين وحتى رجال سياسة في المعارضة التركية يؤكدون فيه على انه لا ينبغي ان ينزل سلوك الدولة الى مستوى سلوك الافراد والعصابات حتى في الظروف الصعبة.
الدرس الثالث الذي ذكرنا به الدكتور خالد عبد الرحمن ورجال الصحافة في مختلف دول العالم هو الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وتعاظم الدور الذي تقوم به الذي لم يجعل العالم قرية صغيرة فحسب بل جعله من وجهة نظر الدكتور خالد عبد الرحمن ، “ضمن إطار شاشة جوال صغير يساهم بشكل كبير ليس في نقل الحدث بل في صناعته وتحديد ملامحه فضلا سرعة تحويل أنظار المتلقي من حدث جلل في فرنسا كان مدار اهتمام العالم أجمع إلى لقطة صغيرة في جسر البسفور في اسطنبول والتي بدت بعد ذلك مثل كرة الثلج المتدحرجة “.لقد اسهم / السكايب / وهو جهاز صغير في رسم معالم انتقالة نوعية في الاعلام في ان يعيد لاردوغان بعض هيبته في مراحله الاولى، وقد تم ايقاف بث محطات تلفزيونية حكومية، لكن الرئيس التركي استغل السكايب لاظهر حضوره الفوري من ساحة اخرى هذه المرة من اسطنبول وأظهر انه في قلب الحدث يتابع تطورات الاحداث وبشحذ همم الجمهور التركي وبخاصة من انصاره ليكون لهم دور في قبر الانقلاب وكان ان التف حوله جمهور واسع من مؤيديه، اعلن مساندته له في اللحظات الصعبة، وأظهر حالات من التماسك ورفع المعنويات سرت لدى عموم الشعب التركي ، كان لها وقع مؤثر لدى عموم الاتراك في مختلف محافظاتهم، وهذا هو الدور الهام لاحدى وسائل التواصل والاعلام على رغم ضالة حجمها وسهولة استخدامها في حالات ربما حدثت للمرة الأولى وأظهرت نجاحا منقطع النظير.
الدرس الرابع من وجهة نظر الدكتور خالد عبد الرحمن هو منظومة العمل الاستخباري وغياب دورها قبل وبعد ساعة الصفر للحدث سواء في الاختراق والانذار المبكر أو في السيطرة على قلب الحدث ولجم نهاياته وقلب الطاولة على اللاعبين لهذا الحدث كما هو متوقع من تلك المنظومة وهو أمر لم يسلط عليه في الحدث التركي لأسباب مبهمة وغامضة إلا أنها من المؤكد أنها ستتوضح مستقبلا ., أي ان الدكتور خالد عبد الرحمن لاحظ غياب المعلومة الاستخبارية وضعف الاداء الأمني ، بالرغم من قوة الدولة التركية وقوة أجهزتها ، ويكاد الحضور الأمني لم يكن موفقا في حدث جلل كهذا ينبغي ان لايمر مرور الكرام، دون أن يكون لتلك المؤسسات العريقة دور في كشفه قبل ان يبلغ مدياته الخطيرة.أما الدرس الخامس كما يراه الدكتور خالد عبد الرحمن وباحثون أتراك وعلى صعيد إقليمي ودولي فهو أن الحياة في تركيا لم تتوقف حتى في ذروة الحدث ، وكانت الأمور جميعها تبدو تحت السيطرة، بل ان رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم اشار بعد يوم من وقوع الحدث ان الحياة عادت الى طبيعتها في العاصمة انقرة وكل المدن التركية بعد ساعات من وقوع الانقلاب ، وبقيت البنوك والمصارف تمارس عملها، كما بقيت الخدمات ومؤسسات الدولة تمارس انشطتها دون توقف، ما اعطى انطباعا جيدا لدى الرأي العام الاقليمي وحتى المحلي ان تركيا لم تتأثر بالحدث رغم خطورته، وان دولة تبني على ركائز ديمقراطية قوية وسلوك متحضرلابد وان يكون اسلوب تعاملها مع الحدث بهذه الطريقة.. لكن ما اعقب الحدث من حملات اعتقال واسعة وبممارسات تعذيب قبيل تقديمهم الى المحاكم ، وبهذا الحجم الهائل، شوه من معالم تلك الصورة بعض الشيء، وربما اعطى صورة قاتمة للديمقراطية في تركيا التي ماكان عليها بعد ان نجحت في احباط الانقلاب من وجهة نظر كثيرين ان تضطر للنزول الى سلوك من هذا النوع، خدش ديمقراطيتها واصاب سمعة نظامها السياسي في الصميم!!