23 ديسمبر، 2024 10:08 ص

تركيا .. الجمهورية الثانية

تركيا .. الجمهورية الثانية

بعد اكثر من تسعين سنة من نظام العلمانية الاتاتوركية يحاول الرئيس المنتخب رجب طيب اردوغان اعادة وجه تركيا الحقيقي وبخطوات ثابتة لأسلمة تركيا بعد
شعوره بان../
علمنة الدولة نفعت الاوربيين ولم تنفع الاتراك بعد ان ظلت تركيا واقفة على اعتاب الاتحاد الاوربي من دون ان يفتح لها باب .
لكن هذا لايعني ان الرئيس اردوغان سيعمل على تصفية الارث الكامل للعلمانية التي وضع اسسها مصطفى كمال اتاتورك لجمهورية تركيا الحديثة التي ولدت بعد تصفية ارث الدولة العثمانبة سنة 1923 واضفى عليها كل مظاهر الرقي والتحضر.. ولايمكن لأردوغان اليوم إلغاء اثار العلمانية جميعها .. والا فسوف يرتكب خطيئة مثل التي ارتكبها اتاتورك من قبل وعندما وضع نظاما علمانيا موجها ليس لالغاء الخلافة بل لالغاء العقيدة الاسلامية التي امن بها الشعب التركي على مدى قرون واصبحت العلمانية وكانها موجهة ضد الدين الاسلامي فقط وتجاهل عن قصد اعتزاز الشعب التركي بدينه والارث الاسلامي الذي تركته الامبراطورية العثمانية .
الواقع ان مسالة تحديث الدولة العثمانية لم يبدا به اتاتورك .. كان مجموعة من المثقفين الاتراك مثل نامق كمال وضياء كوك وغيرهما من الذين درسوا في فرنسا ومن خلال جريدة ( الحرية ) التي صدرت في سنة 1860عبروا عن رغبتهم بتحديث الدولة العثمانية ونجحوا بوضع دستور جديد .. وبعد سنوات قام السلطان محمود الثاني بسلسلة اجراءات عصرية من شانها نقل الدولة االعثمانية الى مصاف الدول الاوربية ومنها تحديث الجيش العثماني و تبديل الكثير من القوانين والتدخل في عادات الاتراك وطريقة ارتدائهم الملابس .. ويبدو ان اتاتورك كان متاثرا بتلك المرحلة التاريخية من عمر الدولة العثمانية والتي جرت فيها تطورات مهممة على طريق الحداثة والتقدم .
وهنا .. لابد من الاشارة الى تجربة حديثة جرت و في بداية الثمانييات ولعقد كامل ..قام بها رئيس الوزراء الاسبق تورغت اوزال .. فقد رفع شعار ( العثمانيون الجدد ) واراد من خلال هذا المنحى العودة الى عظمة الدولة العثمانية ومكانتها التاريخية.. وربما اراد ايضا مسح الهوة القاتلة بين شعب مسلم ونظام علماني شنق اول رئيس لحزب اسلامي منتخب هو عدنان مندرس سنة 1961.. لذلك قام باجراءات داخلية تدغدغ مشاعر الاتراك في الداخل تتعلق بالحق في الممارسات الدينية ..وبعدها توجه الى دول اسيا الوسطى ( الست ) والتي كانت يوما في حضن الدولة العثمانية ومازالت الى يومنا هذا تحافظ على تقاليدها الاسلامية وتنطق باللغة التركية .. وهي جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاسلامية ( سابقا ) مثل ارذربيجان وطاجستان والشيشان وغيرها ..ولم ينس أوزال دول البلقان مثل البانيا ومقدونيا والبوسنة التي كانت تشكل الخاصرة التركية بوجه اوربا . ولم يكن توجهه هذا الا في نطاق التذكير باهمية المجال الحيوي لدولة إقليمية مهمة مثل تركيا .. ان هذا التوجه الجديد للرئيس اوزال لم يكن اسلاميا بحتا بل كان وفق مفهوم الفلسفة العلمانية التي تحرسها وبثبات المؤسسة العسكرية التي بناها ورعاها من قبل الرئيس اتاتورك .
لقد فطن اردوغان الى كل هذا التاريخ الذي انتقلت فيه سلطةالباب العالي و ( المشروعية العليا ) التي تحدث عنها / الفيلسوف الفرنسي من اصل جزائري محمد اركون امام طلبته في جامعة السوربون وكنت واحدا من طلابه/ .. من نظام ديني مستبد الى نظام علماني متزمت اراد الغاء هوية شعب مسلم ارضاء لسطوة اوربا ونفوذها .
ان قوة النظام العلماني كانت تتمثل بقوة المؤسسة العسكرية التي قامت بعدة انقلابات من اجل الحفاظ على ديمومة النظام .. وهنا تكمن المفارقة الغريبة في نظام ديمقراطي لا يستمد قوته من الدستور بل من العسكر .. ورغ ذلك فان الاتحاد لاوربي لايعترض على هذا التناقض الكبير ..اما الامر الاخر. فكان يتعلق بدور
وسائل الاعلام الفاعلة في تثبيتً أركان
النظام العلماني والتي تركت تاثيراتها الواضحة على عموم الشعب التركي.

لذلك فان الرئيس اردوغان عمل ومازال ومنذ ان كان رئيسا للوزراء سنة 2002 بنشاط دؤوب لتنظيف الموسسة العسكرية من بقايا الحرس القديم من الانقلابيين ..وجاء انقلاب 2016 هدية من السماء للإجهاض على جنرالات الانقلاب واتباعهم .. كذلك عمل اردوغان جاهدا لتنظيف وسائل الاعلام من العلمانيين :.بعد ان سهل مهمة بيع شركة دوجان ميديا الى مجموعة (ديميرين ) القابضة وهي مؤيدة كليا لسياسة وطموح اردوغان الذي يسعى لتكون الجمهورية الثانية التي دشنها بعهده ضمن عشر دول قوية في العالم .
اخيرا .. امام الرئيس ادردوغان مهاما صعبة وخطيرة وهو الذي سعى ومنذ مدة ليست بعيدة في تقويض الارث الذي تركه اتاتورك .. فأعاد المظاهرالدينية وفتح المدارس الاسلامية ورفع الاذان باللغة العربية وسمح بارتداء الحجاب في الدوائر الرسمية وفي المعاهد والجامعات وكل هذه القضايا كانت ممنوعة في النظام العلماني السابق …لقد عمل ايضا على هدم مركز اتاتورك الثقافي في قلب اسطنبول ومن المحتمل تهديم مطار اتاتورك الحالي..بعد اكمال بناء مطار جديد وكبير سيكون بديلا عنه والذي سيتم فتحه قريبا ويسع لاكثر من الف ومئتي طائرة باليوم الواحد.. الى تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة ومدهشة عززها بحكومة جديدة وبطاقم من 16 وزيرا جلهم من رجال الاعمال .. ولكي يحافظ على هذا النهج الجديد عليه ن يكون رئيسا للشعب التركي باكمله ..ان فوزه كان بمساعدة حزب علماني هو حزب الحركة القومية مع دلك لم يتحقق الفوز باغلبية مطلقة ..ولايزال اقل من نصف الشعب التركي بقليل / غيرمتجاوب مع التجربة الاوردوغانية الجديدة.. بمعنى او باخر ان الموقع الجغرافي للجمهورية التركية ومظاهر الحداثة تتطلب ان يكون للعلمانية المتعقلنة والتي اشاد بها اردوغان يوما حاضرة في إطار هوية الدولة ولها نصيب من هذا التحول الجديد الذي يقوده حزب العدالة والتنمية .
ان التحول الكبير لن يكتمل الا باحترام دول الجوار سوريا والعراق تحديدا.. وإطلاق تنمية تركية كبيرة في العالم العربي لبدء عهد جديد من العلاقات العربية التركية حفاظا على بقاء وازدهار المصالح المشتركة