تباينت مواقف الخليجيين حيال اسقاط تركيا لطائرة حربية روسية قالت تركيا أنها اخترقت مجالها الجوي في الرابع والعشرين من نوفمبر الفائت، يعكس هذا التباين خلاف النخب الخليجية (الإماراتيين والليبراليين الخليجيين من جهة والمحافظين الخليجيين خاصة السعوديين من جهة اخرى) في مواقفها حول التوجهات الاسلامية المعلنة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان وسياسته المؤيدة للحركات الاسلامية في العالم العربي ومن ضمنها جماعة الاخوان المسلمين، وكذلك حول موقف اردوغان الرافض لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي.
ففي مقابل عدد محدود من المتابعين الليبراليين الذين عبروا عن مواقف معارضة لسياسة تركيا الجديدة منهم الكاتب السعودي محمد المحمود الذي يرى ان تركيا “العثمانية” ستدفع ثمن اسقاط الطائرة الروسية، عبر العديد من المحافظين الخليجيين عن تضامنه مع تركيا مثل الاكاديمي السعودي احمد راشد سعيد الذي يعتقد ان المعركة بين تركيا وروسيا هي معركتنا أي ] العرب والمسلمين[ والنائب في البرلمان الكويتي وليد الطبطبائي الذي عبر عن اعتزازه بالموقف التركي ضد روسيا. كما اطلق نشطاء خليجيون هشتاق #دعم_البضائع_التركية دعما لتركيا في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي اعلنتها روسيا ضد تركيا في الثامن والعشرين من نوفمبر الفائت، اما القطريون فان اغلبهم متفقون مع حكومتهم في دعم الموقف التركي.
وعن نتيجة الانتخابات التركية الاخيرة عبر كثير من الخليجيين عن ابتهاجهم بفوز حزب “العدالة والتنمية” الإسلاميّ فوزاً كبيراً في إنتخاباتها البرلمانيّة الّتي جرت في الأوّل من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت حصل خلالها على 317 مقعداً تشكّل أغلبيّة مقاعد البرلمان التركيّ البالغ 550 مقعداً.
كالداعية السعوديّ المشهور عوض القرنيّ الّذي كتب في الاول من نوفمبر الفائت على حسابه في “تويتر” تهنئة خاصّة للحلف السعوديّ – التركيّ – القطريّ، وأمين حزب الأمّة الإسلاميّ الكويتيّ حاكم المطيري، الّذي اعتبر أنّ ما يحدث في تركيا تجربة ملهمة للشعوب العربيّة، بل إنّ بعض الليبراليّين كالإعلاميّ السعوديّ عبد الرّحمن الراشد يعتقد أنّ فوز أردوغان سيعزّز دور المعسكر المضادّ للإيرانيّين ونظام الرئيس السوريّ بشار الأسد.
هذه المواقف المتضامنة مع تركيا ورئيسها اردوغان لا تعبر عن ردة فعل طارئة في الشارع الخليجي بل تعبر قناعة متنامية عند شريحة من الخليجين المعجبين بشخصية اردوغان وهذه القناعة سبق وان عبر عنها فهد ناصر العتيبي اشهر المنشدين الشعبيين في السعودية الذي قدم في وقت سابق قصيدة يصف فيها الرئيس اردوغان بأمير المؤمنين ، هذا على المستوى الشعبي.
أما على المستوى الرسمي فقد شاهنا متانة التقارب بين الرياض وانقرة بشكل واضح من خلال الاحتفاء التركي الخاص بالملك سلمان بن عبد العزيز، والّذي سبقه ترحيب متبادل بين القيادتين السعوديّة والتركيّة عبر حسابيهما الشخصيّ على “تويتر”، قبيل اقامة الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان مأدبة غداء في مقرّ إقامته في منتجع أنطاليا (518 كلم جنوب العاصمة أنقرة)، تكريماً للعاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز، الّذي زار تركيا للمشاركة في مجموعة العشرين، الّتي استضافتها تركيا بين 15 و16 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت في أنطاليا. وهذا لفت الانتباه إلى ظهور مرحلة جديدة في العلاقات بين خليج ما بعد عبد الله بن عبد العزيز (توترت العلاقات بين الرياض وانقرة بسبب دعم السعودية للجنرال السيسي الذي اسقط حكومة محمد مرسي المنتخبة والمقربة من تركيا) وبين تركيا.
جاء هذا التواصل بين السعودية وتركيا نتيجة لحاجة الرياض إلى تكوين حلف سني قوي في مواجهة التمدد الايراني في المنطقة الذي اصبح مقبولا لدى الولايات المتحدة الامريكية نتيجة توقيع ايران اتفاقها النووي في ابريل الفائت، هذا الوضع الجديد كما تعتقد الرياض يتطلب مراجعة موقفها العدائيّ ضدّ حركات الإسلام السياسيّ “السنيّ” وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين التي وضعتها السعودية في مارس 2014ضمن قائمة الارهاب ولذلك جمدت االرياض عمليا كل الاجراءات العقابية ضدها رغم بقائها في القائمة رسميا.
كذلك ستستفيد الرياض من علاقة جارتها الدوحة مع حركات الإسلام السياسيّ عموماً لتكوين تحالف سني في مواجهتها مع ايران، وهذا سيكسب الدوحة مزيداً من الحماية ضدّ محاولات الضغط السياسيّ ، الّتي كانت تمارسها أبو ظبي والقاهرة من خلال نفوذ الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز ضد قطر لإجبارها على عدم استضافة قيادات الاخوان المسلمون أو منع قناة الجزيرة توجيه النقد لحكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وهذه الاسباب التي أدّت إلى سحب سفراء كلّ من السعوديّة والإمارات والبحرين من الدوحة في آذار/مارس من عام 2014، احتجاجاً على سياسة الدوحة الإعلاميّة المؤيّدة لجماعة الإخوان المسلمين وموقفها المعارض لحكم العسكر في مصر.
وفي الوقت ذاته، وبالتّأثير نفسه، سيؤدّي التّقارب السعوديّ – التركيّ إلى إضعاف الموقف الإماراتيّ المعادي لجماعة الإخوان المسلمين ومن يدعمهم في أنقرة والدوحة وستتعرّض النشاطات الأمنيّة والسياسيّة لأبو ظبي في الخارج للمتابعة والرصد من قبل إعلام دول الربيع العربي أو من يدعمهم في تركيا وقطر، مثل نشاطاتها في ليبيا الّتي أذاعتها حكومة طرابلس “المقرّبة من تركيا” في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، عن توقيف “جاسوس” إماراتيّ ذكرت تقارير إعلاميّة أنّه كان يقوم بمراقبة السفارة التركيّة في العاصمة طرابلس من أحد الفنادق القريبة من مبنى السفارة، اضافة الى ما تناقلته تقارير صحفية عن دور ولي عهد ابوظبي محمد بن زايد في اقناع الإسرائيليين بحظر الحركة الاسلامية داخل فلسطين.
كما ان تصريح وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد في السابع والعشرين من نوفمبر الفائت عن استهجان بلاده لإسقاط الطائرة الروسية واعتبرها من أعمال الارهاب زاد الموقف الاماراتي عزلة عن محيطه الخليجي المتضامن مع تركيا.
ولا يتوقّع المراقبون أيّ مساهمة إيجابيّة للتهنئة الّتي بعثها وليّ عهد أبو ظبي محمّد بن زايد إلى رئيس الحكومة التركيّة أحمد داوود أوغلو، بمناسبة فوز حزبه في الانتخابات البرلمانيّة في إعادة التّواصل والثقة المفقودة بين أبو ظبي وأنقرة، خصوصاً مع استمرار الاستهداف الإعلاميّ المتعمّد، الّذي يشنّه بعض المسؤولين الإماراتيّين، ومنهم نائب رئيس الأمن العام في دبي ضاحي خلفان تميم ضدّ شخص الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، إضافة إلى ما نشرته تقارير إعلاميّة (اصل التقرير في موقعhttp://arabi21.com/ ولكنه محجوب في السعودية) عن تورّط أبو ظبي في دعم حزب العمّال الكردستانيّ ضدّ حكم أردوغان، بينما تستضيف أنقرة للمعارضين الإسلاميّين العرب، ومنهم الأمين العام لحزب الأمّة الإماراتيّ المعارض عضو جماعة الاخوان المسلمين حسن الدقي الذي غادر الامارات هربا من موجة الاعتقالات التي بدأتها ابوظبي عام 2012 ضد الاسلاميين في الامارات.
وفي المقابل، يواصل أردوغان استفزازه للمسؤولين في القاهرة وأبو ظبي بتصريحاته الإعلاميّة المنتقدة لنظام حكم الجنرال عبد الفتّاح السيسي، وبرفعه المتكرّر لأربعة اصابع اشارة منه لميدان رابعة (رابعة العدويّة ميدان في شرق القاهرة اعتصم فيه مئات الآلاف من جماعة الإخوان وبعض القوى المدنيّة المصريّة في حزيران/يونيو من عام 2013، دعماً لموقف رئيسهم المنتخب محمّد مرسي الّذي عزل لاحقاً من قبل الجيش عن السلطة في تمّوز/يوليو من عام 2013، ثمّ قامت القوّات العسكريّة والأمنيّة المصريّة بفضّ الاعتصام بالقوّة في آب/أغسطس من عام 2013 ممّا ادى الى مقتل 377 معتصما بحسب وزارة الصحة بينما تراوحت إحصائية المنظمات الحقوقية ما بين 337 – 985 قتيلا.
كذلك سينعكس هذا الخلاف السياسيّ بين أنقرة وأبو ظبي سلباً على طرفي النزاع في ليبيا، حيث تؤيّد أنقرة حكومة طرابلس “غرب”، بينما تؤيّد أبو ظبي حكومة طبرق “شرق”. وعلى المستوى الشعبيّ.
ويبالغ الكثير من العرب، وخصوصاً الخليجيّين بتطلّعاتهم إلى ما يمكن أن يقدّمه أردوغان لقضاياهم العربية مثل فك الحصار عن غزة أو اسقاط نظام بشار الاسد في سوريا أو التحالف الكامل مع دول الخليج في مواجهة ايران ، سواء أكانوا من الإسلاميّين أو من غيرهم الّذين يرون فيه نموذجاً سياسيّاً صالحا وصادقا مع شعبه وليس عميلا للغرب وهذا ما يفتقدونه في حكّامهم الحاليّين.
ورغم كل الحسنات التي يتمتع بها الرئيس التركي اردوغان إلاّ أنّ على المراهنين على شخصيّته وقدرته أن يكونوا واقعيّين وحذرين في تفاؤلهم، لأنّ أردوغان القويّ والقادر على التغيير داخل تركيا، قد لا تسمح له الاعتبارات الدوليّة أو مصلحة بلاده الداخليّة، أن يكون بالقوّة والقدرة ذاتهما خارج تركيا، كما يتمنّى بعض العرب. وعلى دول الخليج أن تثق في مواطنيها بتجنيدهم والحاق من يرغب منهم في الجيش لتزيد عديد قواتها المسلحة حتى لا تضطر الى طلب العون من الخارج، كما انها بحاجة إلى مشروع قومي تواجه به المشروع الايراني، وهذا كله لن يتم الا بإصلاح سياسي حقيقي في كل دول مجلس التعاون الخليجي يضمن الحريات العامة والمشاركة في السلطة والثروة.