المواطن العراقي بطبيعته الانسانية والاخلاقية ليس بإنسان فوضوي ، ولا يحبذ ان يقلد الاخرين ، حبه للوطن علامة بارزة في مفردات حياته الطبيعية ، واذا اصابه حالة الياس والاحباط في هذا الشأن ، فان الاسباب تعود للسياسيين الذين خدعوه بكم من الشعارات المزيفة ، وبالتالي اصبح ضحية لطبيعته الصادقة ، والتي هي صفة من صفات نقائه الوطني والانساني ، وبذلك فان الاثار المترتبة من تلك الحالات لا يتحمل وزرها الا السياسيون المخادعون الذين وجدوا في الخداع والتضليل وسيلة لبلوغ أهدافهم المجردة من اي شعور واحساس وطني ، اذن فهم وراء الانتكاسات والازمات التي يتعرض لها العراق ، و وراء مجازر الموت والدمار طيلة سنوات العشر الماضية من البطش بالإنسان والحضارة والتمدن والعلم والمعرفة والثقافة والفنون ، ويعيشها المواطن آثارها بألم شديد ، ورغم ذلك يفضل الصمت على الفوضى التي باتت سمة من سمات الرفض الشعبي المعاصر الذي تحول بمرور الوقت الى قتل وتخريب وتدمير ، مدركا تماما ان ما يجري في المنطقة ليس بمعزل عن التدخلات الدولية والاقليمية التي لا تقف عند حدود ازاحة الانظمة الدكتاتورية ، بل تتعداها لتشمل انهاك الاقتصاد وتفكيك البنى الاجتماعية و الثقافية تمهيدا لخلق اداة دينية جديدة على شكل نظام سياسي يجيد فن استغلال الدين لتضعه في النهاية في سوح التصادم الدموي الذي يتيح لها رسم الاهداف على اشلاء القوى والفئات المتناحرة ، رغم كون هذه الانظمة كانت من صنيعتهم ايام الحاجة القصوى للوقوف بوجه المد الروسي واساطيلها في المنطقة….
لذلك فانه ليس من الغرابة القول ان المواطن العراقي قد وصل مع هذه الدولة التي تشابكت فيها الخطابات السياسية والدينية بل والطائفية الى حلقة مفقودة ضاعت فيها كل الحدود والمقاييس ، وتكاد هذه الحلقة في محتواها ، وفي الظروف التي خرجت للناس. ان تكون مادة تضحك بها الدولة على الناس ، ولهذا نجد ان الذين يديرون دفة الحكم في العراق هم (( سياسيون انانيون )) لا يتركون الوقوف امام المرايا لانهم يتخيلون فيها انفسهم بانهم أجمل الناس ، حيث جيوبهم التي كانت فارغة حتى الامس القريب قد امتلأت بالتمام والكمال وبعدها (طز بالوطن) وثم (منو ابو باجر).. !! في حين تشير كل الدلائل بانهم عمدوا ان يشوهوا صورة هذا الوطن من خلال ما يعملون عليه سرا وعلانية من تمزيق وتفكيك لبنيته ونسيجه الاجتماعي بالأفعال والاقوال ، وتنكروا لجميله منذ ان تبوؤا المناصب ولم يتخيلوها حتى في الاحلام ..
المتابع للمهزلة السياسية التي يشهدها العراق منذ عشر سنوات ، يصل الى قناعة بان الفرصة التي هيئتها الولايات المتحدة الامريكية لهذه المجموعة الحاكمة في العراق بإسقاطها لنظام صدام قد اخطأ حقيقة في الحساب ، ولم تدرك جيدا بان الذين جاء بهم الى سدة الحكم عراقيون فقط بالجنسية بدليل حملهم للجنسية الاجنبية ، ويفضلونها على عراقيتهم ، ولا يفكرون الى الآن بأسقاطها لتتويج شخصيتهم الوطنية ان كانت لديهم ذرة منها ، مما يدل بان نواياهم خارج اطار معنى الانتماء الحقيقي للوطن ، وهي كانت ولا تزال محصورة في المنافع الشخصية ، والبحث عنها بشتى الوسائل بحيث وصل الامر بهم جميعا دون استثناء ان شغلهم الشاغل هو جمع الثروات وغسلها وفق مفهوم (على حس الطبل خفن يا رجليه) في اوروبا والعديد من دول الخليج ، دون ان يدركوا ان المواطن الذي ملكه الخوف كرها لأكثر من اربعة عقود ، عاد اليوم بقوته المشهودة ليقول كلمته بوجه الفساد والفاسدين الذين وضعوا البلاد على عتبة ما بعد الهاوية ، وهم الفئة الغالبة على مقاليد الامور التي تتحكم بمشاعر المواطن العراقي ، ومستهينة بدماء هم الذين يسقطون كل يوم كأوراق الخريف ، حتى غدت أرض العراق مسرحا للجرائم المنظمة التي يقفون هم وراءها ، دون ان تدفعهم الغيرة الوطنية باتخاذ موقف وطني وانساني تجاه ما يتعرض له ابناء وطنهم من موت دائم ، ويتناثر اشلاءهم بفعل فاعلين مندسين فقدوا الحياء والخجل على افعالهم ، أضافة لفسادهم المالي ودورهم في تفشيه كظاهرة غير مسبوقة في تأريخ العراق ….وبذلك نستطيع القول ان الايادي الخفية التي تعمل من داخل الحكومة والبرلمان بهذا الاتجاه هي الطبقة الطفيلية التي طفحت على السطح السياسي ، وجاءت بها الرياح الامريكية العاصفة التي استغلت دموية النظام السابق لإضعاف العراق ودوره على جميع الاصعدة من خلال استخدام تلك الايادي المتنفذة داخل العملية السياسية ، وهذا يعني ان ما جرى وما يجري الآن من تمزيق وتفكيك للحمة الوطنية هي ليست بمعزل عن مخططات تأمريه التي تشارك بها اطراف اقليمية ودولية لعرقلة النهوض بالواقع العراقي المتردي ، وقد نجحت الى حد كبير في وضع العراقيل امام اي اتجاه وطني للعودة بالعراق الى صورته الحقيقية حيث الشيعة والسنة والمسلم والمسيحي والكلد وآشوري ، حين كانوا على مسافة واحدة من روحية الانتماء ومصلحتهم الوطنية ، بل وفضلوها على الاجتهادات الفكرية والسياسية ، وهذا يعني ان الطفيليين صنعوا لنا الشيعة والسنة والمسلم والمسيحي واجادوا فن التمزيق الاجتماعي على اسس طائفية ومذهبية …
ومن هنا فان كل الجولات المكوكية التي يقوم نوري المالكي واسامة النجيفي للعديد من البلدان التي حشرت نفسها في الشأن الداخلي للعراق هي جولات لها طابعها الشخصي الخاص بهدف كسب التأييد لنهجهما الخاص والمتعلق ببقائهم في السلطة ،…..
الاحتقان السياسي الذي يعانيه العراق هو تحصيل حاصل لانعدام النبرة الوطنية لتلك الاطراف التي تختبئ وراء ستار الخداع والتشويش ، والتي تسبب بلا شك في خلق حالة التراجع السياسي على صعيد الشأن الوطني ، مما ترك انطباعا لدى الاغلبية الصامتة من صفوة الوطنيين المخلصين بان خطورة الاوضاع السائدة في العراق تزداد تعقيدا ، وهي تكمن في الخلط المباشر للدين مع السياسة ، خصوصا وقد تحولت منابر الجوامع والحسينيات في ايام الجمع والمناسبات الدينية الى صراخ وعويل وتحريض للفتن والنعرات الطائفية بأسلوب سياسي متقن ، ومن ثم سياسة التبعية للقوى الخارجية التي تمارسها الأطراف المهيمنة على القرار العراقي ، و نجد دورها تظهر جليا في كل تفاصيل ومجريات العملية السياسية من خلال فرض شروطها ، والتشديد على الالتزام بها وفق اراداتها السياسية التي لا تقف الأ على حساب مصالحها في العراق والمنطقة ….
وعلى هذا الاساس نعتقد ان الازمات العاصفة بالعراق ، وهي كثيرة وكبيرة تنذر بخطر قادم لم يستعد لها نوري المالكي وحكومته على اسس وطنية ، بل راح يميل يمينا ويسارا لطلب المساعدة في مواجهته للتحديات ، وزيارته الاخيرة للولايات المتحدة الامريكية لم تخرج من هذا الاطار ، ودعوته من هناك بإشعال حرب عالمية ثالثة ضد الارهاب هو دليل ضعف ادارته للدولة وعجزه التام في معالجة الشرخ الحاصل في علاقته السياسية مع الاطراف المناوئة لسياسته الرامية لتثبيت ركائز سلطته الفردية والمطلقة ، وهي مصيبته الكبيرة التي سببت في خلق الفوضى والتناحر السياسي والطائفي الذي لا يخافونه السياسيون لانهم متفقون عليه باعتباره داعما من دعائم بقائهم في الواجهة السياسية …….