23 ديسمبر، 2024 5:50 ص

الأيام القليلة التي قضيتها ماشيا على قدمي باتجاه كربلاء، جعلتني أفكر مليا في حياتي، كيف قضيتها، هل كنت صائبا في إختياري؟ هل كان لي حرية الإختيار؟ كنت إذا أردت الصلاة إنزويت في محراب صغير في بيتي مع تمثال بوذا، أوقد له الشموع، وأترك البخور يملىء المكان برائحته الطيبة، وأستجمع نفسي حتى أصلي، أغمض عيني حتى لا أرى شيئا، وأحاول أن أبعد كل الأحداث ومشاغل العمل، وهموم الحياة, لتصفية ذهني، وعندما تنتهي الصلاة، أوحي لنفسي بالراحة.
الأيام القليلة التي مرت عليٌ، كنت أتابع رفيقي في الطريق وهو يصلي، لاشموع، لابخور, حركات سريعة، دقائق وتنتهي صلاته، يتمتم بعدها بكلمات، ثم يشير بيده تجاه كربلاء، ويتمتم بكلمات قليلة، وينهض، فيقول له من حوله، تقبل الله، سالت ماذا فعلت؟ اجابني كنت أصلي، هذا فقط؟ سالت مستغربا، فقال نعم هذا فقط، وماذا، أهناك شيء، لاتهتم لذلك قلت وطلبت الإستمرار بالمسير، كيف يستحضروا أنفسهم أثناء الصلاة بوقت قليل، إنهم يشعرون بالطمانينة، أنا اشعر بذلك.
الأيام القليلة التي مرت، شعرت بها بالطمانينة، على الرغم أني لم أقوم بأية صلاة منذ أيام ، وبوذا محشور في حقيبتي، مع منشفة وامتعة بسيطة، بضمنها قنينة عصير وقطع من الكيك، أشعر بالطمأنينة على الرغم من تعب السير، والضجيج والغبار والزحام، كنت أرى العديد من أعلام الدول، وأرى الكثير من الأزياء التي تدل على انهم ليسوا عراقيين، بل رأيت جماعة يحملون الصليب، يا إلهي من يكون الحسين؟ لماذا تحبه كل الأجناس والأعراق والأديان، ماذا فعل؟.
أيام قليلة مرت، تعلمت فيها الكثير، عرفت أن الحسين لم يجلس تحت شجرة التين، ويتأمل ليصلح نفسه كما فعل بوذا، ولم يَجب البراري لينشئ مدرسة فكرية، بل نهض بثورة إصلاحية، ضد الطغيان لينقذ البشرية من ظلام الكفر والجهل، لم يتهرب في السهول، بل قدم نفسه الطاهرة ثمنا لمعتقده، علمت أنه كان على علم بانه مقتول، فلم يُمَني من خرج معه بالملك والسلطان، فقط قال” أما بعد فإن من لحق بي استشهد ، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح”.
أيام قليلة، تعلمت الكثير، عرفت أن هناك حياة بعد الموت، ومن يتمسك بالحسين، فموعده جنة فيها ما لذ وطاب، فالحسين سفينة النجاة، علمت أن الإسلام الحسيني يحترم كل شيء، حتى جسد الإنسان بعد موته، فلا حرق وذر في البحر، بل دفن وإحترام فربما قيض لهذا الجسد أن يبعث يوما من جديد ليبني مع ولد الحسين المسمى بالمهدي الدولة الفاضلة، حيث لا بؤس ولا شقاء، المهدي الذي تنتظره الدنيا باسرها، لأجل كل هذا عدت لبلدي وتركت بوذا.