18 ديسمبر، 2024 7:37 م

ترجيديا تدوير السلطة ,ولاتَ حين مناص

ترجيديا تدوير السلطة ,ولاتَ حين مناص

ولدت الديموقراطية مشوهة في العراق.رافقها دستور ضبابي هلامي ينقصه الوضوح فتعددت تفسيراته. ديموقراطية لم يمارسها الشعب العراقي من قبل, وتنقصه ثقافتها. لذا ونتيجة لسياسة وممارسات الإحتلال الأمريكي وعدم إعتماده الخطط المعقولة الواقعية لما بعد التغيير في 2003,وسماعه لمن جاء معه ,إنهار الأمن وذابت السلطة .وتفتت دوائرها وتراجع المجتمع ,وإعتراه العنف. وإعْتَلَّتْ الحياة المدنية. فغاب القانون, وسادت الأعراف والسنن القبلية والعشائرية. ولسوء قوانين الإنتخابات وعدم واقعيتها وحصر نتائجها سلفاً لصالح الكتل والأحزاب والساسة الذين اصطحبهم المحتل, تبوءَ السلطة أناس بعيدون تمامأ عن مصلحة الشعب وسيادته على وطنه وأجوائه ومياهه. فتفشى الفساد وتمدد الأرهاب في ظلِّ إحتلال مكشوف ومستور وضعف حكومات المحاصصة.
ولهشاشة هذه الحكومات النفعية سرقت دول الجوار مياهَنا. وسلطت علينا ماء المبازل وسرقت أراضينا ودخلتها عنوةً دون ردعٍ من حكومة أو حليف ستراتيجي.ولضعف هذه الحكومات تدخلت دول الجوار بشؤوننا الداخلية وشجعت الأرهاب ومولته وأرسلت الزمر الأرهابية عبر حدودنا المستباحة.
ورغم كل التجارب الفاشلة للكتل التي احتكرت السلطة منذ التغيير الى هذا اليوم, لم تفلح هذه الأحزاب والكتل بتشكيل حكومة قوية مقتدرة شجاعة تدحر الفساد وتقضي على الأرهاب ,الذي موِّلَ بالأموال التي نهبها الفاسدون. ولضعف ذمم المسؤولين وفسادهم سهلَ لداعش إجتياح محافظات عراقية فهددوا مشارف بغداد والوسط العراقي. ولم تنجح حكومات المحاصصة الفاقدة للشرعية في هيكلة دولة تتبنى مؤسسات المجتمع المدني والحوكمة الألكترونية لتقلص الفساد والروتين وتخفف من أعباء المواطن العراقي المغلوب على أمره.لم تتمكن هذه الكتل والأحزاب رغم صخبها من وضع دراساتٍ تنهض بالبلاد اقتصادياً وصناعياً وزراعياً ولم توفر الخدمات المطلوبة من ماء وكهرباء وصحة. ولم تنجح برفع مستوى التعليم بل ساهمت بهبوط المستوى العلمي والمعرفي, لضعف وطنيتها وفقدانها الكفاءة والأخلاص . مع كل هذا الفشل المدمر لهذه الأحزاب وفسادها ,لا زالت مصرَّة بلا حياء على التمسك بالسلطة. وتعرقل حق تقرير الشعب مصيره. وتصر بعنادٍ على عدم تغيير أو تعديل قانون الأنتخابات, وأبقت عليه رغم اجحافه بحق الأفراد والأحزاب الصغيرة والمستقلين. وحرمتهم من حق دخول مجلس النواب .
فزُوِّرتْ الأنتخاباتُ. كما ورد هذا في تقرير اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء الموثقة والمؤيدة بتقارير من المخابرات والأمن القومي والنزاهة واللجنة التي شكلها مجلس النواب .وبإعتراف ممثل الأمم المتحدة في العراق.
رغم كل ماسبق مُرِّرَت نتائج الأنتخابات وجاءت نسخة من الأنتخابات السابقة. ليس فيها تغيير يُذكر. بل تَدْوير للأسماء مع تغيير بسيط جداً.
قاطع 70% من الشعب الأنتخابات لعدم ثقته بمن يشرف عليها, وبقانون الأنتخابات المجحف. ورغم شهادة الجميع بأن تزويراً كبيراً قد اعتراها, صاحبه حرق لصناديق الأقتراع. وكما ذكرتُ مُرِرَتْ النتائج بطريقة مسرحية تراجيدية مأساوية يدفع العراقيون ثمنها .
وسيدفع الشباب العاطل والأرامل والأيتام والمُهجرون في الخيام والأصح سواد الشعب العراقي الفقير ثمن هذه النتائج, بينما السياسيون الممسكون بالسلطة يُدَوِرونَها بينهم بتغير أحمد الى ملة أحمد وخوجة علي الى ملة علي.
تتسابق هذه الكتل لتُشكِل الكتلة الأكبر, بمفاوضات مارثونية وعروض سرية وعلنية وكأنها مزايدة بيع وشراء. وكما توقع الجميع لا تغيير ولا تراجع عن المحاصصة. ولا بدَّ من تقاسم الكعكة بذريعة التوافق والفضاء الوطني.وربما تتنازل بعض هذه الكتل عن أجزاء من الأرض المتنازع عليها لمُكَوِنٍ معين بغية تشكيل الكتلة الأكبر. ولِما سبق فالإنتخابات ونتائجها لا تعدو عن عملية مخاتلة وتلاعب بالألفاظ لتدوير السلطة بين مسميات ورموز عائدة لتلك الكتل والأحزاب. وليس هناك من جديد…. ولا من جديد… وهيهات هيهات من جديد, وكما يقول المثل العراقي (ذاك الطاس وذاك الحمام). فلا برامج للكتلة الأكبرفي تنميةٍ جدِّية ولا منهجاً للنهوض بالتعليم والصحة والخدمات ولا إصلاح ولا مغادرة للمحاصصة والطائفية. ولا شيء …لا شيء… ولا أمل بشيء سوى الوعود والكلام. وكأنهم يقولون للشعب كما يقول المثل العراقي ( تريد أرنب خذْ أرنب تريد غزال خذ أرنب).
تظاهر الناس في الوسط والجنوب وإعتصموا مطالبين بالقضاء على الفساد والفاسدين. والعدالة في التعيينات ومعالجة خدمات الماء والكهرباء والنظافة وإصلاح كل ما تمرُّ البلاد من حالة تردٍ اقتصادي وعلمي وثقافي. ووعد المسؤولون بمعالجة وتلبية مطالب المتظاهرين ولكنها وعود عرقوب وكلام بكلام لا كلام بفعال. فلم نلمس من هذه الأحزاب أية خطط وبرامج مُعَدَّة. ومُيِّعَتْ المطالب بالتسويف والمماطلة .
على أية حال فهم يريدون منّا التعايش والقبول بما يخططون ويرسمون. وأن نقبل بأقل من الأرنب. وليس علينا سوى السمع والطاعة وكأننا عبيد إشترونا من سوق النخاسة.
ولو راجعوا أنفسهم وأزالوا الغشاوة عن عيونهم وفتحوها وراجعوا تأريخ العراقيين والدروس ,التي لقَّنوها للحكام, لتراجعوا وحطّوا من عليائهم وتكبرهم وغلوائهم وغطرستهم على أرض الواقع. ونهجوا نهجاً براغماتياً وطنياً مدروساً, يسعى لأصلاحٍ حقيقي. يبدأ بتغيير أو تعديل الأنتخابات, وشكلوا لجنة فنية قانونية أكاديمية لتكتب عقداً إجتماعياً (دستور) جديداً يتماشى مع الواقعية والحداثة والحقوق الكاملة لكل العراقيين دون تمييز, مستفيدين من التجربة ,ومن الإبهام الذي اعترى الدستور ورافق الحكم طيلة 15 عاماً.لتحفظ للعراق وحدته وتلاحِم مكوِناته. ليتمكن العيش والنهوض بين دول مجاورة واقليمية طامعة, وأخرى دولية يسيل لعابها لإمتصاص ثروة هذا الشعب الذي دمره الجهلة والأميون والمزوِرون, الذين احتكروا السلطة وحرموا الشعب من حقوقه الأنسانية بالعيش الحر الكريم. ألا بئست سياسة التدوير التراجيدية وبئس السياسيون الذين ارتدوا عباءة الأجنبي بعد أن خلعوا الرداء الوطني.
إنَّ باب التوبة مفتوح أمام مَنْ ساهم ودفع العراق لحال اليوم البائس ,وما إعتراه من مصائب ومحن جراء عملية سياسية متعثرةٍ فاشلة .وبيد هذه الأحزاب والكتل الأصلاح إن شاءت ,وسعت للتوبة. وما عليها إلا أن تستمع لرأي الشعب ومطالبه المحقة .وذلك بتشكيل حكومة مؤقتةٍ من الخبراء لأدارة البلاد.وتعديل قانون الأنتخابات ووضع دراسة ومسودة للدستور من خبراء في القوانين الدستوري. وعرضها على الشعب مباشرة,لا على مجلس النواب .ومن ثم حل مجلس النواب وإجراء إنتخابات جديدة ,تفرز مجلس نواب يمثل الشعب بأحقية. فخيرُ الخطائين التوابون.وليَكُنْ هذا قبل فوات الأوان. وقد قال ربُّ العزة : كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ.