اليوم تجمع أرض واشنطن، كلاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس التركي رجب أردوغان، ما يثير الدهشة والتساؤلات حول ما الذي يمكن أن تتمخض عنه تلك الزيارة، هل ستتحقق مصالحة بينهما، أم أنه من الصعب تحقيق ذلك؟ بعد تسليم أنظمة الدفاع الجوي الروسية “أس400″، التي تسببت في أزمة بين أنقرة وواشنطن، في منتصف تموز الماضي فدقت ناقوس الخطر.
بمتابعتي للأحداث لم أتفاجأ مما تخطط له أمريكا لتلعبه في المنطقة، و المتابع البسيط لقضايا المنطقة يلاحظ بشكل واضح بأن أقل ما في تحركات واشنطن في الفترة الأخيرة أنها مريبة، خاصة وأن تركيا تعتبر الحليف الرئيسي لها في المنطقة وبينها وبين أمريكا إتفاقيات عسكرية وثيقة.
بالمقابل إن المقترحات الهادفة إلى تحسين العلاقات بين أمريكا وتركيا تضمنتها رسالة وجهها ترامب الأسبوع الماضي إلى أردوغان الذي يزور حاليا واشنطن لبحث المشاكل العالقة والملفات الساخنة، أهمها : الملف السوري، وعملية “نبع السلام”، وكذلك المنطقة الآمنة، وعدم التزام واشنطن بسحب الوحدات الكردية من مناطق في الشمال السوري وفق الاتفاق السابق بين أمريكا وتركيا.
في عالم السياسة لا شيء مستحيل، ، عرض الرئيس ترامب، على نظيره أردوغان، صفقة للالتفاف على العقوبات التي أقرتها بلاده على أنقرة، وذلك من خلال عقد صفقة تجارية بقيمة 100 مليار دولار، لتجاوز العقوبات التي توعدت بها واشنطن بسبب صفقة صواريخ “أس400” الروسية.
من يتابع الأحداث، وخاصةً تلك المحسوبة على “البيت الأبيض”، سيجد الكثير من الدلالات التي تشير إلى أن المقترحات ستغضب بعض المشرعين الأمريكيين، خاصة في مجلس النواب، الذي أيد الشهر الماضي فرض عقوبات على تركيا، بسبب عمليتها العسكرية في شمال سورية “نبع السلام”. والمأمول آن تدرك أنقرة حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري، والجنوح إلى السلام التي تدعوا إليها الحكومة السورية بإستمرار .
من دون أدنى شك، حملت العلاقات التركية الأمريكية في طياتها الكثير من الخفايا والمصالح، والحقيقة هي أنّهما يمثلان القوة الإقليمية الرئيسية المسببة للأحداث في سورية وهي اليوم أهم مصدر للمال والسلاح إلى الجماعات المسلحة وأدواتها، وقد عملت تركيا على إنشاء مراكز التجنيد ومعسكرات التدريب ومخازن السلاح على الأراضي التركية لصالح هذه الجماعات وسائر تشكيلات المرتزقة المشاركة في الحرب على سورية لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له أمريكا وتركيا لتلعبه في المنطقة.
وانطلاقاً من ذلك فإن علاقة أمريكا بتركيا، إنما ينطلق من أساس واحد وفروع متعددة تتعلق بكل دولة على حدة، والأساس هو إن أنقرة لها علاقات إستراتيجية مع أمريكا ،وهذه العلاقات قائمة على خدمة المشروع الأمريكي، وتنفيذ مطالبه من حيث الجوانب العسكرية والتي تتمثل بتنفيذ الأجندات الأمريكية وتوريد الأسلحة والمعدات الأمريكية، وبالتالي فإن بقاء شهر العسل بين أمريكا وتركيا ، لن ينتهي قريباً طالما بقيت هذه الدول على علاقة جيدة مع إسرائيل ولا أظن إن هذا التحالف سيتلاشى طالما بقيت هذه المنطقة المصدر الأساس للطاقة والاقتصاد والنفط.
وأخيرا أختم مقالي بالقول صحيح إن أمريكا وتركيا وبعض حلفاء أمريكا في المنطقة يضعون الإستراتيجيات والمخططات، للوصول إلى أهدافهم، ولكن ما أكثر المخططات الأمريكية والصهيونية التي اصطدمت بإرادة الشعوب وتكسرت على صخرة مقاومتها، ولا أظن نتيجة الإستراتيجية الأمريكية الحالية ستكون أفضل حالا من نتائج الاستراتيجيات السابقة، وما المقاومة التي أصابت “داعش” وأدواتها بالرعب بفضل قوة وجسارة الجيش السوري وعقيدته القتالية المدهشة ، ليست إلا جانباً من إرادة سورية في تصديها للإرهاب، والتي تقود المعارك على الأرض لترسم خارطة المنطقة بأكملها.