18 ديسمبر، 2024 10:11 م

ترامب يخير العراقيين … اما أمريكا او إيران

ترامب يخير العراقيين … اما أمريكا او إيران

تلقت أمريكا، نبأ تصويت مجلس النواب العراقي، على اخراج كافة القوات الأجنبية من العراق، بموقفين لا ثالث لهما، الأول : التقليل من أهمية القرار والتشكيك بشرعيته، على اعتبار ان رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي يقوم بمهام عمل تصريف الاعمال، وان أي حكومة لا تتعامل الا مع نظيرتها ولا تتعامل مع مجلس نوابه، والثاني : بالتهديد والوعيد بفرض عقوبات اقتصادية اشد واقوى من العقوبات التي فرضتها على ايران، ودفع كل تكاليف القواعد الامريكية في العراق، كما قال الرئيس الأمريكي المعتوه ترامب.

هذا الموقف الأمريكي وتهديدات الرئيس ترامب، يعبر بشكل قاطع على ان الولايات المتحدة لا يمكن لها ان تترك الساحة العراقية، لكنه يعبر أيضا عن سياسة “ابتزاز” أمريكية جديدة تستهدف العراق، بشكل مشابه لسياستها مع دول الخليج وبالتحديد السعودية.

ان ترامب يريد من تهديداته وسياسته هذه زيادة قوة مطرقة الضغط على العراق، باستخدام أسلوب تعدد البلاءات عليه، لإيصاله الى طريق واحد، وهو اما اختيار الحلف والانصياع لبلاده وابتزازه متى شاء وباي مبلغ يريده، او البقاء بالتمتع بعلاقات جيدة متعددة الأوجه مع ايران.

وهنا لابد لنا دراسة كلا الخيارين، والتوصل لردود الفعل والممارسات الامريكية، حاليهما:

الخيار الأول : الانصياع لامريكا

ان التوجه نحو أمريكا، يعني ان يكون القرار العراقي بالمطلق بيدها، وبشكل مشابه للقرارات الخليجية وخاصة السعودية التي تعمل وفق الايحاءات الامريكية بشكل كامل وواضح، وما يحصل في اليمن خير دليل على ذلك.

وهذا الطريق محفوف بالمخاطر، لعدة اعتبارات، منها :

أولا- ان ثروة العراق ستكون مرهونة بيد أمريكا.

ثانيا- استغلال العراق بالدخول في حروب بالنيابة عنها، كما فعلت ذلك مع صدام حسين في حربه على ايران عام 1980، وخداعه وتوريطه في اجتياح الكويت عام 1990، وأيضا توريطها لكلا من السعودية والامارات وبعض الدول الخليجية في الحرب في اليمن.

ثالثا- إيصال العراق الى مستوى التخلي عن قضاياه العربية الإسلامية، وخاصة قضية فلسطين المحتلة والتطبيع مع الكيان الصهيوني، كما فعلت ذلك مع السعودية والامارات والبحرين وعمان.

رابعا- توريطه بديون ليس له اول ولا اخر، لتكون سكين تحز رقبته متى حاول العراق الخروج من الدائرة الامريكية.

خامسا- سلب الإرادة الوطنية العراقية بالكامل، في كثير من قضاياه السياسية، التجارية ، الاقتصادية، وحتى الاجتماعية.

واذا تم الركون الى “الخيار الأمريكي”، فانه يمكن ان ينجح رغم الخسائر التي ذكرناها في النقاط انفة الذكر، لكن السؤال المهم: كيف ان نركن لهذا الخيار بوجود مجتمع عراقي متعدد التوجهات والولاءات، ومرتبط بأعراف إسلامية وقبلية صارمة، ومتعلقة بجذور ثقافية تاريخية، ومبنية على التضحية والموت في سبيل العقيدة والمثل العليا.

وهذا الامر لا يمكن له ان يحدث او ينجح في العراق، لانه سيحتاج حينها الى أسس وجذور ثقافية جديدة لا يمكن ان يتقبلها او يقبلها الشعب العراقي، وحينها سيكون الركون للخيار الأمريكي محفوف بالمخاطر ومقدمة لإشعال اضطرابات وصراعات جديدة لم ولن يشهدها العراق من قبل، وهذا الامر بطبيعة الحال لا يهم أمريكا وفق مفهومها الذي رسمه وزير خارجيتها الأسبق في سبعينيات القرن الماضي، هنري كيسنجر، الذي وضع ضمانان هامان، هما المحركان الرئيسيان للاستراتيجية الامريكية العامة حيال كل ازمة جديدة في الشرق الأوسط.

الاول: ضمان امن وسلامة الكيان الصهيوني.

الثاني: ضمان استمرار تدفق البترول العربي، وفوائض امواله الى الغرب وخاصة أمريكا.

كما انه لا يمكن ان نغفل عن التجارب التاريخية العراقية والعربية مع أمريكا، التي عرفت كدولة لا تفي بوعد ولا تبني وطن، ولا تراع مصالح شعوب، والأزمات العراقية بعد عام 2003 خير دليل، فهي من اغرقت البلد في الإرهاب وهي من انهكت اقتصاده واوصلت شعبه الى الفقر المدقع، وهي من حاولت اضعاف قوته العسكرية .. الخ من الممارسات

اذن .. الويات المتحدة لا تؤتمن والصعود في ركبها سوف ينهي العراق، ويحرم اجياله من كل امل بالاستقرار او تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.

ثانيا- التخلي عن أمريكا والحلف مع ايران

بعد خروج ايران من حربها مع العراق عام 1088، ركزت على تنمية بنيتها الاقتصادية والعلمية بشكل ملفت وبشكل فاجأ العالم، وبالتحديد اعدائها الذين لم يلبثوا الا ورأوا ايران كأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وبتقنيات ملفتة اوصلتها الى مستوى الاكتفاء الذاتي بتسليح جيشها، وتتبنى قضايا عقائدية تدعوا الى معادات أمريكا وإخراج الكيان الصهيوني من فلسطين المحتلة، فضلا عن تمدد نفوذها في الشرق الأوسط وتشكيلها لـ “قوى المقاومة الإسلامية”، في المنطقة.

ان السياسة الإيرانية مع حلفائها في المنطقة، في العراق وسوريا ولبنان، هي “سياسة الوحدة غير الرسمية”، استطاعت من خلالها توحيد الخطاب بينها وبين حلفائها، لذا من أراد الدخول بحلف واضح مع ايران عليه ان يتمسك بسياستها في المنطقة والعمل على تحقيق طموحها وأهدافها الإسلامية، وهذا واضح من خلال ان ايران لا يمكن ان تقرب حليف أمين اليها، الا بعد ان يعترف بمبدأ ولاية الفقيه، (أي الحاكم الإسلامي الواجب الطاعة، المبسوط اليد على البلاد الإسلامية).

وهنا لابد من التنويه، بان (ولاية الفقيه) لا تقول بها ايران وحدها، انما هناك مراجع دينيين في النجف الاشرف، تقول بها، مثل مرجعية الشهيدين الصدريين قدس الله سرهما، ومرجعيات لعلماء احياء، مثل مرجعية الشيخين قاسم الطائي ومحمد اليعقوبي، (ولكن بشكل يختلف عن التي تؤمن بها ايران)، وكذلك مرجعيات في لبنان، بخلاف مرجعية السيد السيستاني دام ظله الذي لا يقول بها… وبالعموم ان الدخول في هذا المبدأ يمكن ان يجرنا الى بحث مفصل يخرجنا من الموضوع المستهدف.

بالنتيجة ان حلف العراق مع ايران التي تعد العدو الأول لأمريكا والكيان الصهيوني على الاطلاق، سوف يزيد من العداء الأمريكي للعراق وسوف تعامله كمعاملة ايران، وتدخله في حرب دبلوماسية وعسكرية مفتوحة، كما فعلت ذلك مع حليفتها سوريا .

ماذا يريد العراق ؟

ان العراق يعي جيدا بان وضعه الحالي الضعيف، لا يقوى على مقارعة أمريكا، وبنفس الوقت لا يمكن له ان يتخلى عن ايران التي تربطه معها علاقات قوية جدا متعددة الأوجه، ان كانت سياسية او عسكرية او اقتصادية او تجارية، وحتى اجتماعية.

وهنا فان ترامب وضع العراق في حيرة من امره، فلا يقدر ان يقف مع أمريكا ضد ايران، ولا يقوى على مواجهة أمريكا مع ايران.

فالعراق يريد ان ينأى بنفسه عن أي صراع امريكي – إيراني، ويريد ان يتمتع بعلاقات جيدة مع كلا الدولتين، ويعزز علاقته مع باقي دول المنطقة وخاصة الخليجية التي بدأت بالانفتاح عليه خلال فترة حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي السابقة.