28 ديسمبر، 2024 1:55 م

ترامب يختطف زهرة المدائن

ترامب يختطف زهرة المدائن

واخيرا فجرّها ترامب ، وقال للمجتمع الدولي ،وعلى راسه منظمة الامم المتحدة بقرارات جمعيتها العامة التي لا تحصى ولا تعد ، و مجلس أمنها بقراراته التي شارفت على الاربعين قرارا ان لم تكن أكثر ، والتي أكدت جميعها على ضرورة انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة ، وبناء عملية سلام استنادا الى اتفاقيات أوسلو في أوائل التسعينات من القرن الماضي، تقوم على أساس حل الدولتين وان تكون القدس عاصمة لدولة اسرائيل والدولة الفلسطينية المرتقبه على ان يتم التفاوض عليها بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني خلال مفاوضات الحل النهائي . حسم ترامب الامر وقال للجميع بالفم المليان القدس كلها عاصمة لأسرائيل والذي لا يعجبه فليذهب يبلط البحر ، وقراراتكم هذه بلّوها واشربوا ميتها. هذا بالضبط ما اراد ترامب ان يرمي اليه في خطابه يوم الاربعاء السادس من هذا الشهر الذي اعلن فيه ان الولايات المتحدة تعترف رسميا بالقدس عاصمه لدولة اسرائيل ، وأمر وزارة خارجيته ان تباشر عملها في نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس . هذا الاعلان قوبل برفض المجتمع الدولي وبطبيعة الحال الدول العربية والاسلامية .
بالنيابة عن الشعب الفلسطيني ، نقدم امتناننا وخالص شكرنا لكل من استنكر اعلان ترامب . بيد ان ترامب اشار في خطابه الى مقاربة سلام جديدة ، بطبيعة الحال ستضاف هذه المقاربة الى المقاربات والمبادرات السابقة التي عنت بايجاد حل للقضية الفلسطينية . واكاد اجزم ان المقاربة التي اشار اليها ترامب تمت بالتشاور مع بعض من قادة الدول العربية ، وستتكشف ملامحها في المدى المنظور . ولنفترض ان ما اقوله في هذا الجانب هو محض قراءة فنجان ،أو قول رجل افتقد الحصافة والتأني واطلق لخياله العنان ، ولكن دعونا نبحث عن مخرج يتناسب مع مستوى الحدث ، ولنا في تساؤل فلاديمير لينين التاريخي ، ما العمل؟ أسوة حسنة ، بمعنى كيف سيتصرف العرب في موقف كهذا ؟ هناك اربعة احتمالات : الاول ، ان يستنكر القادة العرب ووزراء خارجيتهم اعلان ترامب وينعتوه بأسوء الاوصاف ،وبعدها يذهب كل واحد لحال سبيله ، فالله خير حافضا وهو ارحم الراحمين . والثاني ، ان ينخرط بعض القادة العرب ومعهم رئيس السلطة الفلسطينية في مقاربة ترامب الجديدة التي جبّت ما قبلها ، وعند ذاك يدخل الفلسطينيون نفقا اطول من نفق أوسلو الذي اغلقه ترامب في اعلانه الشهير ، فالقادة العرب من دون استثناء راغبون في التخلص من عبء فلسطين والشعب الفلسطيني ، ولم تعد القدس تعني شيئا وجوديا بالنسبة لهم ، لاسيما بعد انطفاء مرحلة القومية العربية التي جعلت القضية الفلسطينية قضيتها المركزية الاولى وخاضت ثلاثة حروب من اجلها ، وبعد سقوط عواصم كانت بمثابة الدينمو المحرك لنضال القوميين العرب بمن فيهم الفلسطينيون ، فقد تمزق العراق وتبعثرت سوريا وانزوت مصر وغادرنا بلد كان اسمه ليبيا ويمن يتحطم تحت مطرقة انصار الله ، حتى غدت القدس لا تعني للعرب شيئا ، وكأن فيروز لم تنشد لها اغنية زهرة المدائن ، حتى اصبحت أصغر مدينة عربية اكبر واكثر قدسية من زهرة المدائن . الاحتمال الثالث ، ان يرفض العرب اعلان ترامب وينخرطوا فيما يسمى بمحور الممانعه ، ودون ذلك خرط القتاد ، لأن هذا محور ايراني ،وليس له من الممانعة الاّ الكلام ، ولعب هذا المحور دورا كبيرا في حرف اتجاه بوصلة العرب عن اسرائيل لتتجه الى حماية مصالح بلدانها وامنها ، بعد ان اتخذت ايران من المذهب وسيلة لتهديد الامن الوطني والنسيج الاجتماعي لعدد من البلدان العربية ، ان لم نقل جميعها بحجة مظلومية هذا المذهب . اما الاحتمال الرابع ، فهو ان تشن دول الممانعة وعلى راسها ايران وجيش القدس والحشد الشعبي واحزاب الله وانصار الله ، وتحت راية الموت لأمريكا والموت لأسرائيل الحرب على اسرائيل وتحرر بيت المقدس ، وعند ذاك يصبح لأيران مطلق الحق في ان تقود العالم العربي والاسلامي ، وننتظر منها ان تفعل ذلك ، فهي تحكم اربع عواصم عربية كما يتغنى بذلك المسؤولون فيها ، وطريقها سالك ومعبّد من العراق الى سوريا ومن ثم لبنان وغزة وصولا الى اسرائيل ، الا انها لن تفعل لأن ذلك يتعارض مع مصالحها وأمنها الحيوي ، هي تريد الاطاحة بالانظمة العربية وليس باسرائيل فهي تجعج لأسرائيل وتطحن في العرب .
بعد سيطرة الاسلام السياسي على المقدرات ، ضاعت الاوطان وانتعشت ايران وتمتعت اسرائيل بالامان . وعلى من يهمه قضية القدس ان يمضي مع واحد من الخيارات اعلاه ، او ان يترك لأطفال فلسطين صنع مستقبلها .