20 أبريل، 2024 8:41 ص
Search
Close this search box.

ترامب وبايدن : سياسة الإجتهاد وترك الحكم للشعوب !

Facebook
Twitter
LinkedIn

السياسة التي انصرف اليها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في فترة رئاسته كانت سياسة استبدال الواقع او التأثير عليه لإتاحة الفرصة للتوسع التدريجي في آلية صياغة علاقات جديدة مع دول العالم , وهذا الإستبدال أو التأثير تم بالإستغناء عن كل الأفكار السياسية الداعمة له من قبل الإدارات الأمريكية السابقة التي صنعته .
ومن الطبيعي ان يبدأ أولآ بتغيير مواقف الإدارت الامريكية السابقة من القضية الفلسطينية الحساسة وإعترافها بالأتفاق النووي الإيراني والتجارة مع الصين والأتحاد الأوربي وكندا ودعمها للمنظمات الدولية , واضعا بإجتهاده هذا منطق رجل الاعمال الذي يدعو الى الربح ولاشيء فوق الربح , لينتج من ذلك علاقات غريبة بخلاف القانون الدولي والأخلاق الإنسانية والاجتماعية بعدما كانت نظامية او مقبولة الى حد ما لكلا الأطراف .
ولا احد لم يدرك ماكان خلف هذه الحركة من التغييرات في السياسة الخارجية الامريكية وماتخفية في آن واحد . فبعدما اندهش العالم من ترامب وتسائل : من اي باطن من الارض خرج عليهم بطريقة تصفيره لألتزاماته الدولية ؟ فقد شعر البعض من القادة في العالم انهم اصبحوا مستبعدين أو صرف عنهم النظر ولايشكلون في بلدانهم إلا صورآ خرساء مثبتة على جدران مكاتبهم تتبدل وفق تداول زمني للسلطة بشروط ديمقراطية انتخابية مثيرة للشفقة والضحك .
ومضى ترامب بخطواته الى هدفه بإسترضاء اليهود الذي بدا اكثر وضوحا عندما أتخذ من صهره جاريد كوشنر الصهيوني الشاب ليشيّد به الركن الصهيوني في ادارته , مستشارآ له في الشأن الفلسطيني , ولم يلحظ احد ذلك إلا بعد ان ظهرت للواقع مسألة تطبيع البحرين والإمارات مع العدو الصهيوني من خلال زيارات سرية لهذا الصهر مع مدير الاستخبارات الصهيونية وشربهم للشاي والقهوة العربية مجاملة مع الذين خشوا على عروشهم من الضياع فعملوا بالأوامر الألكترونية والتهديد والضغط الشديد للقبول بها بعدما كانت مسألة التطبيع مطمورة ردحآ من الزمن .
والجدير بالإشارة اليه , أن ترامب هو نتاج بيئة يتقاسمها الأمريكيين بالحب والكراهية للسامية بالظاهر والعمق في آن واحد , ولعل ترامب احد هؤلاء من خلال مواقف يعرفها الشعب الامريكي , إلا انه زيّف الكراهية بوجود صهره الصهيوني كوشر وتحول ابنته ايفانكا الى اليهودية ليكسب ود اليهود من ناحية وليحقق صهره وابنته مكاسبآ لإسرائيل من ناحية أخرى .
عندما خسر ترامب بالإنتخابات للفوز بحقبة ثانية بإثارة أنصاره لإقتحام مبنى الكابيتول , لم يتردد قادة العالم عن إدانته بالتحريض على تمزيق الديمقراطية , وعلى طراز عناصر داعش وصفت وسائل الإعلام انصاره وهم يقتحمون مبنى الكابتول وأنتهى الى الأبد بسبب هذه الحادثة التي جرت امام انظار العالم , وهذا كان الوصف الحقيقي لإجتهاد ترامب السياسي في مسألة تفكيك العلاقات الدولية التي كانت قائمة بين الأمم كما فعلت داعش مع المجتمعات العربية وإدانة دولية لمسألة الإنتشاء الشعوري في تحقيق الأهداف على حساب الشعوب والأخلاق والقانون الدولي .
وبالرغم من انني وصفت جزءآ من سياسة ترامب وتصرفاته ذات البعد السياسي غير الأخلاقي والقانوني وسلوكه المنافق للصهيونية والمتحيّز لكيانها الغاصب , فإن خلفه الديمقراطي الرئيس جو بايدن الذي بدا مغايرآ من ناحية الصمت على العديد من اتفاقيات ترامب وإلغائه بشكل جذري لعدد آخر منها كإستراتيجية مرحلية لتلطيف الأجواء السياسية لمواجهة التهديدات المحتملة , إلا أنه تميّز بولائه لليهود والتركيبة الصهيونية مع أنه وازن بين العقل والنظر الى الحقائق التأريخية . وخير شاهد على ذلك تصريحه عن الضفة الغربية والجولان وغزة كونها أراض فلسطينية محتلة منذ عام 1967وهذا التصريح يتطابق مع رؤية الإدارات السابقة التي تدعوا الى حلّ الدولتين .
لكن ليس كل أسلوب صحيح يميّز إجتهاد بايدن عن إجتهاد ترامب يعني أنه يسير على خطى قادة التحرر بالعالم , فإجتهاد بايدن في صياغة شكل السياسة التي اتبعها مع العراق وإيران الإسلامية غير واضحة الأهداف , ففي العراق لم يشارك الحكومة برؤيتها الخاصة بسحب القوات من اراضيه او بحث معها هاتفيآ أو الكترونيآ على نوع من تجارب الأمم السابقة تكون فيها المشاركة على الأرض بالتجارب الحضارية التي تستمد مقوماتها من البعد التأريخي للتراث ورؤية الشعب الإنسانية للحياة والخروج من قوقعة الفساد والتخلف الى فهم واعي تتحقق فيه الرؤية الحضارية للطرفين , لأنه غير مؤمن بالفكر الأخلاقي الذي يبحث عن منطلقات لتحقيق ذلك .
أما فيما يخص إيران الإسلامية , فقد شارك في محادثات العودة الى الأتفاق النووي بشكل صوري بعيد عن المصداقية , وتجلى ذلك بوضوح بالوقوف مع اسرائيل واعطائها الضوء الأخضر للقيام بأعمال تخريبية لمنشآت إيران النووية من اجل الهائها في تعمير الأضرار الناجمة عن التخريب وتأخير مايزعمون انها تهدف الى امتلاك السلاح النووي لأشهر اخرى وإطالة امد المحادثات والعقوبات , ومن ناحية أخرى لايستبعد تآمره مع الإتحاد الأوربي في فرض عقوبات اقتصادية على مسؤولين إيرانيين لنفس الغرض المذكور الأمر الذي دفع إيران الى زيادة التخصيب الى 60% .
وبهذه الجوانب التخريبية التي تقوم بها اسرائيل يتبين ان حضور الولايات المتحدة لإجتماع فينا ليس للعودة الى الإتفاق النووي فحسب , بل لحضور جلسة إستماع الى مطالب الجانب الإيراني لإتاحة الوقت الى إسرائيل بالمضي في برنامجها التخريبي المعطل للبرنامج النووي السلمي الإيراني وهذا إجتهاد سياسي يصادر فيه بايدن لهفة إيران على الفوز بقرار رفع العقوبات بل ويحطيم معنوياتها .
ان بايدن الذي وضع على طرفي نقيض تصرفات ترامب تجاه العالم اجمع وتصرفاته المدروسة بإزاء إلغاء قرارات ترامب الفوضوية , فهو في ذلك أراد ان يبرهن لترامب الذي يراقب سياسته عن كثب بل ويسخر من إجراءاته الضعيفة أنه ليس عجوزآ ساذجآ فيناسب بين الزعم والتطبيق وخاصة في موضوع العودة الى الإتفاق النووي دون تحقيق المصلحة العليا للولايات المتحدة وإظهار ذكائه السياسي أمام ناخبيه للبرهنة على أنهم انتخبوا الرجل الصحيح ليسحب من تحت قدم ترامب بساط النقد والنقمة والنزوع الى سحب الثقة منه عندما يراه في سلوكه المتراخي والبطيء الذي يحول دون تحقيق تلك القوة والعظمة لأمريكا .
لكن المراقبين في العراق وإيران ينظرون الى سياسة بايدن وإجتهاده في هذا الجانب على أنه صورة صريحة أخرى للخداع الأمريكي والتمرد وخاصة عن الإجماع الأوربي الذي دعا من قبل بالظاهر الى العودة اليه بعد رفع العقوبات , وتجسيد للسبل التي اتبعها ترامب لجعل أمريكا قوية وعظيمة مرة أخرى .
وبالسياسة نفسها التي اتبعها بايدن مع إيران , فقد أظهر مع روسيا التي تنظر اليه بعين ترامب نفسها كرئيس ضعيف ينبذ القوة ما جعلها تحرك الإنفصاليين في اوكرانيا للقيام بتنفيذ لعبة جديدة للإستحواذ على اراض جديدة , لكن برباطة جأش مقصودة أمام ترامب من ناحية وأمام ناخبيه , فقد حذر بايدن روسيا من مغبة انتشار قواتها على الحدود مع اوكرانيا , بل وأدخل قطعتين حربيتين في البحر الأسود كإشارة الى أنه لايختلف عن سلفه ترامب بإستعراض القوة التي استخدمها في مياه الخليج لتهديد إيران .
هكذا هي السياسة الأمريكية تتناوب من إدارة تتسم بالإزعاج وإستغلال النفوذ والقوة لتنتشي بروعة الإحساس حين تحقق شيئآ جديدآ لم يسبقها في ذلك احدآ من قبل وحين تغادر البيت الأبيض تقوم بإختلاس النظر الى انجازات خليفتها فتعارض الضعيفة منها , بل وتنتقدها بشدة لتبرهن ان ممثل حزبها للرئاسة كان اكثر قدرة على التفاعل مع قضايا العالم وذو مكانة وفعالية عالية وبطابع قوة نموذجي . وهاتين الإدارتين المتعاكستين بالإجتهاد السياسي يلتقيان بنقطة واحدة مشتركة هي المصلحة العليا للولايات المتحدة , أما الشعوب فهي الضحايا التي يترك لها الحكم على ذلك الإجتهاد سواء بإعادة العلاقات او البقاء في ميدان المعارضة .
وبهذا الشأن وبإختصار شديد لا تتغير سياسة امريكا إلا بصيغ وآليات تراها مألوفة يتطابق فيها تحقيق الهدف القريب مع الهدف البعيد عندما يتعلق الأمر بمصالحها او بأمن كيانها الصهيوني .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب