22 ديسمبر، 2024 10:09 م

ترامب والشرق الأوسط

ترامب والشرق الأوسط

بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب  في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت في نوفمبر الماضي بات الجميع أمام امر واقع ينبغي التعامل معه بحذر لتجنب أثاره الجانبية خصوصا وهو صاحب حملة انتخابية شرسة انطلقت منها شرارات نارية كبيرة جعلت من الجميع يقف خائفا يترقب القادم الجديد للبيت الأبيض الذي يتوجس الجميع  توجهاته.
فلطالما كان الشرق الأوسط  احدى أهم المناطق الجوهرية في السياسات الدولية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، ولا شك أن موضوع الرئاسة في الولايات المتحدة كان محل اهتمام واسع لدى الأوساط الفاعلة في المنطقة التي تبدو في موضع قلق من الحاضر والمستقبل معا.
فاليوم تبدو اغلب القوى العربية والاقليمية في حالة إحباط مستمر من إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما إذ كان  الاتفاق النووي مع إيران تتويجا لهذا الإحباط الذي أصاب دول التآمر العربية والأقليمية . فتركيا لا تشعر بالارتياح من مواقف إدارة أوباما إذ خيم التوتر على العلاقة بين البلدين الحليفين بسبب الاختلاف حول الموقف من الأزمة السورية ودور الأكراد في محاربة تنظيم ” داعش”. وجاءت محاولة الانقلاب الفاشلة الصيف الماضي لتزيد الطين بلة حين عبرت أنقرة عن اندهاشها من التعامل الأميركي البارد مع الحدث.لذا وفي خضم هذا الغموض الساخن فأن كلا من تركيا والسعودية ستعملان على إستعادة الثقة المفقودة مع الولايات المتحدة على أكثر من صعيد فيما ستواجه إيران مأزقا داخليا عند إجراء الانتخابات الرئاسية العام المقبل لان شرعية الإصلاحيين ارتبطت بشكل كبير بنجاحهم في توقيع الاتفاق النووي الذي مكن إيران من التخلص من ثقل العقوبات الدولية، وفي حالة قام ترامب بتصعيد اللهجة ضد طهران والعمل على الحد من نفوذها سيجد المحافظون الإيرانيون مبررا للعودة إلى الوراء. فعودة التوتر بين إيران والولايات المتحدة إلى مستوياته السابقة هو امر يبعث على السرور والارتياح بالنسبة لتركيا والسعودية على أساس التنافس الإقليمي القائم بين الدول الثلاث، غير أن ذلك لا يعني أن سياسة ترامب ستكون سهلة تجاه السعوديين والأتراك فقد يعمل على تحييد عناصر الصراع الطائفي بمجمله والتنسيق مع قوى أخرى مثل مصر والأردن والأمارات التي تشاطر الرئيس الجديد رؤيته ورغبته في محاربة المتطرفين الإسلاميين.
أما من وجهة نظر مستقبلية فيبدو الموقف مزيجا بين الأمل والترقب بحذر ، إذ يأمل المعسكر الخليجي والتركي في طي صفحة الإخفاقات التي حصلت في عهد الادارة السابقة . لكن أمام فوز ترامب المفاجئ على الدول الاقليمية ان تعي جيدا انه  لن يكون الأمل هو الانطباع الوحيد في الميدان إذ سيزاحمه التوجس والخوف من طبيعة التغيير الذي سيأتي به البيت الأبيض بإدارته الجديدة فهو لم يكشف حتى الأن عن جميع أوراقه ويبدو المستقبل معه غامضا إلى حد ما لكونه يرسل إشارات متناقضة حول النموذج المتبع في إدارة السياسة الخارجية.  ومع ذلك، لا أحد يعلم كيف ستكون التوليفة الجمهورية وترامب على رأسها بالنظر إلى مواقفه السلبية السابقة من حلفاء أميركا ورفضه للاتفاق النووي مع إيران في أن واحد، ورغبته في التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعمل على توسيع دائرة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط من خلال تدخله في سوريا وارتباطه بعلاقة جيدة مع أصدقاء لواشنطن مثل الأردن ومصر والأمارات.
وفي هذه الحالة، قد تتشكل أرضية تفاهم أميركية روسية تنضم لها دول المنطقة سالفة الذكر لمواجهة التحديات الرئيسية مثل محاربة تنظيم “داعش” وتحقيق انتقال سياسي في سوريا مع الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة ولربما الشروع بشكل عاجل الى تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم .
ختاما اقول ان السياسة الاميركية ثابتة لا تتغير بتغيير الوجوه فما لم ينجزه بوش قد أنجزه اوباما وما لم ينجزه اوباما سينجزه ترامب وعلينا ان نعي هذه الحقيقة جيدا وأن لا نتصرف ونحكم على الامور وفق منطلقات تسيطر على عقليتنا الشرقية للاسف وان ندرك  ان الشرق الاوسط سائر لا محالة الى خارطة جديدة.