23 ديسمبر، 2024 4:39 ص

ترامب : سياسة منزوعة الأخلاق ووجه إنقلابي دكتاتوري وقبضة براغماتية تفكيكية !

ترامب : سياسة منزوعة الأخلاق ووجه إنقلابي دكتاتوري وقبضة براغماتية تفكيكية !

مقدمة
منذ تنصيب دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في 20كانون الثاني 2017 خلفا للرئيس باراك اوباما وجلوسه على كرسي الرئاسة , بدأت إدارته بسياسة تتنافر وتتباعد عن محور الأخلاق , ما يعني أنها تفتقد الى الكثير من عناصر الثقة والمصلحة المتبادلة وتدفع المراقبين الى تسميتها بالسياسة منزوعة الأخلاق . هذه السياسة بمصطلحها الجديد غايتها مادية صرفة لاتقوم على مبدأ العدل والأنصاف وفي حال تطبيقها على الصعيد الخارجي والداخلي فإننا لاننفي أنها ستقرع طبول الأنقلاب في كل تعاملاتها وتكون بديلا مناقضاعن سابقاتها بعوامل أهمها :
أولآ : أن عملية صنع القرار لا يعمد فيه الرئيس لمشاركة المجتمع الأمريكي ولو بأستفتاء يظهر صلة هذا المجتمع ودوره في صنع القرار ليستند على مشروعية ومطلب شعبي فيتطابق قراره مع القانون وإضفاء مصداقية للديمقراطية , بل يتجاهل ذلك ومبتعدا عنها وعن البيئة الأجتماعية واضعا أمام أعين المراقبين بزوغ فكرة أن الرئيس والحزب الجمهوري فوق الجميع .
وخير مثال على ذلك هو التوقيع الأول على تفكيك قانون أوباما كير للرعاية الصحية (Ombama care act 111 في 23 آذار 2010 وسبقه هجوم فظ على الرئيس أوباما ونقد لاذع وتشكيك بجدوى القرار من الناحية الأقتصادية على الرغم من أن القانون يوفر تكاليف علاجية منخفضة للمرض ويدعم شرائح كبيرة من المجتمع الأمريكي وخاصة شريحة السود التي ترزح تحت مطرقة الفقر .
ثانيا , في إطار السياسة الخارجية , ينبغي على الرئيس أن لا يبتعد عن الدول المعنية التي ترتبط معه أو تشاركه في أي معاهدة أو حلف بإصدار قرار ألغاء معاهدة أو أتفاق دولي هنا وهناك , لكن الرئيس ترامب تجاهل ذلك وتسبب في خلق صراع دولي في قرار إنسحابه من الأتفاق النووي الأيراني وفرض حصار منفرد وغير شرعي على الشعب الأيراني وبلا مبرر أخلاقي .
ومن هنا بدأ خط سير الرئيس على خطى التفكيكية ودكتاتورية الحزب الواحد في إدارة الشؤون الخارجية والداخلية منذ تبنيه فكرة الأنسحاب . أما الأهداف من إتباع السياسه هذه فلها مبررها الجوهري سنعرضه فيما يأتي .
دكتاتورية الحزب الواحد
قرارات تفكيكية بقبضة براغماتية
اعلن الرئيس ترامب في الاول من حزيران 2017 بنوايا براغماتية (= نفعية ) عن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة باريس للتخفيف عن التغييرات المناخية Paris Agreement on climate change , mitigations معتبرآ إياها معاهدة حرق المليارات من الدولارات في إشارة الى قرار أوباما بإيقاف حرق الفحم المنتج محليا وأستبداله بالغاز الصديق بخطة أسماها بخطة الطاقة النظيفة Clean Power Plan . أسرع الرئيس بألغائها وسمح للأمريكيين ويقصد الشركات الكبرى المستفيدة بحرقه للأستخدامات الداخلية المختلفة وتصديرالفائض منه ليرتفع بنسبة 60% عن المعدل قبل الألغاء من أجل توفير المليارات من الدولارات وخلق حالة من التنافس في السوق ضاربآ عرض الحائط الضرر البيئي الذي يتأثر به المواطن الأمريكي بشكل خاص والعالم بشكل عام .
وعاد الرئيس ليعلن في مايس 2018 انسحابه من طرف واحد من الاتفاق النووي الايراني الذي أشرنا اليه والموقع من قبل دول الاتحاد الاوربي وامريكا سنة 2015 وإعادة فرض العقوبات الأقتصادية على إيران الإسلامية مستغلآ بذلك الصراع السعودي – الأيراني في المنطقة وعملية التطبيع بين بعض الكيانات الخليجية وشغف هذه الكيانات في تحطيم القدرة الدفاعية لإيران وإمكانية ابتزاز الجانب السعودي كطرف غني وتحويل مايكسبه لدعم الأقتصاد الأمريكي كأولوية أولى ودعم الكيان الصهيوني كأولوية ثانية إيفاءً بتصريحاته اثناء حملته الأنتخابية .
ففي حملته الأنتخابية , وعد مؤيديه أنه سينقل السفارة الأمريكية الى القدس وسيعترف بها عاصمة ابدية للكيان الصهيوني وقد تم ذلك فعلآ في 14 مايس 2018 وتزامن ذلك بشكل مخطط له مع ذكرى مرور 70 عام على يوم النكبة للشعب الفلسطيني وبشكل متعمد , لإثارة مشاعره وليزيد جرحهم بالإهانة بشكل خاص وللعرب بشكل عام , وتزامن أيضا مع العيد الوطني للكيان المصادف 14 مايس 1948 الذي تعمد فيه الكيان بالاحتفال بالالعاب النارية وتحليق الطائرات وحفلات الشواء في كل مكان بشكل مبالغ فيه للغرض نفسه.
إذن قرار نقل السفارة يأتي أنتهاكا للقوانين الدولية ولا يرتكز على مبرر أخلاقي ويتعارض مع جميع مقررات الأمم المتحدة ذات الصلة لأنها أراض أحتلت سنة 1967, بل أن القرار تم من دون أي توافق بين وزراء حكومته أومستشاريه , وهو من ناحية أخرى تعبير عن عنجهية ترامب وسيره على خطى الدكتاتورية التي يراها بشخصيته المضطربة شجاعة وإيفاءآ لوعوده لأسرائيل , ولا يستبعد أن القرار جاء بمثابة هدية الى أبنته إيفانكا التي تحولت الى اليهودية لتتزوج من صهره جاريد كوشنر على حساب العرب المنقسمين بين مؤيد ذليل ومتخاذل يلهث وراء التطبيع خوفا على سلطانه وبين معارض مسلم شريف متمسك بخندق المقاومة .
ويستمر مسلسل الأنتهاكات , ففي 26 تموز 2018 طلب ترامب إعادة صياغة الأتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والأتحاد الأوربي ضمن منظمة التجارة العالمية World Trade Organization (WTO) مع رئيس المفوضية الأوربية جان كلود جنكر Jean-Claude Junckerمن اجل تخفيض التعريفة الكمركية على السلع الأمريكية غير الصناعية كالرز وفول الصويا وإلا سيواجهون حربآ كالتي مع الصين مما ترك إنطباعآ سيئآ لدى الأوربيون .
وفي آذار 2018 فرض ضرائب على أستيراد الحديد والألمنيوم من الصين بدعوى إنقاذ المنتوج المحلي من فترة الركود وتراجع الإقبال عليه منذ 1970 في الأسواق وحماية الأمن القومي الأمريكي .
وأثناء تنصيبه للقاضي بريت كفانج Brett Kavanaugh لمقعد المحكمة العليا في الأول من تشرين الاول 2018 في مؤتمر عن اتفاقية التجارة لشمال امريكا بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك , إنسحب ترامب من الأتفاقية وأعاد تجديدها بعد إحداث شرخآ في العلاقات بينهما وتم تسميتها بالإتفاقية الأمريكية المكسيكية الكندية “USMCA” U.S.-Mexico-Canada Agreementبدلآ عن الأتفاقية القديمة التي مضى عليها24أربعة وعشرون سنة .
وآخر الأختراقات للمعاهدات والأتفاقات الدولية كان في 20 تشرين الاول 2018 , إذ أنسحب من معاهدة الحد من القوة الصاروخية النووية الموجهة القصيرة والمتوسطة المدى التي وقعها كل من الرئيس رونالد ريغان وميخائيل غورباتشيف في الثامن من كانون الاول 1987. وهناك العديد من القرارات الخاصة بالهجرة التي أنتهكها الرئيس وأعاد صياغتها بما يخدم قبضته البراغماتيه .
الأهداف والمعطيات
يمكن ان يرى القارئ من خلال ماتقدم الأختلاف الملفت للنظر بين السياسة الأمريكية السابقة والسياسة الحالية تحت إدارة الرئيس ترامب . فالرئيس ترامب كونه رجل أعمال كبير لايضع في إعتباره أن النظام الديمقراطي في أمريكا يحتم عليه عرض مايرتأيه من تعديل أو الغاء لأي أتفاق أو معاهدة دولية على مائدة الأقتراع سواء في مجلس الشيوخ أو النواب الأمريكي , والذي يراه المراقب للشأن الأمريكي أن الحزب الجمهوري بدا على الأقل بقيادته , هو القائد الأوحد للبلاد يسيّر سياستها كما يشاء وهذه تعيد الى الأذهان شعارآ كان متداولآ بين الدول ذات الحزب الواحد التي حكمت بلدانها وهو ” الحزب فوق الجميع ” .
هذه السياسة الجديدة في إطار شعار حملته الأنتخابية ” أن نجعل أمريكا عظيمة ثانية ” والتي هي في حقيقتها أقتراب من حافة الدكتاتورية بالطابع البراغماتي , تضع مصلحة البلاد الأقتصادية كأولوية أولى فوق كل أعتبار لتذكرنا بأفكار البروفسور الأمريكي ميلتون فريدمانMilton Friedman الحائز على جائزة نوبل في الأقتصاد سنة 1976 , الذي يؤمن بسياسة رأسمالية السوق الحرfree-Market capitalism أو السياسة المالية Monetary policy التي تضمن عدم تدخل الدولة في مجريات الأسعار لكنها من ناحية أخرى تعمد على التغيير في مصادر السيولة المالية ذات التأثير على المدى القريب والبعيد في السوق .
وربما الرئيس ترامب قد تأثر بهذا اليهودي الصهيوني وبعوالمه الشيطانية وإيمانه بأن القبضة الرأسمالية التي تمسك بالأقتصاد العالمي هي القبضة البراغماتية مثلما تأثر به سلفه جورج بوش الأبن وخاصة في كتابه ( الرأسمالية والحرية ) الصادر عام 1962 , وهو بالتحديد الكتاب الذي صاغ الأخير به رؤيته لدور الدولة وضرورة استبعادها من ميدان الأقتصاد لفتح الأبواب على مصراعيها للمنافسة وسيادة قواعد اقتصاد السوق وهذا ما فعله ترامب في تفكيكه لقانون الرعاية الصحية او مايسمى باوباما كير ليعيد سوق المستشفيات على ماهو عليه قبل التفكيك من دون تدخل الدولة لتتحكم به الأسعار .
إذن جني الأموال هو جوهر سياسة الرئيس ترامب وليست السياسة التي ترتكز على الديمقراطية . وهذا مافعله في جميع الأختراقات للمعاهدات والأتفاقيات التجارية . ففي المجال التكنولوجي أظهر طموحه في تطوير وسائل الإبداع والبحوث العلمية لخدمة شعاره في الوصول الى حدود أخرى في مجال الأتصالات والنقل والذكاء الصناعي وذلك بأستخدام الطائرات المسيرة للأغراض التجارية وإنشاء تكنولوجيا منظومات قيادة المركبات Automated driving systems التي تخلي السائقين من مسؤولياتهم عند ترك أمور السياقة على المنظومة, وتكنولوجيا الطب والعلوم الأخرى وخاصة تكنولوجيا النانو Nano- Technology .
هذه الدعوة تمكنه من تحقيق شعاره الأول ” سنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى ” وشعاره الثاني ” أمريكا أولا ” للسيطرة على الشعوب وفرض مبدأ الأبتزاز والأتاوات وخاصة مع دول الخليج , تلك الدول المسكينة التي جعلت خزائنها في خدمة الولايات المتحدة وقتما تشاء سواء عن طريق الأبتزاز أو عن طريق شراء الأسلحة القسري لعقود وتكديسها دون الأستفادة من الكثير منها خوفا من ضياع سلطانهم وعروش سلاطينهم والآن على يد هذا السمسار الذي أدرك أن قوة أمريكا وعظمتها تكمن في دور المال الذي يمتلكه العالم وخاصة مع هؤلاء الضعفاء الأغنياء المنشغلين بلعبة العلة القديمة التي يسعدون بها جيلآ بعد جيل وهي عقيمة .
أن سمة التفكير البراغماتي ظهرت للعيان عند الرئيس منذ الحملة الأنتخابية وكانت حجر الزاوية في سياسته المناهضة لمنتقديه بالدرجة الأولى سواء من وسائل الأعلام أو من أعضاء في الحزب الديمقراطي وهي سياسة يراها غير قابلة للمساومة في حقبة مابعد باراك أوباما .
ليس ثمة امر تبدو فيه البراغماتية كسمة لسياسة ترامب وإنشغاله بها أكثر وضوحآ مما بدت في الأختراقات التي ذكرناها سابقآ . ففي أنسحابة من معاهدة باريس للتغيّر المناخي , أوضحنا أن وراء ذلك هو تحقيق صفقات تجارية تسهل , بل وتدعم الشركات الأمريكية الكبرى للهيمنة على الأسواق من خلال فك الأختناقات التي تفرضها المعاهدة على الفحم وهو بالتالي يوفر وظائف للعاملين .
وهذا أمر يراه ترامب ضروريآ , وإن لم يكن مرغوبا من دول العالم فهو يبدو ضروريآ من قبل الشعب الأمريكي كذلك الذي بدا يؤيد قراراته الخارجة عن إطار الديمقراطية التي ترى في جوهرها التشكيك في مثل هذه القرارات , أما الشعب الأمريكي صار ينظر الى ما يدعو اليه تراتب هو الأفضل لهم في الوقت الراهن , بل ويرون في حشاشتهم أن سياسته حقآ أظهرت سخف السياسات القديمة وان الديمقراطية الى حد ما لاتقدم قرارات تخدم مجتمعهم الهش .
الخاتمة
مازال الرئيس ترامب لا يتردد عن ابتزاز العالم بأنسحاباته من المعاهدات الدولية والأتفاقات من ناحية وعدم التردد من كيل الشتائم لمنافسيه ونقدهم بأشد الألفاظ ليغير اي اتفاق او برنامج أوسحب الدعم المالي منه كما فعل بالعديد منها وخاصة مع الشعب الفلسطيني من اجل ان يؤكد أن السياسة ينبغي ان تكون على اساس النتائج والنوايا البراغماتية وليس على اساس النوايا الحسنة فحسب .
ومن ناحية أخرى فهو لايتورع من فتح النار على المعترضين على سياسته وخاصة مع لاجئي دول امريكا اللاتينية من أجل تحقيق وعوده التي قطعها والمقترنه بقبضته البراغماتية ليضيفها الى قائمة انجازاته في عملية خلط للاوراق ليبين انه من الناحية التأريخية قدم مجملا لأعماله التي تدل على شجاعته وتحيزه للشعب الأمريكي , إلا أنه قيّد نفسه بدائرة هذه الأخلاق الضيّقة بلا فهم واضح لتطور المجتمعات وإدراك أن هذا النوع من الأخلاق يؤسس الى جيل لاحق لا يتوافق مع المجتمع الأوربي على الأقل بالرغم من أن بوادر عدم التوافق بدأت من فرنسا بفكرة إنشاء جيش أوربي لحماية أوربا من روسيا والصين وأمريكا .
ولو أمعنا النظر لدواعي الفكرة لوجدنا أن سببها هو القلق من مستقبل سياسة ترامب إزاء المجتمعات الغنية والخوف من عينيه التي تراها في يوم من الأيام طاووسا فيقتله من أجل ريشاته أو أبتزاز دولها بحجة حمايتها كما جرى الحال مع دول الخليج . لذلك فقد وجدت الفكرة تأييدآ من جانب روسيا ومن رئيس المجلس الأوربي دونالد توسكDonald Tusk وغضبا منه .
أن سياسة ترامب المنزوعة الأخلاق جعلت العالم يفقد الثقة والمصداقية في الأتفاقات الدولية اللاحقة التي تبرمها أمريكا مع الدول كما فقدتها بإنقلابه على الشعب الفلسطيني في مسألة القدس وظهر تحيزه الكامل للكيان الصهيوني ما جعل الفلسطينيين ينهون علاقتهم بالولايات المتحدة كوسيط محايد في عملية السلام مع الكيان الصهيوني وأعلنوا أنهم لايلتزمون بقرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد راعيآ لعملية السلام .
هذه السياسة لو تجذرت وساد دعاتها فسوف تلقي بظلالها على مستقبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيون ومصير حلف الناتو , ولكنها مهما طال الزمن أو قصر ستبقى بالنهاية سمة عابرة صنعتها سذاجة الشعوب والطموحات الشخصية للقادة شأنها في ذلك شأن النازية والفاشية والحركات القومية العنصرية في جميع أنحاء العالم فهي لاتلبث حتى تنتهي لتظهر الأخلاق التي سادت وحظيت بإهتمام البشرية منذ نشوء الحضارات .